محكمة عسكرية في تونس تقضي بسجن برلمانيين عن "ائتلاف الكرامة" المعارض

20 يناير 2023
الحكم صدر في ما يُسمى قضية "اقتحام المطار" (Getty)
+ الخط -

أكدت المحامية التونسية إيناس حراث، لـ"العربي الجديد"، أن الدائرة الجناحية بمحكمة الاستئناف العسكرية قضت، في جلسة اليوم الجمعة، في ما سمي "ملف المطار" الذي أحيل فيه البرلمانيون عن حزب ائتلاف الكرامة، سيف الدين مخلوف ونضال سعودي ومحمد العفاس وعبد اللطيف العلوي وماهر زيد وحبيب بن سيدهم، والمحامي مهدي زقروبة.

وقضت المحكمة بسجن مخلوف سنة وشهرين مع النفاذ العاجل، وزقروبة 11 شهراً مع النفاذ العاجل مع حرمانه 5 سنوات من ممارسة المحاماة، وزيد بـ5 أشهر مع النفاذ العاجل، فيما حكمت بسجن كل من سعودي 7 أشهر، والعفاس 5 أشهر، وقضت بعدم سماع الدعوى بالنسبة إلى العلوي.

وبينت عضو هيئة الدفاع حراث أن "المحكومين بالنفاذ العاجل، وهم كل من رئيس الكتلة والمتحدث باسم الائتلاف المحامي مخلوف وزيد حُكما غيابياً، وزقروبة حضورياً، ويمكن أن يتم إيقافهم الليلة وإيداعهم السجن، وبالنسبة إلى البقية، فهم ليسوا محكومين بالنفاذ العاجل، وبالتالي التعقيب يمكن أن يوقف التنفيذ في حقهم"، بحسب تأكيدها.

وألقت الشرطة التونسية، في ساعة متأخرة من ليل الجمعة، القبض على النائب والمحامي سيف الدين مخلوف من أمام منزله.

ونقلت حراث مباشرة من بيت مخلوف وقائع تسليمه نفسه للشرطة، بحضور القيادية بجهة الخلاص شيماء عيسى، ونائبة رئيس البرلمان المنحل سميرة الشواشي، وسط شعارات تطالب بـ"سقوط الانقلاب" وتندد بالأحكام العسكرية.

ويلاحق القضاء العسكري، في القضية المعروفة بـ"اقتحام المطار"، 8 أشخاص، منهم النواب الستة من حزب ائتلاف الكرامة. ويضاف للنواب الستة المحامي مهدي زقروبة، ومواطن صوّر الأحداث.

وشهد مطار "قرطاج" الدولي في العاصمة تونس، في 15 مارس/ آذار 2021، شجاراً بين عناصر من أمن المطار ومحامين ونواب من حزب "ائتلاف الكرامة"، إثر محاولة الأخيرين الدفاع عن مسافرة مُنعت من مغادرة البلاد لدواعٍ أمنية بموجب ملحوظة "إس 17".

والتعليمة "إس 17" إشارة أمنية كانت معتمدة خلال عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لوصم كل من تحوم حولهم شبهات، معتمدة من أمن الحدود والشرطة لمنع المسافرين من مغادرة البلاد.

وتطور الخلاف بين البرلمانيين والأمنيين، لتتقدم النقابات الأمنية بشكاية ضدهم بتهم اقتحام مناطق ممنوعة في المطار، والاعتداء على أعوان أمن خلال أدائهم واجبهم.

في مقابل ذلك، اعتبر النواب أنهم بصدد القيام بدورهم الرقابي وإنصاف امرأة مظلومة، وكذلك المحامي الذي اعتبر أنه يقوم بدوره في إنابة الضحية لدى إدارة المطار، بحسب توضيحاتهم.

وأصدرت المحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة في تونس، في شهر مايو/ أيار من العام الماضي، أحكاماً متفاوتة في ما يعرف بـ"قضية المطار"، تقضي بسجن مخلوف 5 أشهر، وسعودي 5 أشهر، والمحامي زقروبة 6 أشهر، والعفاس 3 أشهر، وزيد 3 أشهر، والمسافر الذي وثّق الأحداث لطفي الماجري 3 أشهر، إلى جانب الحكم بعدم سماع الدعوى في حق عبد اللطيف العلوي.

واستأنف الدفاع هذه الأحكام، غير أن النيابة العسكرية طالبت بنقض الحكم الابتدائي وتسليط أشد العقوبات على المتهمين.

في مقابل ذلك، قضى المجلس الجناحي بمحكمة الناحية في تونس (محكمة مدنية)، في القضية والوقائع نفسها، بسجن كلّ من النائبين مخلوف وزيد، والمحامي زقروبة، ابتدائياً، مدّة 3 أشهر بتهم "هضم جانب موظف عمومي في أثناء مباشرته لوظيفته"، مع تبرئة بقية المتهمين. 

وأكدت حراث، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه المحاكمة تنسف تماماً كل وهم حول استقلالية القضاء واحترام الإجراءات في زمن الانقلاب"، وبينت أنها "ليست فقط محاكمة عسكرية لمدنيين، بل أيضاً محاكمة لنواب مجلس شعب منتخبين، في ظرفية انقلاب وضع يده على كل من السلطة التشريعية والقضائية، ضربت عرض الحائط بحصانة عمل النواب دون اتباع إجراءات رفع الحصانة المنصوص عليها في القانون، حيث رفعت الحصانة ممن لا صفة له بمجرد أمر رئاسي".

وتابعت: "هي محاكمة لمحامٍ من أجل وقائع حصلت خلال أدائه مهامه، وهي محاكمة عسكرية تتعلق بوقائع اتصل بها القضاء العدلي، أي إنه صدر فيها حكم عنه، ولا تمكن محاكمة شخص على ذات الوقائع مرتين"، مشيرة إلى أنها "متابعات عسكرية انطلقت مباشرة بعد الانقلاب، وتعلقت بوقائع كان قد تعهد بها القضاء العدلي خمسة أشهر قبل الانقلاب".

ووصفت أيضاً المحاكمة بـ"الهزلية، حيث عرض خلال التحقيق شريط لما يفترض أنه عنف ممارس من أحد المحالين في الملف على الأمن، فتبين أنه هو الذي تعرض للتعنيف".

وشددت محدثة "العربي الجديد" على أنه "تم تقديم الأحكام العدلية في قضية المطار الصادرة في حق سيف الدين مخلوف، وقرارات حفظ القضايا الصادرة في حق البقية، قدمت للدائرة الجناحية العسكرية، كما تقدم المحامي مهدي زقروبة بطلب تجريح في أحد القضاة بسبب تحيّزه وخروجه عن الحياد، ولم يطبق القانون في ما يتصل بآجال تحجير (حظر) السفر في الملف ورفضه رفع التحجير رغم تجاوز الأجل"، مشيرة إلى أن "الدائرة رفضت كل الطلبات، سواء طلب التأخير أو طلب اتصال القضاء (الاكتفاء بالحكم المدني)، أو مطلب التجريح، وتمسكت بمثول مهدي زقروبة ونواب الكرامة أمام الدائرة الجناحية العسكرية، وبعد المرافعات حول عدم اختصاص القضاء العسكري والتمسك باتصال القضاء عدليا".
من جانبه، قال المحامي حبيب بن سيدهم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "مؤاخذته حول هذه المحاكمة تنطلق من مبدأ قانوني إنساني (كوني) متعارف عليه في كل قوانين العالم، بأنه لا تمكن محاكمة ذات الشخص من أجل ذات الأفعال مرتين. في قضية المطار في تونس بعد 25 يوليو، أصبح ممكناً أن تحاكم المحكمة العدلية (المدنية) ابتدائياً واستئنافياً، ثم أن تجرى المحاكمة مرة أخرى أمام القضاء العسكري في ذات الملف".

وشدد بن سيدهم على أن "هيئة الدفاع قدمت ما يفيد اتصال القضاء، أي أن ذات القضية نظر فيها القضاء العدلي وحكم فيها، راجين الحكم بعدم سماع الدعوى لاتصال القضاء، ولكن القضاء العسكري تمسك بالمحاكمة للمرة الثانية، وصدر حكم ابتدائي طعنّا فيه استئنافياً؛ واليوم بعد 5 جلسات أمام الاستئناف، والترافع من قبل محامي الدفاع، ترافعت النيابة العمومية العسكرية بكل استماتة، وطلبت تشديد العقاب ونقض الحكم الابتدائي".
وتابع قائلاً: "ما رأيناه هو استماتة النيابة العمومية واستفزاز ورفض مطلب التجريح الذي قدمه المحامي مهدي زقروبة في أحد المستشارين، وما راعنا أن نظرت ذات الدائرة في طلب التجريح بنفسها ورفضها ذلك، وتمسكت بالنظر في الملف أصلاً، وقد وقع تشنج داخل قاعة المحكمة بين المحامين والنيابة العسكرية بسبب استفزازهم".
وبيّن المحامي: "كمحامين، كنا نشم رائحة أن الحكم لن يكون منصفاً، لأننا نعلم أنه في ظل نظام انقلابي، ونظراً لتوظيف القضاء العسكري لتصفية خصوم سياسيين، مع احترامنا للقضاء العسكري".
وأفاد بن سيدهم بأن "تواصل محاكمة مدنيين عسكرياً هي مهزلة لا تعرفها إلا الأنظمة المستبدة التي تخرق كل المبادئ الكونية والحقوقية المتعارف عليها، وبعد 25 يوليو 2021، شاهدنا تعدد محاكمة المدنيين من سياسيين وأعضاء مجلس النواب، وهذا يدل على توظيف سياسي للقضاء العسكري".
ونقل نائب ائتلاف الكرامة أن "زقروبة قال خلال محاكمته أمام المحكمة العسكرية: لن أنسى وسأحاسب كل من سبّب ألماً لوالدي ووالدتي"، بحسب قوله.

تضامن واسع

وعبرت شخصيات سياسية وحقوقية عن تضامنها الواسع مع المحامي والنواب الصادرة بشأنهم أحكام بالسجن، خاصة أمام سرعة إيقاف المحامي والنائب السابق سيف الدين مخلوف وإكساء الأحكام بالتنفيذ العاجل.

وأكد رئيس حزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن" هذه القضية تم البت فيها من قبل المحكمة المدنية والحكم بـ3 أشهر مع تأجيل التنفيذ، واليوم لا يوجد أي سبب لإعادة المحاكمة بطريقة أخرى"، مبيناً أن "ما حصل توظيف سياسي للقضاء، ولذلك هم يعبرون عن تضامنهم المطلق مع النواب، مشيراً إلى أن هذا التجاوز يدعم موقفهم الرافض الانقلاب وضرب الحريات".

وأضاف المكي أن "هناك استهدافاً للمعارضين البارزين، ولكن سينتهي الأمر باستهداف أي نفس حر في أي مجال كان، حقوقي وإعلامي ومدني"، مبيناً أن هذا "الاستهداف للمعارضين هو للتغطية على غياب حلول من السلطة لإقناع الناس، ولأن الانقلاب لا يؤمن بالحريات ولا بالشراكة الوطنية وبالتالي هو يضرب المعارضين".

وعبرت القيادية في حركة النهضة يمينة الزغلامي "عن تضامنها المطلق مع النواب السابقين الشرعيين، والذين جرى اختيارهم وفق انتخابات نزيهة"، مضيفة في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الاختلافات السياسية لا تمنع مساندة النواب وكل الزملاء".

وأوضحت الزغلامي أن "ما حصل هو للتغطية على الفضيحة التي اهتزت لها الساحة الوطنية، والمتعلقة بالقاضية التي برأها القضاء رغم اتهامها و تشويهها من الرئيس، مبينة أنه كان على سعيّد الاعتذار لهذه القاضية من نفس المنبر الذي اتهمها فيه علناً". وبينت أن "سيف الدين مخلوف لحظة اعتقاله امتثل للقانون وندد بالانقلاب رغم أنه كان بإمكانه الفرار".

وأكد القيادي في "قلب تونس" رفيق عمارة، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "رسالته للنواب الذين حُكم عليهم أمس، وخاصة من سجن منهم، أنهم أبطال وسيتغلبون على هذه المحنة"، مضيفاً أن "مخلوف لم يقترف أي جريمة وكان في مهمة وتأدية دوره كمحامٍ، مشيراً إلى أنه يتضامن أيضاً مع المحامي مهدي زقروبة، معبراً عن أمله في أن ينتهي كل هذا ويكون القادم أفضل".

وقال الناشط السياسي الأمين بوعزيزي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "على امتداد سنة ونصف تقريبا والانقلاب يستهدف المعارضين"، وأضاف البوعزيزي أن "الانقلاب لم يقدم أي شيء للتونسيين"، مبيناً أن "سقف التونسيين كان عالياً ولكنهم لا يجدون اليوم مجرد مواد غذائية وعلبة حليب، وهذا يستدعي من الرئيس القيام بمراجعات ومحاكمة نفسه".

وقالت السجينة السياسية السابقة بسمة بلعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنها "كسجينة سياسية سابقة تعرف مرارة السجن، ما جعلها تبكي أمس، ليس ضعفا بل نتيجة الظلم والاستبداد"، ولفتت إلى أن "المحاكمة والطريقة غير قانونية، مبينة أن مخلوف ورغم ما حصل له ندد بالانقلاب، على أمل أن تكون الرسالة كافية لعموم التونسيين ليضمنوا العيش الكريم لأبنائهم ولجيل المستقبل".

وأكد الأمين العام السابق لـ"التيار الديمقراطي" غازي الشواشي، في تدوينة له، أنه "في عهد سعيّد، الجميع أصبح في حالة سراح وقتي" إلا "الأنصار الصادقين". وأصدرت الجمعية التونسية للمحامين الشبان بياناً، عبرت فيه عن "تنديدها ورفضها المبدئي والقطعي لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري"، مؤكدة "ضرورة استبعاد كل الأغراض والتوظيفات السياسية عن هذا الملف الحقوقي بامتياز".

وأكدت حركة النهضة على صفحتها "تضامنها مع الأستاذ مهدي زقروبة والأساتذة نواب الشعب سيف الدين مخلوف، ماهر زيد، نضال السعودي، محمد العفاس، الذين يدفعون ثمن دفاعهم عن دولة الدستور والقانون والحريات وحقوق الإنسان"، وقالت: "لن تنطلي مسرحية توظيف القضاء لتصفية المعارضين للانقلاب.. ولا يقوى القيد على الفكر".


واعتبر "محامون لحماية الحقوق والحريات" في بيان لهم، السبت، أنه "بعد القرار الاستئنافي الجائر والصادم عن محكمة الاستئناف العسكرية بتونس مساء الأمس" في ما يعرف بـ"ملف المطار"، وإثر محاصرة منزل الأستاذ مخلوف من طرف العشرات من أعوان الأمن في ساعة متأخرة من الليل، انتهت باعتقاله وإيداعه سجن المرناقية؛ فإن "مجموعة (محامون لحماية الحقوق والحريات) تعبر عن تضامنها المطلق ودعمها اللا مشروط للزميلين وتجدد استعدادها الكامل لخوض كافة الأشكال النضالية للدفاع عن الدفاع".

المساهمون