تونس... رهان سعيّد على إنجاح "الاستشارة الإلكترونية" يزداد صعوبة

تونس... رهان سعيّد على إنجاح "الاستشارة الإلكترونية" يزداد صعوبة

10 مارس 2022
يواجه سعيّد انتقادات لاذعة لضعف المشاركات في "الاستشارة الإلكترونية" (Getty)
+ الخط -

بات رهان الرئيس التونسي قيس سعيّد على إنجاح "الاستشارة الإلكترونية" يزداد صعوبة، بدخوله الأسبوع الأخير الذي سجل صعودا طفيفا في عدد المقبلين، وسط انتقادات لاذعة من معارضيه بفشل مسعاه في إشراك الشعب لتعديل منظومة الحكم.

وينتهي موعد ختم المشاركات في الاستشارة مع احتفالات عيد الاستقلال في 20 مارس/آذار، الذي أعلنه سعيّد موعدا لجمع حصادها، إذ سيتم اعتماده من قبل لجنة خبراء سيعينها بنفسه لوضع مسودة التغييرات السياسية الكبرى قبل عرضها على الاستفتاء في 25 يوليو/تموز القادم.

وسجل عدد المقبلين على الاستشارة تقدما طفيفا ليتجاوز 300 ألف مشارك الخميس، بحسب الإحصاءات الرسمية المعلنة منذ فتح الموقع للعموم في 15 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد أن فتحت الحكومة شبكات الإنترنت مجانا على مدى أيام.

ويواجه سعيّد انتقادات لاذعة لضعف المشاركات، في وقت يعول على النتائج كمصدر لتعديل شامل على منظومة الحكم في البلاد بداية من الدستور والقوانين الانتخابية، غير أن معارضيه اعتبروا الاستشارة فاشلة وستقود كامل الخريطة السياسية المعلنة نهاية العام الماضي إلى الفشل.

وبحث سعيّد الثلاثاء مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن آلية فتح الإنترنت مجانا أمام التونسيين لتمكينهم من المشاركة في الاستشارة الإلكترونية، بحثا عن تعزيز الإقبال وتسهيل الولوج إلى الموقع.

وأكد عضو تنفيذية حراك "مواطنون ضد الانقلاب" زهير إسماعيل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "سعيّد اعترف ضمنيا بفشل الاستشارة حين تحدّث عن ضعف تقني وعن مؤامرات من قبل جهات لا تريد للشعب التونسي أن يدلي برأيه في تقرير مصيره ومصير البلاد".

وتابع بأن "سعيّد، الذي خرق الدستور وجمّد البرلمان وحلّ الحكومة باسم مواجهة الخطر الداهم وجعل من الأمر 117 بديلا عن دستور الثورة، لا يستطيع غير سياسة الهروب إلى الأمام أمام العزوف الشعبي الشامل عن المشاركة في الاستشارة الإلكترونية، وسيحاول الاحتيال للخروج من هذه الفضيحة بافتعال أرقام لن يصدقها أقرب المحيطين به".

وقال إن "مشروع سعيّد لم يبق له من شروط البقاء سوى أمرين: اعتماده على أجهزة الدولة الصلبة (الأمن والدفاع)، وانقسام الطبقة السياسية وعجزها عن بناء مشترك وطني وجبهة سياسية واسعة توقف عملية الهدم النسقي التي يأتيها الانقلاب وتعدّ البديل الوطني الديمقراطي، رغم إجماع جل مكوناتها على خطر الانقلاب".

وتابع: "هناك مؤشرات مهمة تدفع إلى الاعتقاد بأننا دخلنا إلى مرحلة ما بعد الانقلاب، فسعيّد الذي يمسك بالسلطات الثلاث، بعد حل المجلس الأعلى للقضاء وتنظيم مجلس مؤقت محله، عاجز عمليا عن الفعل السياسي، وغدا شعاره في مقاومة الفساد عنوانا فارغا وموضوع تندر عند النخبة".

وأشار المتحدث إلى أنه "لم يبق أمامه إلاّ طريق واحد، هو محاولة فرض تصوره السياسي الهلامي بقوة الأجهزة الصلبة للدولة...، فمن خرق الدستور وهدم المؤسسات وفكك الدولة لن يجد الحرج الأخلاقي في ادعاء أنّ الاستشارة الإلكترونية الفاشلة ممثلة لإرادة الشعب ومبرر كاف للإصلاحات المطلوبة". 

ووصف إسماعيل "الاستشارة الإلكترونية بأنها ستكون المحطة الأخيرة في مسيرة الانقلاب العبثية، فالانقلاب صار من الماضي، وترتيبات ما بعده جارية في ظل مشهد حزبي مفكك وفي غاية الإنهاك يمثل أساس ما نسميه الدرجة الصفر للسيادة. وستكون هناك عودة إلى الديمقراطية بمرحلة انتقالية بقيادة "حكومة إنقاذ اقتصادي".

من جانبه، اعتبر القيادي في حركة "النهضة"، العجمي الوريمي، أن "الاستشارة الوطنية تحولت إلى مأزق سياسي لقيس سعيّد لتدني نسبة المشاركة فيها، وهو ما أزعج الانقلاب وجعله يتخبط ويحمل المسؤولية لتعقيدات تقنية نفاها وزير تكنولوجيا الاتصال، ولعمليات عرقلة من أطراف مناوئة، وهو أمر لا دليل عليه بقدر ما أن الرئيس سعيّد مسكون بفكرة المؤامرة وبوجود غرف مظلمة تعمل ضد مشروعه".

وأضاف الوريمي أن "البلاد تمر بأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، ما يجعل مجريات تنظيم الاستشارة تمر على هامش اهتمامات المواطن التونسي المشغول بقضايا المعيشة".

وقال الوريمي "إن قيس سعيّد يشعر بأن مستقبله السياسي مرتبط بمآل الاستشارة التي أرادها، هي والاستفتاء المرتقب، مبايعة ومحرارا لشعبيته التي يحرص على أن يبقى منسوبها عاليا، متوسلا بخطاب شعبوي وبترذيل منظومة الحكم والأحزاب، ومبشرا بدخول عصر جديد وبموعد مع التاريخ".

في مقابل ذلك، قال عضو مشروع "البناء الديمقراطي القاعدي" (الذي يدعو إليه الرئيس) عبد الحميد أولاد علي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "ليس العدد هو المهم، فلم يجتمع 300 ألف منذ بداية الدولة على تحديد سياسات"، بل كانت تأتي مسقطة من الخارج أو تضعه مجموعة صغيرة، مشددا "اعتبر الاستشارة ناجحة من خلال تشريك الشعب أفضل من اجتماع شخصين أو أربعة يتفقون على تحديد مسار الدولة".

موقف
التحديثات الحية

وأضاف أولاد علي: "اليوم هو بداية قلب الساعة الرملية، حيث سيكون الشعب صاحب القرار، ومن أرائه سيتم استنباط الأفكار وستذهب النتائج إلى تغيير المنظومة وطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم". وأضاف أن "الاستشارة الوطنية حدث تاريخي غير مسبوق بالنسبة للشعوب العربية والشعوب الباحثة عن حرية الإبداع والرأي بعيدا عن سياسة الإثارة".

وفسر ضعف الإقبال بأنه "لأسباب تقنية، كضعف البنية التحتية الرقمية، وضعف الربط بالإنترنت وضعف الوعي المجتمعي". وأرجع ذلك أيضا إلى أن "هناك من يقف سدا منيعا أمام انطلاق القرارات من الشعب". وبين أن "هناك حربا حقيقية على سياسة الدولة الديمقراطية الاجتماعية، لأنهم يريدونها دولة فئوية غير ممثلة إرادة الشعب ممن استكرشوا وتمعشوا طيلة سنوات".

وحول تسخير وسائل الدولة في خدمة هذه الاستشارة، قال: "إنها منظمة بمرسوم وتعتمد على قانون 2018 المصادق عليه من البرلمان، والذي يوجب على المرافق العمومية أن تشارك وتتجند للاستشارات الوطنية التي تطرحها الدولة". وبين أولاد علي أن "نتائج الاستشارة ستكون المسودة الحقيقية في كتابة الدستور أو تعديله بعد الاستفتاء في 25 يوليو/تموز القادم.

وكان سعيد، وخلال لقائه برئيسة الحكومة، نجلاء بودن، الخميس، قد أكد على أن "لا أحد فوق القانون، والعمل سيتواصل وفق نفس المبادئ وبثبات للتصدي لكل من يعبث بقوت المواطنين، وذلك من أجل تحقيق أهداف الشعب التونسي".

وأضاف إنه سيواصل بأياد ثابتة وليست مرتعشة، وأنه على النيابة العمومية أن تتحرك لمحاسبة هؤلاء وأن الجميع متساوون أمام القانون.
 

المساهمون