حوار سياسي ليبي بأي معنى؟

04 يوليو 2024
خليفة حفتر في بنغازي، 16 نوفمبر 2021 (عبدالله دومة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ليبيا تشهد فوضى سياسية بسبب صراع السلطة بين شخصيات غير مؤهلة فكريًا، مما أدى لانهيار المؤسسات السياسية المشكلة خلال العقد الماضي، وعجزها عن بناء مشروع وطني يوحد الليبيين.
- تاريخ ليبيا المعاصر يعكس تعقيدات بدأت بانقلاب القذافي وإقامته نظاماً دكتاتوريًا، مخلفًا إرثًا من الحكم المنفرد والصراع على السلطة يستمر حتى اليوم.
- الجدل حول اجتماع روما لأنصار النظام السابق يسلط الضوء على التعقيدات السياسية في ليبيا والاهتمام الدولي بوضعها، مع تساؤلات حول إمكانية تجاوز الفوضى عبر حوار يؤسس لمشروع وطني شامل.

لعل أعمق تحليل لأسباب تعثر العملية السياسية في ليبيا أنها تعيش حالة من "الفوضى السياسية". فالمتصارعون على السلطة لا ينطلق أي منهم من خلفية فكرية سياسية واضحة، وكان الوقت كفيلاً بانهيار كل المؤسسات السياسية التي تشكلت خلال 10 سنوات بهدف بناء الدولة، كمجلسي النواب والدولة والمؤسسة العسكرية والحكومات وغيرها، لتنحصر في شخصيات بعينها، باتت هي من تمثل الصراع لمصالحها الخاصة. فتلك المؤسسات لم تتشكل من واقع زخم سياسي يفرض وجود برامج سياسية لبناء مشروع وطني يحتكم إليه الجميع. وآخر تجليات تلك "الفوضى السياسية" اجتماع مرتقب سينظمه مركز الحوار الإنساني في روما اليوم وغداً بين أنصار النظام السابق.

لقد انقلب معمر القذافي برفقة عدد من صغار الضباط على حكم دستوري، ونظّر لفلسفة حكم هلامية فضفاضة جعلها عنواناً لحكم لا يحمل أي رؤية سياسية، ما مكّنه من تفريغ الدولة من مؤسساتها ومنع أي تعددية أو مشاركة سياسية، كما هي طبيعة الحكم الدكتاتوري. وعقب سقوطه خلال ثورة شعبية في 2011 ترك إرثاً ثقيلاً لا يزال يلقي بتبعاته على المشهد، لعل من أبرز مفرزاته تعزيز ثقافة الرغبة في الحكم المنفرد الواضحة في تصرفات أقطاب الصراع الحالي. لكن المفارقة أن ثقافة الحاكم الفرد تجلت أكثر في أوساط أنصاره من بعده، وعنوان اجتماع روما للحوار بين أنصاره أبلغ دليل.

صحيح أن مركز الحوار الإنساني لم يعلن عن الاجتماع حتى الآن، لكن كثافة الحديث عنه في الأوساط الليبية، وبيان بعض الشخصيات المحسوبة على النظام السابق، هي من كشفت عن مكانه وزمانه، كبيان المكتب السياسي لسيف الإسلام نجل معمر القذافي الخاص بامتناعه عن المشاركة في الاجتماع. لكن السؤال الأبرز من هي الشخصيات المستهدفة بالحضور، وحول ماذا سيتحاورون؟ وقبل كل ذلك ما هي المعايير التي تحدد الشخصيات المحسوبة على النظام السابق ويمكن وصفها بأنصاره؟

من الطبيعي والمقبول جداً أن يتحدث سيف الإسلام عن الاجتماع، فهو نجل القذافي، وأبرز الشخصيات المحسوبة على النظام المخلوع وله أنصاره، لكن اللافت في موقفه الرافض للمشاركة فيه هو ربطه بمشاركة شخصيات من النظام السابق مقربة من اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي اختطف الشهر الماضي أحد الزعامات القبلية الموالية للنظام السابق والمعروف بولائه الشديد لسيف الإسلام، وإن لم يذكر تلك الشخصيات إلا أنه قطعاً يشير إلى أنها ربما تمثل حفتر في الاجتماع.

مثل هذا الجدل وما تثيره الكواليس الخاصة بالاتصالات والمشاورات الليبية دوماً ما يكشف عن عمق "الفوضى السياسية" المتجلية في كل الاتجاهات. ففي الواقع إن أغلب من في مراكز ومفاصل الحكم في المشهد الليبي، وأكثرهم تنفذاً فيه، هم شخصيات مقربة من القذافي أو عملت لوقت طويل ضمن منظومة حكمه. فرئيس مجلس النواب عقيلة صالح من شخصيات النظام القضائي البارزة في عهد حكم القذافي، بل لطالما مثّل قبيلته ضمن الحواضن الاجتماعية الموالية للنظام السابق. وخليفة حفتر رفيق القذافي في انقلابه العسكري وقائد أغلب حروبه لاحقاً، وكتائب القذافي السابقة مكون كبير من مكونات مليشياته. كما أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة من الموظفين الحكوميين البارزين في نظام القذافي... لتضم القائمة أسماء الشخصيات الأخرى.

يمكن تقديم قراءة سياسية ضمن تطورات المصالح الدولية في ليبيا لمحاولة التعرف إلى سبب رعاية منظمة غير حكومية، كمركز الحوار الإنساني، واستضافة دولة كإيطاليا، لاجتماع "أنصار النظام السابق" في هذا التوقيت، كالقول إنها محاولات من القوى الغربية لاختراق طيف أنصار النظام السابق الذين يتركزون في جنوب وشرق البلاد، حيث تنشط موسكو في تنفيذ خططها للتمركز والتوسط في تلك الأنحاء، نظراً لنفوذ سيف الإسلام في الجنوب وحفتر في الشرق، ما يُكسب القوى الغربية ورقة للضغط على المشروع الروسي بهدف عرقلته على الأقل. ولكن بغض النظر عن تلك الأسباب، يبدو أن هدف الاجتماع، وهو الحوار بين أنصار نظام من المفترض أن يكون موحداً في رؤيته السياسية وأهدافه ومشروعه، يفضي إلى فهم عميق لحالة فشل العملية السياسية في البلاد، وبالتالي الوصول إلى الأسباب التي خلقت "الفوضى السياسية" التي من الواجب أن تُعليها جميع القوى المحلية، لتتمكن من بناء مشروع وطني يؤسس لتشكل الدولة بمفهوم المشاركة ويزيح عنها ثقل ثقافة الحاكم الفرد.