يسعى حلفاء مصر لاجتذاب السودان إلى صفوفهم في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي تمدد أخيراً في مناطق ليبية.
فقد تسلّم الرئيس السوداني عمر البشير دعوة رسمية لزيارة دولة الإمارات، يُنتظر أن تجري السبت، وسيكون ملفها الأساسي مواجهة تنظيم "داعش" في ليبيا، والتخوّفات المصرية من تمدد التنظيم نحوها، لا سيما بعد إقدامه على ذبح 21 مصرياً وبث تهديدات مباشرة للقاهرة عقب إقدامها على ضرب معاقل للتنظيم في ليبيا انتقاماً لرعاياها الذين قُتلوا على يد "داعش".
وبعد فشل المحاولات المصرية في إقناع عدد من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي باستصدار قرار دولي للتدخل في ليبيا، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية والصين اللتين تعترضان بقوة تجاه تلك الخطوة، لم يعد أمام القاهرة سوى التحرك عربياً مع ضمان التأييد الأوروبي، خصوصاً من قِبل فرنسا وإيطاليا، ولا سيما أن الأخيرة تخشى من انتقال "داعش" من طرابلس إلى أراضيها بسبب قرب المسافة عبر البحر المتوسط، الأمر الذي يجعل وجود التنظيم في ليبيا تهديداً مباشراً لإيطاليا.
وعلمت "العربي الجديد" أن تحركات مصرية تجري في محاولة لتحييد الخرطوم وكسبها كحليف في المعركة المصرية المقبلة ضد "داعش"، عبر إقناع الخرطوم بتكوين قوات مشتركة سودانية مصرية ليبية بقيادة مشتركة تنتشر على مثلث جبل العوينات، للحد من استغلال التنظيم للحدود السودانية المفتوحة والتسلل عبرها لضرب جنوب مصر.
وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن الإمارات ومن خلال زيارة البشير إليها، ستُجري مفاوضات مباشرة معه لتأمين الجبهة السودانية وكسبه كحليف متعاون ضد "داعش"، باعتبار أن دول الخليج تخشى من تمدد التنظيم إلى أراضيها، فضلاً عن أن الإمارات غير مستعدة للدخول في حرب مباشرة مع التنظيم حالياً.
كما تريد الإمارات الاستفادة من العمل الاستخباري للخرطوم في ليبيا وحلفائه الموجودين على الأرض، فضلاً عن الاستعانة بالسودان لإقناع المؤتمر الوطني الليبي بالتعاون مع مجلس نواب طبرق لقتال "داعش"، باعتبار أن العدو واحد أسوة بما تم أيام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.
لكن في المقابل، فإن حكومة عبدالله الثني الليبية لا تثق كثيراً في الخرطوم، الأمر الذي قد يُصعّب من المحاولات المصرية والإماراتية. ففي أول رد فعل على مقتل 21 مصرياً، جدد قائد "عملية الكرامة" الليبية اللواء خليفة حفتر اتهامه للسودان وتركيا وقطر بدعم المتشددين في ليبيا، الأمر الذي نفاه بشدة المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني الصوارمي خالد سعد.
وقال الصوارمي خالد سعد لـ"العربي الجديد"، إن "هذا ادعاء لا أساس له، ومسعى لإثارة نعرات عدائية"، مشدداً على أنه "لا توجد أي جهة تستطيع إدانتنا لأننا لا ندعم أي جماعات إرهابية لا في ليبيا ولا غيرها".
وأضاف "نحن أكثر دولة في المنطقة حاربت ولا زالت تحارب تلك الجماعات التي تقاتل سواء باسم الدين أو أي مسميات أخرى"، لافتاً إلى أن "داعش لا يمثل تهديداً لليبيا فقط وإنما لجميع دول الجوار الليبي".
وكان وزير الإعلام السوداني أحمد بلابل عثمان، توقّع أن تشهد الفترة المقبلة حراكاً عسكرياً سياسياً لمحاصرة "داعش" في ليبيا، مذكّراً أن الحدود السودانية الطويلة قد تسمح بتسلل المهاجرين وتجار السلاح إلى ليبيا من دون علم السلطات في الخرطوم.
ويرى مدير الأمن الخارجي السابق في السودان حسن بيومي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أي اتصالات مصرية سودانية في الوقت الراهن حول تهديد "داعش" لأمن مصر ستقتصر حول قضايا الحدود وإمكانية مراقبتها عبر الطيران المصري عبر إبرام اتفاق ثنائي يسمح للقاهرة باستخدام الأجواء السودانية، باعتبار أن السودان هي الدولة الوحيدة التي لها حدود واضحة مع ليبيا.
ويشير إلى أنه "يمكن للتنظيمات الإرهابية الدخول إلى السودان بسهولة في حال تضييق الخناق عليها في لبيبا باعتبار أنها عادة ما تستهدف المناطق الضعيفة"، لافتاً إلى "أن مصر تبحث عن تعاون سوداني لإغلاق أي منفذ لتسلل تلك الجماعات وضربها عبر السودان".
لكن الأستاذ الجامعي السوداني الطيب زين العابدين يستبعد تماماً "أن تجد مصر مبتغاها من الخرطوم، باعتبار أن الحكومة السودانية ليس لديها أي مصلحة في الوقت الحالي للدخول كطرف عسكري في الأزمة الليبية الراهنة، لما تعانيه من أزمات داخلية"، مشيراً أيضاً إلى "أن الحكومة السودانية لا تريد أن تفتح جبهة جديدة باستهداف تلك الجماعات الإرهابية التي قد تدخل بسهولة إلى أراضي السودان وتسبّب لها مشاكل حقيقة، فضلاً عن أن الخرطوم لا تثق في مصر إطلاقاً، ولكنها قد توافق على نشر قوات مشتركة على الحدود".
وفي المقابل يرى المحلل السياسي السوداني ماهر أبو الجوخ، أن السودان قد يلجأ لاستغلال تلك الفرصة لمعالجة الملفات العالقة مع مصر والدول الغربية، ومنها ملف العقوبات فضلاً عن تحقيق مكاسب دبلوماسية.
ويشير أبو الجوخ في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "القرارات الأميركية الأخيرة برفع العقوبات عن قطاع التكنولوجيا، يمكن ان تُقرأ ضمن الترتيبات الإقليمية الجديدة في المنطقة والتي قد تحوّل الخرطوم لخانة الدول المحاربة للإرهاب، الأمر الذي سيتجاهل معه المجتمع الدولي كافة القضايا القديمة المتصلة بالحكومة في الخرطوم، ومن بينها قضية المحكمة الجنائية الدولية وإحالة البشير لمحكمة لاهاي"، معتبراً ان "الخرطوم ستُضحي بعلاقاتها بالإسلاميين وسبق أن فعلتها عندما قامت بتسليم إسلاميين متشددين في التسعينيات".
أقرأ أيضاً: "التعاون الخليجي" يندّد باتهام مصر لقطر بدعم الإرهاب