توسّعت قائمة رافضي المشاركة في الحوار الوطني التونسي، وفي عضوية اللجان الاستشارية التي أحدثها الرئيس قيس سعيّد، لصياغة مشروع دستور الجمهورية الجديدة، معبّرين عن رفضهم الحضور الشكلي والحوار الصوري.
ويُنتظر تقديم دستور جديد سيغير نظام الحكم بشكل هيكلي، في 30 يونيو/ حزيران الحالي، بهدف عرضه على الاستفتاء في 25 يوليو/ تموز المقبل.
وتوسعت دائرة الرافضين للمشاركة، فبعد تمسك الاتحاد العام التونسي للشغل بمقاطعة هذه اللجان، ورفضه عضويتها ومنحها مشروعية المركزية النقابية الأكثر تمثيلاً في البلاد، تواترت دعوات الهياكل الأخرى للانسحاب، على غرار عمداء كليات القانون والمحامين والحقوقيين في رابطة حقوق الإنسان.
وتداولت تقارير إعلامية قائمة مدعوين تتضمن نحو ثلاثين شخصية دعاها رئيس اللجنة إبراهيم بودربالة للمشاركة في الحوار الذي يعتزم تنظيمه على قاعدة الاستشارة الوطنية.
ومنذ الكشف عن قائمة بعض المدعوين، سارعت أحزاب ومنظمات وشخصيات إلى الاعتذار، على غرار حزب آفاق تونس، وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، وجمعية النساء الديمقراطيات، وعدد من الشخصيات المدعوة التي أعلنت انسحابها. بالإضافة إلى انسحاب نشطاء سياسيين وحقوقيين، على غرار المحامي حاتم المليكي (القيادي السابق في حزب قلب تونس)، والناشطات النسويات نائلة الزغلامي، وأحلام بلحاج، ودرة محفوظ، ويسرى فراوس، وآمنة منيف، إلى جانب الإعلامي والصحافي سفيان بن فرحات.
وأعلن حزب آفاق تونس في بيان عن رفضه المشاركة في الحوار الوطني ''باعتباره حواراً استشارياً صورياً وشكلياً، يفتقد إلى الحدّ الأدنى من المصداقية والشرعية". واعتبر الحزب أن "الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمرّ بها البلاد تُنذر بعواقب كارثية على الشعب التونسي، وأن سياسة الهروب إلى الأمام والمُكابرة من قبل قيس سعيّد ستدفع بالبلاد نحو المجهول".
وقالت نائبة رئيس حزب آفاق تونس ريم محجوب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الحزب يرفض الحوار والحضور بشكل صوري وشكلي في غياب الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد الصناعة والتجارة، وعدم حضور الحكومة، كما أن رئيس الجمهورية لن يكون موجوداً، وهو ليس من دعا للحوار بل العميد بودربالة (رئيس اللجنة).
وشددت محجوب على أن "الحزب يرفض المشاركة الصورية في حوار بأسبوعين، ولديه يقين بأن المخرجات جاهزة، كما أن الواضح أن الفاعلين الرئيسيين وأصحاب القرار في وضع الإصلاحات لن يشاركوا".
من جانب آخر، عبّر حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي في بيان عن اعتذاره عن قبول المشاركة في أعمال اللجنة الاستشارية، مؤكداً "تمسكه بنهج الحوار التشاركي كآلية لإنقاذ تونس من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة، ولإنهاء الفترة الاستثنائية الحالية دون العودة لما قبل 25 يوليو/ تموز 2022، ودون الانزلاق نحو التفرّد بالرأي"، وفق نص البيان.
وفي السياق نفسه، أعلن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد عن رفضه المشاركة في الحوار الوطني، بعد الإعلان عن قائمة المدعوين للمشاركة فيه، والتي تضمنت اسم القيادي في الحزب منجي الرحوي.
وقال الحزب في بلاغ إنه "سبق له أن عبّر عن رفضه المشاركة في حوار معلوم النتائج والمخرجات"، مشيراً إلى أن كل مخالف من أعضائه لهذا الموقف لا يلزم الحزب، ويضع نفسه خارج صفوفه.
في مقابل ذلك، أوضح عميد الهيئة الوطنية للمحامين ورئيس اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية إبراهيم بودربالة، خلال حضوره في الإذاعة الوطنية التونسية، أن "اللجنة ستبدأ أشغالها في الأيام القليلة المقبلة"، مشيراً إلى أن "ترتيبات الحوار قد تمت".
وبخصوص استمرار رفض الاتحاد العام التونسي للشغل المشاركة في الحوار الوطني، أكد بودربالة أن "الحوار سينطلق لأن المسألة تتعلق بالمصلحة العليا للوطن"، وفق قوله، مضيفاً أن "الآجال مرتبة بصفة واضحة، ويجب احترامها، وسيتم يوم 20 يونيو/حزيران الحالي الانتهاء من مسودة الدستور التي ستقدَّم إلى رئيس الجمهورية، والذي سيعلن بدوره عن مشروع الدستور الجديد في 30 يونيو، استعداداً لعرضه في ما بعد على الاستفتاء".
وبيّن بودربالة أن "الحس الشعبي العام أصبح يميل إلى النظام الرئاسي بعد فشل النظام السياسي الحالي"، مشيراً إلى "ضرورة التفكير في وضع نظام يضمن التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، بحيث تكون الحكومة مسؤولة أمام رئيس الجمهورية والسلطة التشريعية فاعلة".
وأوضح أن "رئيس الجمهورية هو صاحب مبادرة صياغة دستور جديد، واللجنة الوطنية هي التي ستنطلق في إعداد مسودة دستور وفق رؤية جماعية"، مؤكداً أن "الرئيس لم يقدم أي وثيقة جاهزة للجنة، ولم يقدم أي طلب، واللجنة ستعمل بكل حرية".
الطبوبي يجدّد رفض المشاركة في الحوار
إلى ذلك، جدّد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، خلال اجتماع نقابي اليوم الجمعة، رفض المشاركة في الحوار الذي دعا إليه الرئيس قيس سعيد.
وأكد الطبوبي أنّ "القضاء يتعرّض إلى حملة ترهيب وتخويف، بالإضافة إلى الضغط من قبل وزيرة العدل للتدخّل في عدّة قضايا"، وذلك نقلاً عن قضاة وصفهم بـ"الشرفاء". وقال إنّ "لديهم روايات يندى لها الجبين".
ويأتي تعليق الطبوبي على خلفية قرار سعيد عزل نحو 57 قاضياً من رتب مختلفة، متهماً عدداً منهم بالفساد المالي والإداري وتعطيل ملفات وقضايا تهم الإرهاب.
وقال الطبوبي إنّ "من يُريد قضاء مستقلاً ودولة القانون والمؤسسات ومن له ملفات قضائية فليس من حقّه التهديد بهذه الملفات، وعليه نشر العدل والإنصاف"، وفق تعبيره. ودعا إلى "فتح منابر إعلامية مباشرة بين الاتحاد والحكومة حول الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية حتّى يكون الشعب هو الحكم بعيداً عن التشويه والاتهامات المتبادلة"، وفق قوله.
وقال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل إنّ "الهيئة الإدارية صادقت على رؤية الاتحاد للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية"، معلناً أنّه "إن دعت الحكومة إلى جلسة في هذا الخصوص فإنّ الاتحاد سيرحب بذلك".
وإعلان الطبوبي جاء إثر تأخّر انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وموقف الاتحاد من البرنامج الذي وجهته الحكومة التونسية للصندوق.
وبين أنّ "المنظمة تدفع سنوياً وبانتظام ثلاثة ملايين ومئتي ألف دينار (1 دينار تونسي يعادل 0.3311 دولار أميركي) سنوياً بين أداءات ومعاليم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي"، وفق تصريحه.
وتابع ردّاً على تصريحات الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي، الذي تحدّث عن مديونية الاتحاد لصندوق الضمان الاجتماعي بـ14 مليون دينار، قائلاً إنّ "للاتحاد ديوناً قديمة تمّ حسم ملفها منذ زمن حكومة مهدي جمعة".
وتابع الطبوبي: "فليذهبوا إلى المرحوم الزعيم النقابي الحبيب عاشور والرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ليناقشوا معهم هذا الملف".