لم تكتفِ الصين، بحسب اتهامات دول غربية لها، بالتوسع في بناء معسكرات اعتقال لإثنية الإيغور المسلمة في شينجيانغ شمال غرب البلاد تحت حجة محاربة الإرهاب، بل إنها بدأت بإزالة كل المعالم التي يمكن أن تشير إلى تراث هذه الأقلية في المنطقة، إذ تم تدمير قرابة 16 ألف مسجد أو أُلحقت بها أضرار، كما سويت بالأرض نحو ثلث المواقع الإسلامية المهمة في شينجيانغ، ومن بينها الأضرحة والمقابر وطرق الزيارة الدينية.
وذكر معهد السياسة الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث أسترالي مقره كانبيرا، في تقرير تحت عنوان "مشروع بيانات شينغيانغ" نشره أخيراً، بالتزامن مع تقرير مشابه نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن السلطات الصينية دمرت آلاف المساجد في إقليم شينجيانغ الذي يتمتع بحكم ذاتي. وتقول مجموعات حقوقية إن أكثر من مليون شخص من الإيغور ومسلمين آخرين، غالبيتهم من الناطقين بالتركية، محتجزون في معسكرات في أنحاء الإقليم الواقع في شمال غرب البلاد، فيما يُرغم الناس على التخلي عن تقاليدهم، ومنها الدينية. وتم تدمير نحو 16 ألف مسجد أو ألحقت بها أضرار، بحسب معهد السياسة الاستراتيجية، الذي استند في تقريره إلى صور الأقمار الاصطناعية، التي وثقت مئات المواقع المقدسة، وإلى نماذج إحصائية عن هذه المواقع. ومعظم الدمار حصل في السنوات الثلاث الماضية. ويعتقد أن 8500 مسجد دُمرت بالكامل، وفق التقرير الذي رصد مزيداً من الأضرار خارج مدينتي أورومتشي وكاشغر. والعديد من المساجد التي نجت من التدمير أزيلت قببها ومآذنها، بحسب التحقيق الذي قدر أن أقل من 15500 مسجد، سليم ومتضرر، ما زالت قائمة في أنحاء شينجيانغ.
دمّر نحو 16 ألف مسجد في شينجيانغ أو ألحقت أضرار بها
وبالمقارنة، فإن الكنائس المسيحية والمعابد البوذية في شينجيانغ، والتي شملها تحقيق مركز الأبحاث الأسترالي، لم تتعرض للدمار أو لأضرار. وذكر المركز أيضاً أن نحو ثلث المواقع الإسلامية المهمة في شينجيانغ، ومن بينها الأضرحة والمقابر وطرق الزيارة الدينية، سويت بالأرض. في المقابل، تصر بكين على أن أهالي شينجيانغ يتمتعون بحرية دينية كاملة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين، الأسبوع الماضي، إن في الإقليم، قرابة 24 ألف مسجد، وهو عدد "يفوق مثيلاته في العديد من الدول الإسلامية" نسبة للفرد. ونفى قيام السلطات الصينية بتدمير المواقع الدينية، مشيراً إلى أنها "تقوم بحماية المساجد وتقوم بترميمها".
وبالتزامن مع تقرير المعهد، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريراً، مدعماً بصور أقمار اصطناعية من التقرير، أشارت فيه إلى أن السلطات الصينية أزالت المساجد والأضرحة في شينجيانغ. وأوضحت أن بكين منعت في عام 2014 المسلمين من زيارة ضريح الإمام عاصم، الموجود في الصحراء، قبل أن تقوم نهاية العام الماضي بإزالة غالبية الموقع، حيث تم تدمير كل ما يحيط بالمقام، وبينها المسجد. وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية أن المبنى الذي يحوي قبر الإمام عاصم لم يمس.
وأوضحت الصحيفة أن الصين تشن حرباً على ثقافة المسلمين ومعتقداتهم، عبر تدمير الأضرحة الرئيسية والمساجد والأماكن المقدسة الأخرى في جميع أنحاء شينجيانغ. وأشارت إلى أن إغلاق وتدمير هذه المواقع يأتيان في إطار الحملة الواسعة التي تقوم بها الصين لتحويل الإيغور والكازاخيين وأعضاء الجماعات العرقية الأخرى في آسيا الوسطى إلى موالين للحزب الشيوعي.
وقال ناثان روسر، الباحث في المعهد الذي قاد دراسة معهد السياسة الاستراتيجية، للصحيفة: "ما يظهر هو حملة هدم ومحو لم يسبق لها مثيل منذ الثورة الثقافية" في ستينيات القرن الماضي. وخلال الاضطرابات التي استمرت عقداً من الزمن منذ عام 1966 في عهد ماوتسي تونغ، دُمرت العديد من المساجد وغيرها من المواقع الدينية.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن السلطات الصينية حدّت كثيراً من قدرة الحركة في شينجيانغ، ومنعت خروج أي معلومات من المنطقة. وقالت الخبيرة في ثقافة الإيغور في جامعة لندن راشيل هاريس "ما نراه هو تدمير مُتعمد لمواقع هي تراث شعب الإيغور". وذكرت الصحيفة أن السلطات دمرت بعض المساجد باسم التطور. وأوضحت أنها دمرت مسجداً في مدينة هوتان العام الماضي لتبني مكانه حديقة عامة. وذكرت أن غالبية المساجد في مدينة كاشغر تم إغلاقها، فيما تم تحويل أحدها إلى ملهى ليلي، كما تم تحويل بعضها إلى مراكز سياحية.
ويأتي تقرير معهد السياسة الاستراتيجية عن تدمير المساجد والأضرحة بعد نشره تقريراً عن رصد شبكة من مراكز الاعتقال في المنطقة تفوق بكثير التقديرات السابقة. وتقول الصين إن معسكراتها هي "مراكز للتدريب المهني وهي ضرورية لمكافحة الفقر والتطرف"، فيما نفى المتحدث باسم الخارجية وانغ وينبين وجود "معسكرات اعتقال" في شينجيانغ وشكك في "مصداقية" تقرير معهد السياسة الاستراتيجية.
دمرت السلطات الصينية كل ما يحيط بقبر الإمام عاصم
وكان المعهد كشف في تقرير نشره، أمس الأول، أنّ للصين 380 "مركز اعتقال مفترضاً" في شينجيانغ. وتتعرض هذه المنطقة الضخمة شبه الصحراوية، التي شهدت اعتداءات دامية نُسبت إلى أفراد من إثنية الإيغور لسيطرة أمنية مشددة باسم مكافحة الإرهاب. وتفيد منظمات تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان بأنّ أكثر من مليون شخص، معظمهم من المسلمين، نُقلوا إلى "معسكرات اعتقال". وتؤكد الصين أنها "مراكز للتدريب المهني" لمساعدة السكان على إيجاد وظيفة والابتعاد عن التطرف الديني.
وأوضح معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي أنه كشف بفضل الصور الملتقطة بالأقمار الاصطناعية وشهادات ومقالات صحافية واستدراج عروض عامة "أكثر من 380 مركز اعتقال مفترضاً" في شينجيانغ. وقال باحثون إنّ هذه المراكز التي تكون وظائفها وحجمها أحياناً مختلفة، هي "معسكرات إعادة تأهيل" و"مراكز اعتقال" أو حتى "سجون". ويمثل هذا الرقم زيادة بنسبة 40% لتقديرات سابقة. و"جرت في 61 مركز اعتقال على الأقل أعمال بناء جديدة وتوسيع بين يوليو/ تموز 2019 ويوليو 2020، بحسب الدراسة.
وقال روسر إن الدراسة تشير إلى "التحول من نظام معسكرات إعادة التثقيف، نحو مزيد من المرافق على طراز السجون". وأضاف: "تم الانتهاء من إنشاء معسكر اعتقال جديد في مدينة كاشغر، يضم 13 مبنى سكنياً من خمسة طوابق محاطة بجدار ارتفاعه 14 متراً، وأبراج مراقبة. وقد افتتح في يناير (كانون الثاني) الماضي". وتتناقض هذه المعلومات مع تصريحات مسؤولين صينيين عن أن الأشخاص الذين تلقوا "تدريباً" حصلوا على "شهادات" وغادروا "مراكز التدريب المهني". ومُول التقرير جزئياً من مساعدات من وزارة الخارجية الأميركية، وفقاً لمكتب الأبحاث الأسترالي. وتقف واشنطن في الصف الأول للتنديد بالسياسة الصينية في المنطقة. وتبنّى مجلس النواب الأميركي، الثلاثاء الماضي، مشروع قانون يحظر استيراد غالبية السلع المنتجة في شينجيانغ، الإقليم الذي تقول واشنطن إنّ بكين تجبر فيه أفراداً من الإيغور على "العمل بالسخرة".
وتكثف الولايات المتحدة ودول أخرى الضغوط على الصين بشأن معاملتها للإيغور في شينجيانع، إذ تشير الأمم المتحدة إلى تقارير جديرة بالثقة تقول إن مليون مسلم محتجزون في معسكرات ويجرى استخدامهم في عمالة قسرية. ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء الماضي، إلى قيام بعثة دولية تشرف عليها الأمم المتحدة بزيارة منطقة شينجيانغ في ظل مخاوف بشأن الإيغور.
(العربي الجديد، فرانس برس، الأناضول، رويترز)