أثارت الحملة التي أعلنت عنها "هيئة تحرير الشام" مساء الأحد الماضي، والتي أدت بحسب بيان الهيئة إلى اعتقال عشرات العناصر التابعين لتنظيم "داعش"، والسيطرة على أوكار تابعة لهم، العديد من التساؤلات لجهة وجود هذا الكم الكبير من العناصر التابعة للتنظيم في شمال سورية، وهل هم مجرد عناصر تابعين للتنظيم أم هناك انتشار للفكر الداعشي في المنطقة، بالإضافة لتساؤلات عديدة حول توقيت العملية وآلية تنفيذها.
فقد أفادت "هيئة تحرير الشام" في بيان، عن تمكّن المكتب الأمني التابع لها من اعتقال أكثر من مائة عنصر تابعين لتنظيم "داعش"، بينهم ثلاثة انتحاريين، في كل من مدينة إدلب وبلدة سرمين (شرق إدلب بنحو 10 كيلومترات)، بالإضافة إلى تمكّنها من إلقاء القبض على "والي تنظيم داعش" في الشمال السوري المدعو أبو القعقاع الجنوبي، والمسؤول الشرعي للتنظيم في المنطقة أبو السوداء المصري، والمسؤول الأمني لخلايا التنظيم أبو ابراهيم العراقي، في مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي الشرقي بالقرب من الحدود التركية السورية. كما أكد البيان اعتقال الأمنيّ العام للتنظيم المدعو أبو سليمان الروسي في مدينة إدلب.
ويبدو أن حملة "هيئة تحرير الشام"، وبغض النظر عن مدى دقة المعلومات الواردة في بيانها، تندرج ضمن الصراع الذي تخوضه الهيئة على ثلاثة مستويات: الأول مستوى صراعها مع المجتمع الدولي ومحاولتها التخلص من تهمة الإرهاب، والثاني صراعها مع حركة "أحرار الشام"، والثالث محاولتها كسب حاضنة شعبية والاستثمار في خدمات المواطنين لتأمين مصادر دخل ذاتية.
ولا تزال الهيئة تحاول تبرئة نفسها من تهمة الإرهاب التي تلاحقها بسبب وجود "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً) كأحد أهم مكوّناتها وعلى رأس قيادة ذراعها العسكري. فعمدت الهيئة إلى ضم مجموعة من المكوّنات غير المتجانسة إيديولوجياً من الجيش الحر وفصائل إسلامية متباينة التوجّهات، كما خفّفت كثيراً من خطابها المتشدد، لتبدأ خطاباً جديداً يتحدث باسم الثورة، علّها تتخلص دولياً من تهمة الإرهاب. وبالتالي قد تكون العملية الأخيرة مبادرة من الهيئة لتثبت أنها تحارب الإرهاب.
كما عملت الهيئة على فكرة توحيد الفصائل التي أصبحت مطلباً شعبياً، واستغلت رفض "أحرار الشام" التوحّد معها، فعملت على شيطنتها شعبياً وتصويرها كفصيل ساعٍ للسلطة. كذلك استغلت موافقة حركة "أحرار الشام" على دخول قوات تركية إلى الأراضي السورية، وبدأت تعمل على تصدير خطاب يُصوّر الحركة كفصيل ينسّق مع القوى الخارجية والموافق على تقسيم سورية، وتصوّر نفسها على أنها الفصيل الذي يعمل على حماية وحدة الأراضي السورية والذي سيقف في وجه كل القوى الخارجية التي قد تدخل الأراضي السورية. علماً أن هذا التوجّه هو أبعد ما يكون عن توجّه "جبهة النصرة" التي لا تعترف بوحدة الأراضي السورية وإنما تنظر إليها كجزء من أرض الخلافة الموعودة.
وتعمل الهيئة على كسب الحاضنة الشعبية في المنطقة بكل السبل المتاحة، وإضافة إلى محاولة شيطنة الفصيل الذي ينافسها، تعمل على تصوير نفسها كخيار أفضل للمواطنين لجهة تقديم الخدمات لهم، وذلك بهدف الاستثمار في الخدمات التي تُقدّم لهم وتحقيق عائد من التمويل الذاتي يساعدها على الاستمرار.