حكومة نتنياهو المقبلة معلّقة بقرار المحكمة العليا

22 ابريل 2020
التماسات للمحكمة العليا بمنع تكليف نتنياهو (جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -



شكّل الاتفاق الذي توصل إليه مساء الاثنين كل من "الليكود" برئاسة بنيامين نتنياهو، وحزب "كاحول لفان" بزعامة الجنرال بني غانتس، خطوة أولى من شأنها أن تُخرج إسرائيل من أزمتها الدستورية، لكنها قد لا تعني، حتى في حال تم تشكيل حكومة فعلاً، خروجاً من الأزمة السياسية التي تعصف بإسرائيل منذ عامين تقريباً. ويأتي ذلك عملياً لكون مصير الائتلاف الحكومي الذي سيتعيّن على نتنياهو عرضه على الكنيست خلال الأسابيع المقبلة، لا يزال غير واضح، وليس مؤكداً أن يتمكن نتنياهو أصلاً من عرض حكومته على الكنيست لنيل ثقتها. وجاء أول أسباب عدم وضوح مصير هذا الائتلاف وفرص الحكومة المقبلة بعد ساعات من الإعلان عن الاتفاق بين الطرفين، جراء تقديم التماسات إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، ضد تكليف نتنياهو أصلاً بتشكيل الحكومة. وتطالب الالتماسات بمنع تكليف نتنياهو كونه ليس رئيس حكومة عادية منتخبة قُدّمت ضده لوائح اتهام، بل لكونه رئيس حكومة تصريف أعمال، وبالتالي هو عملياً، بحسب أحد الالتماسات، عضو كنيست توجد ضده لوائح اتهام خطيرة، وحُددت لمحاكمته جلسات رسمية.

ويُبرز الالتماس المقدّم ضد تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، والاتفاق الذي أعلن عنه بينه وبين غانتس، جانباً من غرائب الثقافة السياسية الإسرائيلية في العقد الأخير، التي تتم فيها مفاوضات لتشكيل حكومة من قبل حزبين لا يملك أي منهما تكليفاً رسمياً من الجهة المخوّلة بذلك في إسرائيل وهي الرئيس رؤبين ريفلين.

ولعله من المفيد التذكير هنا أن المهلة الرسمية الوحيدة التي منحها الرئيس الإسرائيلي لتشكيل الحكومة، كانت المهلة التي حصل عليها غانتس بعد حصوله على تأييد 62 نائباً من الكنيست، بينها أصوات 15 نائباً من القائمة المشتركة للأحزاب العربية، لكن المهلة انتهت من دون أن يتمكن غانتس من تشكيل حكومة، بعد أن أسقط خيار تشكيل حكومة ضيقة بدعم خارجي من النواب العرب، وانشق عن شركائه السابقين ليتجه إلى حكومة وحدة مع نتنياهو، لكن مع ذلك انتهت المهلة الرسمية من دون أن ينجح في ذلك.

ومع أن الرئيس الإسرائيلي نقل التكليف بحسب القانون إلى الكنيست، إلا أن غانتس ونتنياهو واصلا مفاوضات مضنية، خرج منها نتنياهو منتصراً بكل المقاييس، وحقق كل شروطه، بما في ذلك تراجع غانتس عن مطلب (الحصول على) دعم دولي لفرض القانون الإسرائيلي وضم مناطق من الضفة الغربية المحتلة، مثلما تراجع عن شعاره الرئيس والأساسي الذي خاض تحته ثلاث معارك انتخابية، وهو شعار إطاحة نتنياهو وعدم المشاركة في حكومة تحت قيادة شخص توجد ضده لوائح اتهام.

هذه الوقائع كلها تضع المشهد الإسرائيلي أمام وضع لم يسبق له مثيل، حزبان يملكان اتفاقاً لتشكيل الحكومة، لكن أياً منهما لا يملك تفويضاً من الرئيس الإسرائيلي، والتماسات تهدد بمنع الشخص المقترح لرئاسة الحكومة من تولي المنصب.
هذا الوضع يفسر عملياً طبيعة الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان، و"خريطة الطريق" التي رسمها الاتفاق لبلوغ الهدف بإبرام الاتفاقيات مع باقي الأحزاب المرشحة للمشاركة في الحكومة، ثم بعد ذلك، وبالاعتماد على نقل التكليف للكنيست لاختيار عضو كنيست يحظى بتأييد 61 عضواً يوصون به لتشكيل الحكومة، يتم التوجه إلى رئيس الدولة، وفور الحصول على التوصية، وبعدها بساعات قليلة فقط يعلن عن التوصل إلى تشكيل حكومة، وسط سباق مع الزمن، لسد الطريق أمام المحكمة الإسرائيلية العليا من إصدار قرار يمنع نتنياهو من تشكيل الحكومة.


هذه هي عملياً خطة نتنياهو وغانتس، لكن عراقيلها تأتي كما أسلفنا من القرار المرتقب للمحكمة الإسرائيلية بشأن الالتماسات المقدمة لها، خصوصاً أنها ألزمت أمس كلاً من المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت وكتلة "الليكود" وكتلة "كاحول لفان" بالرد حتى ظهر غد الخميس على الالتماسات المذكورة.

ومع ذلك، فإن الاتفاق بين "الليكود" و"كاحول لفان"، لم يغفل هذه المسألة، بل وضع لها بنداً خاصاً، يتحوّط فيه نتنياهو ضد قرار قضائي، وينتزع التزاماً من غانتس وفق البند الثامن من الاتفاق بينهما، بأن يتجه الحزبان لحل الكنيست والذهاب إلى انتخابات رابعة في حال تعذر على أي من غانتس أو نتنياهو شغل المنصب المحدد لهما وفق الاتفاق.
ولعله من المفيد في هذا الباب التنبيه إلى أن الاتفاق الذي امتد على 14 صفحة، فإن أغلب بنوده خصصت بعد ديباجة تهوّل من الأزمة التي تشكلها جائحة كورونا ووجوب تشكيل حكومة طوارئ وطنية لمواجهتها، لمسألة رئيسية واحدة: تحصين موقع ومنصب وحقائب كل حزب من الحزبين، والضمانات اللازمة لتطبيق الاتفاق، خصوصاً بند التناوب بين نتنياهو وغانتس في رئاسة الحكومة، لدرجة إرجاء وضع خطوط أساسية للحكومة إلى ما بعد أدائها القسم الدستوري.

أما الموضوع الآخر والوحيد الذي سيحدد هوية وتوجهات الحكومة المقبلة، فهو البندان المتعلقان بضم مناطق من الضفة الغربية المحتلة وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، وفق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المعروفة بـ"صفقة القرن"، وهما البندان 28 و29.
وبحسب البند 28 فإنه "بالنسبة لكل ما يتعلق بإعلان الرئيس ترامب، فإن رئيس الحكومة ورئيس الحكومة البديل سيعملان بتوافق تام مع الولايات المتحدة، بما في ذلك في مسألة الخرائط مقابل الأميركيين، ومن خلال الحوار الدولي حول الموضوع، وكل ذلك وسط السعي للحفاظ على المصالح الأمنية والاستراتيجية لدولة إسرائيل ومن ضمنها الحاجة للحفاظ على استقرار إقليمي، والمحافظة على اتفاقيات السلام والسعي لاتفاقيات سلام مستقبلية".

ويضيف البند 29: "على الرغم مما ورد في البند 3، والبند 20، والبند 21 والبند 28 أعلاه، وبعد إجراء مداولات ومشاورات بين رئيس الحكومة ورئيس الحكومة البديل حول المبادئ المذكورة أعلاه، بمقدور رئيس الحكومة أن يعرض الاتفاق الذي يتم التوصل إليه مع الولايات المتحدة بشأن فرض السيادة الإسرائيلية بدءاً من يوم 1-7-2020 للبحث أمام الكابينيت والحكومة والمصادقة عليه في الحكومة و، أو في الكنيست. وفي حال رغب رئيس الحكومة بعرض اقتراحه على الكنيست، يستطيع القيام بذلك أيضاً من خلال عضو كنيست، بشرط أن يكون من كتلة الليكود، بحيث يلتزم عند التصويت على الاقتراح بالقراءة التمهيدية أن التشريع سيعدل بما يوافق النص الذي عرضه رئيس الحكومة أمام الكابينيت والحكومة. بعد القراءة التمهيدية، وفي حال كان مقترح القانون هو قانون من الحكومة بعد القراءة الأولى، يتم تشريع القانون بأسرع وقت وبشكل لا يشوش أو يعرقل العملية من قبل رئيس لجنة الكنيست ولجنة الكنيست لمناقشته في لجنة الخارجية والأمن".

وطبقاً لما ذُكر أعلاه، فإن ملحق طرق عمل الائتلاف لن يسري على هذا البند. ويشكل هذان البندان عملياً التعريف الوحيد لسياسة الحكومة المقبلة لتكريس الاحتلال وفرض السيادة، من دون توضيح المناطق التي سيتم فرض السيادة عليها ومساحتها أو مواقعها الجغرافية.