يفتح استمرار الحراك في السويداء جنوبي سورية، لمدة 25 يوماً متواصلة، التساؤلات عن دور القوى السياسية والفصائل المنتشرة في السويداء جنوب سورية في حماية الحراك، لا سيما مع استخدام السلاح لأول مرة من قبل مسلحين ينتمون إلى حزب "البعث" ضد المتظاهرين أمس الأول، ما أدى إلى إصابة 3 أشخاص، وتحليق طائرات حربية، أمس الخميس، على ارتفاعات متوسطة في سماء محافظة السويداء، بعد ليلة شهدت إطلاق قذائف على مبنى فرع "البعث" في المدينة.
وكان إطلاق النار على المتظاهرين من قبل مسلحين من "البعث"، دفع الشيخ الروحي للطائفة الدرزية في السويداء، حكمت الهجري، للدعوة إلى مواصلة الاحتجاجات ضد النظام، محذراً من خطط النظام لجر المحافظة إلى العنف.
وقال الهجري، خلال استقباله لوفد من المحتجين عقب حادثة إطلاق النار، في مضافته بمنطقة قنوات، إنه "غير متفاجئ مما حصل. أعرف أن أي سوء سيصيبنا سيكون بسبب هؤلاء الحزبيين الساقطين"، واصفاً المليشيات الإيرانية في سورية بأنها "محتلة لأراضينا"، داعياً إلى "الجهاد ضدها".
ورغم تأكيد الهجري على سلمية الحراك، إلا أنه قال، رداً على إصابة المتظاهرين، إن "سلاحنا مُنظف والطلقة ببيت النار لمن أراد التعدي علينا"، لكنه شدد على أن "الطلقة الأولى لن تكون من أبناء السويداء".
طائرات حربية في سماء السويداء
وحلّقت طائرات حربية في سماء محافظة السويداء، في حدث يُعتقد أنه يحمل رسائل ترهيب للأهالي، المصرين على مواصلة احتجاجاتهم حتى تحقيق التغيير السياسي. وكان محيط مبنى فرع "البعث" في مدينة السويداء استهدف مساء أمس الأول الأربعاء بقذيفتي "آر بي جي"، كما ألقيت قنبلة يدوية على منزل مسؤول سابق في الحزب.
وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن الحادثين "أكدا سعي النظام إلى خلط الأوراق في المحافظة"، مضيفة: يريد النظام دفع الحراك السلمي إلى مسارات أخرى تخدم أهدافه.
"رجال الكرامة": لن نتخلى عن مبادئنا في حماية أهلنا
وأشارت إلى أن "ما حدث كان متوقعاً"، معتبرة أن "النظام يبذل كل جهوده لتشويه الحراك في السويداء". وأكدت مصادر محلية أن إحدى القذيفتين أُطلقت من سيارة "لا تملكها عادة إلا الأجهزة الأمنية في المحافظة"، في إشارة إلى أن هذه الأجهزة تقف وراء الحادثة.
ورأى الصحافي نورس عزيز، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام يدفع باتجاه جر الشارع للاقتتال بهدف تدخل الجيش والمليشيات" وسط تمسك المحتجين بضرورة استمرار الحراك وسلميته.
دور المجتمع المدني في الحراك
وللمجتمع المدني في السويداء التأثير الأكبر على بداية الحراك واستمراره بهذا الزخم. وكان لمجموعات تشارك في الحراك الحالي تجارب سابقة في الاعتصام والتظاهر خلال السنوات الماضية، كان من أهمها حراك "من أجل الهيب"، الذي يطالب بوقف أعمال العنف والقضاء على العصابات الأمنية وتفعيل الضابطة العدلية ومحاكمة المجرمين، بالإضافة إلى حراك "بدنا نعيش".
وفي العامين الماضيين، ظهر على ساحة المحافظة حزب سياسي عرف باسم "اللواء السوري"، يقوده صحافي مقيم في أوروبا يدعى مالك أبو خير. غير أن هذا الحزب ومؤسسه، اللذين حاولا الدخول على خط الحراك لتصدره، لا يلقيان قبولاً في أوساط أهالي المحافظة. وينتمي بعض الذين يشاركون في الحراك، إلى أحزاب وهيئات معارضة، لكنهم في الغالب يشاركون بصفتهم الشعبية الأهلية دون رفع مبادئ أو شعارات أحزابهم.
وأشار الشاب نزيه مجبور، وهو اسم مستعار لناشط في حراك "من أجل الهيب"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنهم "منذ الأيام الأولى للحراك سعوا للتنسيق مع المجتمع الأهلي على مواعيد وأماكن التظاهر، وتقدموا المتظاهرين بداية في رفع المطالب، وسخروا أنفسهم لخدمة الحراك، وشجعوا الجميع على حرية الرأي وطريقة التعبير، فأبدع الجمهور وتجاوز قدراتهم على التحكم والقيادة بشكل وأسلوب التظاهر".
ويضيف: "أستطيع أن أدعي أن كل حراك سابق، ومهما كانت فاعليته وتأثيره هو لبنة اعتمد عليها الكثيرون في إنجاح الحراك الحالي. أما ما هو التالي، فأنا أرى أن حراك السويداء حقق حالة وطنية كنّا نحلم بها وأعاد للثورة السورية بريقها وأملها لدى كل السوريين".
مع العلم أن "حزب البعث" كان يضم بين صفوفه العدد الأكبر من أبناء المحافظة، ويتحكم مع الأجهزة الأمنية بمشيخاتها ووجاهاتها، إلى أن بدأ الهجري يغرد خارج السرب منذ أكثر من عامين، فيما بدأت تظهر مواقف داعمة للحراك من بعض الوجهاء الشعبيين، مثل عاطف هنيدي.
فصائل عدة في السويداء
في موازاة ذلك، فإن هناك فصائل ومجموعات مسلحة تنتشر في محافظة السويداء والتي جاء تشكيلها كرد فعل على اتجاه النظام، في بداية الثورة في العام 2011، لتسليح مجموعات في المدن والأرياف تحت مسمى "اللجان الشعبية"، معتمداً في اختيار الأفراد على الوجهاء ورجال الدين. كما عمد النظام لإنشاء فصيلين منظمين في السويداء تحت مسمى "الدفاع الوطني"، و"كتائب البعث" لتشكل هذه الفصائل الثلاث آلية مشتركة لقمع أي حراك مؤيد للثورة.
ورداً على ذلك، شكل الراحل وحيد البلعوس في العام 2013 "حركة رجال الكرامة"، التي وقفت ضد سوق شبان المحافظة للخدمة الإلزامية في قوات النظام، وخاضت معارك ضد "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش".
نزيه مجبور: كل حراك سابق لبنة اعتمد عليها لإنجاح الحالي
وعلى الرغم من اغتيال وحيد البلعوس في خريف العام 2015، والذي يتهم النظام بالقيام به، فإن الحركة استمرت بقيادة الشيخ يحيى الحجار. وتفرع من "رجال الكرامة"، مجموعات مسلحة يقودها ليث البلعوس، ابن وحيد البلعوس، تحت مسمى "شيخ الكرامة"، وانتشرت غرب وجنوب المحافظة، وكان لها دور في القضاء على "عصابات" تعمل تحت جناح جهاز الأمن العسكري التابع للنظام صيف العام الماضي، فيما سمي "حراك تحرير السويداء".
وشكل فصيلا "حركة رجال الكرامة" و"شيخ الكرامة" اللذان يعودان إلى ذات المنشأ، القوتين الأكثر حضوراً في ساحة المحافظة، فيما ظهرت عدة فصائل وحركات ناصبت العداء للنظام كذلك، مثل "لواء الجبل" الذي يقوده مرهج الجرماني، و"تجمع أحرار السويداء" بقيادة الشيخ سليمان عبد الباقي.
وانضم إلى "حركة رجال الكرامة" و"شيخ الكرامة"، في بداية الحراك الحالي في السويداء، عدد من الفصائل، بهدف حماية المتظاهرين وإغلاق بعض المؤسسات الحزبية، وفي مقدمتها مقرات "البعث" في المدينة. وأهم الفصائل التي ظهرت إلى جانب الحراك الشعبي، "القاهرون" بقيادة الشيخ عميد جريره، و"سرايا الجبل" بقيادة وائل أبو قنصول، والذي كان قطع طريق دمشق السويداء أكثر من مرة، وقام باحتجاز عسكريين وضباط من جيش النظام مقابل إطلاق سراح موقوفين في فروع الأمن بدمشق.
كما دعمت الحراك بعض المجموعات التي تتواجد في أرياف السويداء، مثل "تجمع المقرن الشرقي" بقيادة واثق نصار، و"زغابه عتيل" التي يديرها وسام نعمان، و"جلاميد عرمان" وهو فصيل مسلح يتمركز في بلدة عرمان الواقعة في الريف الجنوبي الشرقي للمحافظة. وحديثاً ظهرت فصائل مثل "فزعة فخر" بقيادة أسامة علبة، و"نشامة الجبل" بقيادة سامر رشيد. في المقابل، فإن هناك عدداً من الفصائل الصغيرة من حيث العدد، اتخذت موقفاً محايداً من الحراك.
وبالنسبة لتواجد "حركة رجال الكرامة" و"شيخ الكرامة" في الاحتجاجات، فقد لمست "العربي الجديد" حضورهما كفصيلين للحماية فقط، وليس التدخل في رفع الشعارات في التظاهرات. ويبرز انتشار عناصر الفصيلين يوم الجمعة، خلال تواجد أكبر عدد من المتظاهرين وسط المدينة. ويقول الفصيلان إن مهامهما الأساسية حماية الناس وحدود المحافظة من أي اعتداء يطاولها.
وقال أحد عناصر "حركة رجال الكرامة"، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "نحن نؤيد الحراك السلمي، ونثق بحركة الناس الذين أظهروا قدراً كبيراً من المسؤولية، عبر الحفاظ على المؤسسات العامة وعدم إلحاق الضرر بمصالح عامة الناس". وكانت الحركة أعلنت تأييدها المطلق لهذا الحراك منذ أيامه الأولى، وهو ما ظهر في الكلمات التي أطلقها عدد من أتباعها أثناء زياراتهم إلى الهجري، رغم غياب قائدها عن تلك الزيارات بسبب تعرضه لإصابة نتيجة حادث سير قبل أشهر.
"رجال الكرامة": سنحمي أهلنا
وأضاف العنصر في "رجال الكرامة": "أما عن خطط الحركة حيال مآلات هذا الحراك، فنحن لن نتخلى عن مبادئنا في حماية أهلنا من أي اعتداء، ولن نخرج عن الرأي العام، وملتزمون بما عاهدنا به الشيخ الهجري في دارته ببلدة قنوات"، مؤكداً أن تطور موقف الحركة سيكون بناء على ما يستجد ضد الحراك الشعبي السلمي.
أما ف. عزا"، وهو أحد المقربين من قائد فصيل "شيخ الكرامة" الشيخ ليث البلعوس، فقال، لـ"العربي الجديد": "نحن متواجدون في الساحات مع المتظاهرين السلميين، وشاركنا في أكثر من اعتصام ليلي في بلدة المزرعة حيث مقر الفصيل. وما زلنا نؤكد على ما قاله الشيخ ليث في بلدة قنوات أمام شيخ عقل الطائفة، بأننا مستعدون لحماية أهلنا من بطش هذه السلطة، ولن نكون إلا في مقدمة المقاتلين دفاعاً عن أرضناً وعرضنا".
وأضاف: "فيما يخص الشعارات التي تُطلق يومياً في ساحات الاعتصام فإننا نجد فيها تمثيلاً حقيقياً لأهدافنا في إسقاط هذا النظام وبناء دولة العدالة والقانون. ولا أحد ينكر أن المواقف التي اتخذتها معظم الفصائل المسلحة، ونحن منهم، كان لها الأثر الكبير في استمرار التظاهر، وفي وصول المتظاهرين إلى هذا المستوى من الحرية في التعبير".