تعرّض اليهود بعد أسبوع من اندلاع العدوان على غزة، حسب "رابطة مكافحة التشهير"، لـ 193 اعتداءً أو تلويحاً بالعنف أو تخريباً لأماكن عبادة أو غيرها في عدة مدن أميركية، وخاصة في مناطق التجمع اليهودي الكبير، مثل نيويورك ولوس أنجلوس. وسبق ذلك بأيام 131 عملية من هذا النوع. وتقول الرابطة التي تعتبر واحدة من أكبر المنظمات اليهودية الأميركية، إنها رصدت خلال فترة من 13 إلى 17 مايو/ أيار الجاري "أكثر من 17 ألف تغريدة على تويتر ترددت فيها بصورة أو بأخرى عبارة (هتلر كان على حق)". وهذه كانت أكثر ما أثار الخشية التي أبداها رئيس هذه المؤسسة جوناثان غرينبلوت، في مقابلاته التي دق فيها جرس الإنذار من مخاطر هذه النزعة.
وحذّرت منظمات يهودية أخرى من "الآثار البعيدة المدى" لمثل هذه الموجة، وطالبت الرئيس بايدن بوجوب "التصدي لها بقوة". ويزيد من المخاوف أن هذه الردود سبقتها أحداث عكست تنامي مشاعر الكراهية ضد اليهود، خلال السنوات الأخيرة، كانت ذروتها في تظاهرة مدينة شارلوتسفيل في صيف 2017، التي ترددت فيها هتافات المتعصبين البيض: "اليهود لن يحلوا مكاننا". ثم تبعتها مجزرة كنيس مدينة يبتسبورغ في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 التي سقط فيها 11 قتيلاً على يد مسلّح من العنصريين البيض.
الواقع أن لغة الكراهية وجرائمها في أميركا لم تستهدف اليهود وحدهم في السنوات الأخيرة، بل شملت معظم الأقليات التي عانت من انتعاش النعرة العنصرية ضدها، والتي انتقلت تعبيراتها في عهد الرئيس ترامب من المكبوت إلى المكشوف.
خطابه الموجه إلى الشارع المحافظ المنغلق، أعطى اليمين المحافظ جرعة كبيرة من التجرؤ والقدرة على الاقتحام. خصوصاً بعد أن ترجم ذلك بخطوات "شرعنت" التمييز والنفور من "الآخر" المختلف بلون البشرة أو المعتقد أو حتى الموقف السياسي. وشمل ذلك المقيمين من أصول آسيوية أو من أصول أميركية لاتينية، وخاصة المتسللين عبر الحدود. ثم مع بداية الحملة الانتخابية راح يمعن في مخاطبة جمهوره والناخب الأبيض عموماً، بلغة التخويف من الآخرين الذين صُوِّروا بأنهم خطر على الأمن وعلى فرص العمل، وعبء على الخزينة، وغير ذلك من التحريضات.
وكانت البداية بقراره في بداية رئاسته عام 2017، بمنع سفر المسلمين من عدة بلدان إلى أميركا بزعم "حمايتها من الإرهاب"، وكانت الرسالة إلى الشارع واضحة، وكما كان المتوقع، تبعتها أحداث ومضايقات استهدفت العرب والمسلمين الأميركيين آنذاك وما زالت، حيث تعرض مسجد في منطقة بروكلين بنيويورك للتخريب قبل أيام.
ومع بدايات الحملة الانتخابية قوي هذا الخطاب لشد عصب القاعدة واستمالة ما أمكن من المتخوفين. ووسط هذه الأجواء، وقعت حادثة الأميركي الأسود جورج فلويد، الذي مات خنقاً تحت ركبة شرطي أبيض في مثل هذه الأيام، 25 مايو/ أيار من العام الماضي، لتلهب الساحة وتفتح الجرح العنصري من جديد في مواجهات اختلط فيها العنف بالقمع، وبما فاقم من صب الزيت على نار الفرز والانقسام الداخلي. في الوقت ذاته، كان فيروس كورونا قد بدأ يشتد فتكه ويهدد حملة ترامب، الذي راح يتحدث عنه بلغة "الفيروس الصيني"، وبما يحمّل الصين مسؤولية الجائحة لأنها "قصرت في الإبلاغ عنها". كلامه وجّه النقمة نحو الأميركيين من أصل آسيوي، الذين تعرضوا للمضايقات والضرب والاعتداء العشوائي في الشوارع وأمكنة وجودهم، إلى حد استدعى استصدار قانون لحمايتهم من الأذى.
في ظل هذا المناخ وقع العدوان على غزة، مشهد الدمار والقصف الإسرائيلي أثار ردة فعل صاخبة. شاركت فيها وجوه وأقلام يهودية، مثل السيناتور بيرني ساندرز والكاتب بيتر بينارت وغيرهما، من موقع التعاطف مع الشعب الفلسطيني والدفاع عن بعض الشعارات والهتافات في التظاهرات التي شهدتها عدة مدن، شجباً للعدوان الإسرائيلي، التي حاول البعض تصنيفها في خانة معاداة السامية. لكن المحاولة فشلت وحققت حركة الإدانة للاعتداء الإسرائيلي خطوة أخرى في الفصل بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية. تحت ستار الثانية والخوف من تبعاتها كان يجري إخراس الأصوات المعترضة على إسرائيل وانتهاكاتها. هذه حيلة صارت مفضوحة والجدل داخل الجالية اليهودية احتدم أكثر، في ظل مخاوف من تزايد العزلة إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه.