بعد استكمال فرز أصوات الانتخابات المحلية التي أجريت في مختلف الأقاليم الروسية، الأحد الماضي، أظهرت النتائج أن حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، قد حسّن نتائجه إلى حد تكوّن برلمانات الحزب الواحد في بعض المدن، مثل تفير ونيجني تاغيل.
لكن هذه النتيجة، بحسب معارضيه، لم تكن لتتحقق لولا إقصاء المعارضة عبر استبعاد مرشحيها أو اعتقال رموزها أو هجرتهم إلى الخارج، وسط تشكيك في العملية الانتخابية وحصول تزوير.
انتخابات روسية على نسق الشيشان
ويعتبر عضو المجلس الإقليمي لحزب "يابلوكو" (تفاحة) الليبرالي المعارض في موسكو، المرشح المستبعد من انتخابات المجلس المحلي في حي كريلاتسكويه في العاصمة الروسية، أليكسي كرابوخين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن نتائج الانتخابات على مستوى عموم البلاد أصبحت تشبه تلك التي تجري في جمهورية الشيشان، من جهة حصول مرشحي السلطة على ما بين 80 و90 في المائة من الأصوات.
كرابوخين: بات واضحاً أن السلطة لم تعد تتقبل أي وجود لحزب معارض في ظروف أعمال القتال في أوكرانيا
وفي انتخابات حكّام الأقاليم، حصل ستة من أصل 12 مرشحاً لـ"روسيا الموحدة" على أكثر من 80 في المائة من الأصوات، فيما حلّ مرشحو الحزب الشيوعي الذي يعد ثاني أكبر قوة سياسية في البلاد، في المرتبة الثانية في 10 أقاليم.
وحلّ مرشحو الحزبين الليبرالي الديمقراطي و"روسيا العادلة - من أجل الحقيقة" في المرتبة الثانية في إقليمين لكل واحد منهما. أما حزب "الناس الجدد" المتمثل للمرة الأولى في مجلس الدوما (النواب) الروسي منذ الانتخاب التشريعية في عام 2021، فجاءت أفضل نتائجه هي المرتبة الرابعة لمرشحيه في إقليمين اثنين.
ويقول كرابوخين لـ"العربي الجديد": "هذا النجاح الكاسح لروسيا الموحدة، تمّ تحقيقه بفضل الاعتماد على آلية التصويت الإلكتروني المشكوك في نزاهته، وأعتقد أنه إذا أجرى خبراء الرياضيات تحليلاً للنتائج، فإنهم سيرصدون التزوير. أضف إلى ذلك تعبئة الناخبين عن طريق الضغط على الموظفين الحكوميين حتى يشاركوا في التصويت".
وحول رؤيته لاختلاف الانتخابات الأخيرة عن سابقتها (2017)، يضيف: "تمّ استبعادي وبضعة مرشحين آخرين عن "يابلوكو" تحت ذرائع مفتعلة أو بسبب أخطاء فنية عند جمع التوقيعات، وأنا متأكد من أنه كان سيتم غضّ الطرف عنها في حال كنا مرشحي حزب السلطة".
ويوضح أن "الانتخابات أسفرت عن تأهل 4 مرشحين فقط عن "يابلوكو" للمجالس المحلية في أحياء موسكو، مقابل 175 في الانتخابات الأخيرة في عام 2017". ويضيف: "بات واضحاً أن السلطة لم تعد تتقبل أي وجود لحزب معارض في ظروف أعمال القتال في أوكرانيا، ولو في أدنى هرم السلطة".
ويعد حزب "يابلوكو" ومؤسسه، غريغوري يافلينسكي، من آخر الأصوات المعارضة للحرب على أوكرانيا والمنادية للسلام في الداخل الروسي بين القوى السياسية المؤثرة. وسبق ليافلينسكي أن حذّر من وقوع كارثة في أوروبا ما لم يتم وقف إطلاق النار وبدء المفاوضات.
دعم شخصي من بوتين
لكن الدعوات للسلام لا تلاقي، على ما يبدو، قبولاً لدى النواة الصلبة من أنصار الكرملين، إذ إن أداء "روسيا الموحدة" لم يتأثر حتى بانسحاب القوات الروسية من عدد من البلدات في مقاطعة خاركيف الأوكرانية، وسط شنّ القوات الأوكرانية تقدماً مضاداً على مواقع سيطرة القوات الروسية.
وأظهر استطلاع أجراه "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" (حكومي) ونشرت نتائجه الأسبوع الماضي، أن نسبة تأييد قرار إجراء العملية العسكرية في أوكرانيا ظلّت مستقرة عند مستوى بين 70 و73 في المائة طوال الستة أشهر منذ بدئها، في ما يعرف في علم الاجتماع السياسي بظاهرة "الالتفاف حول علم الدولة" أثناء الأزمات والحروب.
أداء "روسيا الموحدة" لم يتأثر بانسحاب القوات الروسية من خاركيف الأوكرانية
إلا أن المدير العام لمركز المعلومات السياسية في موسكو (شركة استشارات متخصصة في التحليل السياسي والعلاقات العامة)، أليكسي موخين، يقلّل من أهمية التفسيرات حول دور الحرب في أوكرانيا في نجاح "روسيا الموحدة".
ويعتبر موخين في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الالتفاف حول علم الدولة عبارة جميلة، ولكنها لا تعكس الواقع. صحيح أن متطوعي روسيا الموحدة شاركوا كثيراً في الأعمال الاجتماعية، بما في ذلك في دونباس، ولكن الحزب ليس هو من يحارب، ولذلك لا علاقة مباشرة بين العملية العسكرية الخاصة ونجاح الحزب في الانتخابات".
ومع ذلك، يقرّ موخين بأن الدعم الشخصي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرشحين لمناصب حكّام الأقاليم، لعب دوراً هاماً في تحقيقهم فوزاً بنسب كبيرة. ويلفت في الوقت نفسه إلى أنه لا يمكن إنكار نجاحات مرشحي الحزب الشيوعي، وحتى "الناس الجدد" الذي بات يزاحم حزب "يابلوكو" الليبرالي المعارض.
الأوكرانيون يسخرون
في سياق آخر، لم يخل التصويت الموحد الذي امتد لثلاثة أيام هذه المرة، من مواقف محرجة مثل إصرار عمدة موسكو، سيرغي سوبيانين، على تنظيم احتفالات مكلفة بذكرى مرور 875 عاماً على تأسيس العاصمة الروسية وإطلاق ألعاب نارية أثارت سخرية رواد مواقع التواصل الاجتماعي الأوكرانية وشماتتهم في ما اعتبروه احتفال الروس بالنجاحات العسكرية الأوكرانية.
وسخر أحد المدونين الأوكرانيين من مشاركة الرئيس الروسي في مراسم افتتاح أكبر عجلة دوّارة في أوروبا بمتنزّه في موسكو "ردّاً على التقدم الأوكراني".
من جهتها، لفتت صحيفة "نيوز.رو" الإلكترونية الروسية إلى أن نتائج التصويت الموحد والفوز المتوقع سلفاً لمرشحي حكّام الأقاليم المدعومين من الكرملين، لم تتأثر لا بالخلافات داخل النخب المحلية ولا بالتوقعات المقلقة من الشتاء المقبل، مشيرة إلى الدور الحاسم لتعزيز وحدة المجتمع دعماً لخط بوتين والعملية العسكرية في أوكرانيا باعتبارها "ضرورة". ويشبه ذلك، بحسب الصحيفة، "مفعول" ضمّ شبه جزيرة القرم في عام 2014، حين قفزت نسبة تأييده إلى أكثر من 80 في المائة.
من جهتها، قالت رئيسة لجنة الانتخابات المركزية، إيلا بامفيلوفا، في أحد البرامج الحوارية، أن كثيرين حاولوا إقناع بوتين بإلغاء الانتخابات أو تأجيلها بسبب الحرب في أوكرانيا، ولكنه اتخذ "قراراً صائباً تماماً" بعدم وقف العملية الانتخابية. ورأت بامفيلوفا أن "الانتخابات هي ضمان لتطور المنظومة بشكل طبيعي بصرف النظر عن التحديات الخارجية، وتملك البلاد احتياطياً كافياً من الصمود، ونحن نعيش حياة طبيعية".
وعلى الرغم من تسجيل روسيا أداء اقتصادياً جيداً غير متوقع في الأشهر الماضية، بفضل ارتفاع أسعار النفط والغاز في السوق العالمية وعزوف أغلبية دول العالم عن الانضمام إلى العقوبات بحقّها، إلا أن ثمة إجماعاً بين خبراء الاقتصاد على أن الاقتصاد الروسي سيعيش أياماً عصيبة بعد دخول الحظر الأوروبي على 90 في المائة من النفط الروسي حيّز التنفيذ بحلول نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل، والاستغناء الأوروبي التدريجي عن الغاز الروسي. ولعل هذا ما دفع السلطات الروسية لإجراء الانتخابات في موعدها.