استمع إلى الملخص
- أصدر المجلس الرئاسي قرارات تعارض إجراءات عسكرية لم تصدر عنه، وطالب بإجراء انتخابات لملء المقاعد الشاغرة في مجلس النواب، معتبراً أن إنشاء المحكمة الدستورية يمنح مجلس النواب سلطات واسعة.
- يسعى المجلس الرئاسي لاستغلال الفراغ السياسي في غرب البلاد لتعزيز موقعه، مدعوماً من حكومة الوحدة الوطنية، وسط شكوك حول قدرته على الصمود ودعم دولي محتمل.
يتجه المجلس الرئاسي الليبي ومجلس النواب نحو جولة جديدة من التصعيد المتبادل بعد تجاوز أزمة المصرف المركزي، إثر تعيين ناجي عيسى محافظاً جديداً الأسبوع الماضي. إذ أعلن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الخميس، عن اتفاقه مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة "على تفعيل مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني"، في خطوة جديدة للدفع بها بصفتها جسماً رقابياً في المشهد، بعد خطوات سابقة لقيت معارضة حادة من قبل مجلس النواب.
وفي مؤشر آخر على التصعيد، أصدر المجلس الرئاسي، أول من أمس السبت، قراراً عارض من خلاله عدداً من الإجراءات العسكرية الصادرة عن بعض التشكيلات والأجهزة العسكرية باعتبارها لم تصدر عنه بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، في مناكفة واضحة لمجلس النواب الذي قرر سابقاً سحب صفة القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي ونقلها إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
وبدت خطوات المجلس الرئاسي الليبي أكثر جرأة وعزماً على التصعيد في مراسلة أخرى وجهها إلى المفوضية العليا للانتخابات، طالبها فيها "باتخاذ الإجراءات اللازمة لإجراء الانتخابات اللازمة (لشغل) للمقاعد الشاغرة" في مجلس النواب بسبب خلوها من أعضائها المستقيلين أو المُقالين أو المتوفين، والبالغ عددهم 46 نائباً. والأسبوع الماضي، وجه المجلس الرئاسي خطاباً إلى مجلس النواب، طالبه فيه بإعادة النظر في إنشاء المحكمة الدستورية التي بدأ مجلس النواب في تفعيل أعمالها الأسبوع الماضي، في قرار أثار الكثير من الجدل. واعتبر المجلس الرئاسي أنها خطوة "تثير القلق" كونها تمنح مجلس النواب "سلطات واسعة تتعلق بتشكيل المحكمة واختيار أعضائها، ما يعزز من نفوذ المجلس على القضاء" وفي مواجهة الأطراف السياسية الأخرى، بل "ويحد من فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة مبنية على التوافق".
ويجرى كل ذلك في ظل اعتبار مجلس النواب أن المجلس الرئاسي الليبي انتهت ولايته، لانتهاء آجال اتفاق جنيف الذي انبثق عنه المجلس الرئاسي والحكومة في طرابلس، بحسب ما أعلنه في جلسته المنعقدة يوم 11 سبتمبر/ أيلول المنصرم، إبان تصعيده السابق مع المجلس الرئاسي خلال أزمة المصرف المركزي. ويرى مراقبون أن خطوة مجلس النواب بشأن إنشاء محكمة دستورية جاءت في مواجهة إنشاء المجلس الرئاسي مفوضية الاستفتاء، للطعن في أعمالها، بل وقانونية قرار إنشائها، خاصة أن نصوص قرار إنشاء المفوضية تسمح لها بطرح القوانين والقرارات الصادرة عن مجلس النواب على الشعب للاستفتاء عليها.
طلمون: التصعيد لن يتوقف
ويرى أستاذ العلوم السياسية أبو بكر طلمون أن المجلس الرئاسي الليبي وجد في الفراغ الذي أحدثه انشغال المجلس الأعلى للدولة بأزمته فرصة لتصدر الواجهة في غرب البلاد، مضيفاً أنه يلقى دعماً من حكومة الوحدة الوطنية في ذلك، وعليه، بحسب رأيه، فإن تصعيده مع مجلس النواب لن يتوقف.
وأشار طلمون في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن حالة الصدام والصراع بين مجلسي النواب والرئاسي "تتركز حول الصلاحيات الرئاسية، التي كانت بيد مجلس النواب استناداً إلى الإعلان الدستوري، لكن الاتفاقيات السياسية اللاحقة في الصخيرات (عام 2015) وفي جنيف (عام 2021) أعطت جزءاً كبيراً منها للمجلس الرئاسي". وتابع: "ما يحدث الآن هو صراع على هذه الصلاحيات، مثل القائد الأعلى للجيش وإصدار القوانين المهمة والانتخابات"، متوقعاً أن يستمر التصعيد إلى "مرحلة كسر العظم، أو الانسداد التام الذي سيجبر الجميع على خوض عملية سياسية جديدة للتسوية أو إفراز أجسام بديلة".
وأردف طمون: "المجلس الرئاسي يصر على الاستمرار في محاصرة وخنق مجلس النواب، فبعد أن نجا من مختنق منصب محافظ المصرف، دفع المجلس الرئاسي بالخطوات الأخرى وأكثرها خطراً على مجلس النواب، مثل المطالبة بانتخابات لملء مقاعد النواب الشاغرة". لكن طمون في الوقت نفسه يرى أنها خطوات "لا تمثل هدف المجلس الرئاسي الحقيقي".
وقال إن "مفوضية الاستفتاء هي التي يقاتل من أجل إرسائها وفرضها، ليستثمر موقف الشارع للقول إن قراراته تستند إلى رأي الشعب واستفتائه عليها، وهو الخطر الذي استشعر به مجلس النواب لأنه يهدد شرعيته التي يزعم أنها من انتخابه من الشعب". وأضاف: "نلاحظ أنه اتجه (مجلس النواب) منذ البداية نحو ضرب شرعية كل الاتفاقات السياسية التي جاءت بالمجلس الرئاسي وكل خصومه، لأن المجلس الرئاسي لو نجح في فرض مفوضية الاستفتاء، فسيصل الأمر إلى القوانين الانتخابية ويزيل احتكار مجلس النواب لمصيرها، وكذلك قانون الدستور الدائم الذي لا يزال مجلس النواب يخفيه، فهو مفتاح بقائه في المشهد".
وعليه، يرى طلمون أن القرارات والخطوات الأخرى، مثل صلاحيات القائد الأعلى للجيش، "مجرد دغدغة للجماعات المسلحة في غرب البلاد وإيهامها بأنه يملك القرار العسكري، وقراره المطالب بانتخاب أعضاء في مجلس النواب لملء الكراسي الشاغرة استفزاز آخر لمجلس النواب، لكنهما قراران فقط لصرف النظر عن عمله في صمت لتمكين مفوضية الاستفتاء من العمل، فهي ذراعه القوية التي سيضرب بها الجميع".
الطويل: المجلس الرئاسي الليبي يبحث عن مكان له
من ناحيته، يوافق الناشط السياسي فاضل الطويل على وصف خطوات المجلس الرئاسي بـ"التصعيد المقصود"، لكنه يشكك في قدرة المجلس الرئاسي على الصمود، ويرى أن هدفه لا يتجاوز أكثر من محاولة ضمان مكان له في موازين الصراع ومعادلاته وخرائطه. وقال الطويل لـ"العربي الجديد": "تصدير الخطوات على أنها للمجلس الرئاسي مغالطة، فهي قرارات لرئيس المجلس المنفي وحده، أما الأعضاء الآخرون، فمن الواضح أنهم ليسوا على وفاق معه، وعلى الأقل ليس لهم طموحه للوجود في موقع أساسي في ساحة الصراع، وهو ما يفقد المنفي قوة الاتكاء على الصلاحيات التي منحتها له وثيقة اتفاق جنيف، التي تنص على ضرورة اتخاذ القرارات بإجماع كامل أعضاء المجلس".
واعتبر الطويل أن نجاح المنفي ومستشاريه في إجبار مجلس النواب على القبول بقراره بشأن تغيير محافظ المصرف المركزي خلال الأيام الماضية، "أغراه بفعل المزيد، وجعله يعتقد أنه نجاح يمكنه من رسم مكان مؤثر له، خاصة أنه يتلقى دعماً من الحكومة لاشتراكها معه في موقفها المناهض لمجلس النواب، لكنها تحالفات قائمة على المصالح الآنية ويمكن أن تتفتت في أي لحظة بتغير المصالح".
وتطرق الطويل إلى معطى آخر، يرى أنه ربما يشكل متغيراً في المشهد، قائلاً "إذا صدقت صحة التحليلات والآراء الشائعة التي تقول بوجود طرف دولي يدعم قرارات المجلس الرئاسي التي برزت بجرأة وشجاعة مفاجئة في الفترة الأخيرة، كأن تكون العلاقة بين المنفي بواشنطن والعواصم الأوروبية حقيقية وهي من تشجعه على فعل هذه الخطوات، عندها، يمكن القول إن ثقلاً في المجتمع الدولي يريد تغييراً سياسياً في مواقع القيادة".
واستدرك الطويل: "لكنه لن يكون تغييراً على مستوى كامل بانتخابات عامة، بل ربما يستهدف رئاسة مجلس النواب بأي تغيير، كما حدث في المجلس الأعلى للدولة الذي دخل أزمة انقسام حاد وتعطل بسببها"، معتبراً أنه السيناريو الوحيد الذي يمكن أن يترتب عن اندفاع المجلس الرئاسي لمواجهة مجلس النواب.