توتر بين فنزويلا وجيرانها عقب انتخابات الرئاسة وتحذير "من حمّام دم"

30 يوليو 2024
مادورو بعد الإدلاء بصوته في الانتخابات الرئاسية، 28 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **توتر العلاقات الإقليمية والدولية:** نتائج الانتخابات الرئاسية في فنزويلا بفوز نيكولاس مادورو بنسبة 70% أثارت توترات مع دول أميركا اللاتينية مثل تشيلي والبيرو، وامتدت إلى واشنطن والغرب بسبب اتهامات بالتزوير وتداعياتها على استقرار المنطقة.

- **معضلة الغرب في التعامل مع فنزويلا:** الغرب بقيادة الولايات المتحدة يواجه صعوبة في التعامل مع نظام مادورو، حيث لم تحقق العقوبات الاقتصادية النتائج المرجوة، وتضغط الشركات النفطية للاستفادة من احتياطيات فنزويلا النفطية.

- **التأثيرات الجيوسياسية:** فنزويلا أصبحت محوراً للتنافس الجيوسياسي بين روسيا، الصين، وإيران، مع مخاوف من تردي الأوضاع الاقتصادية واستمرار الفساد، مما يزيد من احتمالات الصدامات الداخلية والتوترات الإقليمية.

تشير ردود أفعال بعض دول أميركا اللاتينية على الانتخابات الرئاسية في فنزويلا إلى توتر علاقتهم بالرئيس نيكولاس مادورو، فتلك النتيجة، التي أُعلن فوزه فيها بنحو 70%، بينما تقول المعارضة إنها نتيجة كانت تمنحها استطلاعات الرأي لمرشحها إدموندو غونزاليس أوروتيا، تمثل أيضاً معضلة لواشنطن والغرب في سياق براغماتية مصالحهما.

تحذير الرئيس مادورو مما أطلق عليه "حمّام دم" إذا لم يفز لفترة رئاسية ثالثة لست سنوات قادمة، ورفض المعارضة بزعامة ماريا كورينا ماتشادو الاعتراف بالنتيجة، بات يعيد المشهد إلى ما يشبه نسخة طبق الأصل من الانتخابات الرئاسية السابقة، فالاحتجاجات في الشارع ضد النتيجة، وسط اتهامات للمعارضة بتزوير النتيجة، بدأت تثير قلق دول الإقليم وواشنطن.

ويبدو واضحاً أن التوتر في علاقة فنزويلا مع دول أميركا الجنوبية يتوسع إلى مستوى أن تشيلي التي يحكمها رئيس بميول يسارية، غابرييل بوريك، اعتبر أن "نظام مادورو عليه أن يفهم أنه من الصعب الثقة بالنتيجة". وشدد بوريك على أنه "من تشيلي، نحن لا نعترف بنتيجة لا يمكن التحقق منها بأنفسنا". وصل التوتر إلى البيرو التي عبر وزير خارجيتها خافيير غونزاليس أوليتشيا، عن "إدانة جميع  المخالفات التي ارتكبتها الحكومة الفنزويلية بهدف الاحتيال". ويزداد قلق دول الجوار مع ما يطلق عليه "استغلال عالم الجريمة المنظمة" لانتشار اللجوء الفنزويلي في دولهم، والذي يضغط أيضاً على مقدرات دول مثل كولومبيا، التي تحتضن حوالي ثلاثة ملايين من فقراء الفنزويليين.

 فمن كولومبيا إلى البرازيل وتشيلي والأرجنتين أصبح يسار القارة ويمينها يلتقيان على أن النتيجة بمثابة " انتهاك لإرادة الشعب الفنزويلي"، كما قال وزير الخارجية البيروفي، بل حتى الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الذي انتقد سابقا تمسك مادورو بالسلطة، شدد على أن بلده يتابع فرز الأصوات من كثب، وهو أيضاً مؤشر على أنه غير قابل للنتيجة التي أُعلنتْ فجر أمس.

معضلة غربية في التعامل مع فنزويلا

وينتقد الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو والرئيس البرازيلي غوستافو بيترو ولوا دا سيلفا والتشيلي غابرييل بوريك، وغيرهم من قادة وقوى معسكر يساري لاتيني، وحتى أوروبي كما فعلت حكومة بيدرو سانشيز في إسبانيا، الحالة التي وصلت إليها "الاشتراكية التشافيزية" (نسبة إلى الرئيس السابق الراحل في 2013 هوغو تشافيز)، ولا سيما في ما يخص قمع المعارضة، بما فيها قوى يسارية ويسار وسط، إلى حد أن حكومة كراكاس تخضع اليوم لتحقيق من المحكمة الجنائية الدولية بسبب اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، وانهيار الأوضاع المالية والاقتصادية وتردي كفاءة مؤسسات الدولة، مع انتشار كبير لعالم الجريمة المنظمة واستغلالها لسوء الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب مغادرة نحو ثمانية ملايين لوطنهم، وتوقع مغادرة ملايين آخرين. ويجد الغرب نفسه في معضلة تطبيق السياسات السابقة ذاتها التي عومل بها تشافيز سابقاً ثم خليفته مادورو.

ومشكلة تدفق ملايين اللاجئين من فنزويلا لم تعد قضية لاتينية فحسب، بل يُخشى أميركياً في سياق الانتخابات الرئاسية من تكرار مشهد تدفق اللاجئين نحوها. هذا إلى جانب القلق من أن مادورو يشعر بأن النتيجة تمنحه قوة لمواصلة ما يشبه عملية ضم منطقة إيسيكويبو، الجزء الغني بالنفط من غويانا. وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي عبر عن قلقه البالغ من أن "النتائج المنشورة لا تعكس إرادة الشعب الفنزويلي"، يدرك محدودية تأثير التجربة الأميركية، والأوروبية إلى حد ما، على مستوى العقوبات الاقتصادية خلال السنوات العشر الماضية.

وعلاقة واشنطن بكراكاس حددت علاقة الغرب بها، حيث تراوحت بين اللامبالاة والعقوبات القاسية، التي فرضها الرئيس السابق، دونالد ترامب، وقام الرئيس الحالي جو بايدن بتخفيفها، تحت ضغط الشركات النفطية الغربية ورغباتها للحصول على امتيازات في فنزويلا، خصوصاً بعيد مواجهة الغرب لأزمة طاقة إثر الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022. الحيرة الأميركية والغربية في التعامل مع نظام مادورو تنبع من أنه لم يعد في جعبتهما الكثير لتفعلاه، فقبل ست سنوات اعترفت واشنطن بفوز زعيم المعارضة السابق خوان غوايدو رئيساً شرعياً لفنزويلا، بعد أن فاز فيها أيضاً مادورو. غوايدو أصبح صفحة من الماضي، وفنزويلا باتت أقرب إلى محور روسي-إيراني-صيني. ولا يبدو أن الولايات المتحدة ستكرر المناورة ذاتها مع من تعتبره المعارضة فائزاً في الانتخابات، إدموندو غونزاليس أوروتيا.

وبوجود شركات نفط غربية ضاغطة على حكومة واشنطن من أجل إقامة علاقات جيدة مع فنزويلا، لرغبتها في الاستفادة من الاحتياطي النفطي الهائل فيها بعد الحرب الأوكرانية، لا يبدو أن واشنطن قادرة على أكثر من رفع نبرتها بوجه مادورو. ويبدو أن الأخير يقرأ جيداً المعضلة الغربية، إذ حتى مع فرضية عودة ترامب إلى السلطة، حيث إن المصالح الاقتصادية والنفطية أهم بكثير من قصة المبادئ، سيكون صعباً عدم الاستجابة لضغوط الشركات الكبرى، وإن بقيت مخاوف تدفق اللاجئين نحو الحدود الأميركية معضلة جدية.

وبرغم أن موسكو وبكين وطهران يشعرون بارتياح لنتيجة الانتخابات، يبقى القلق الصيني من تردي الأوضاع الاقتصادية يتزايد باستمرار جمود الأوضاع في السنوات القادمة. فبكين التي جعلت فنزويلا بين 2003 و2010 أكبر متلق للاستثمارات الصينية، وفي الغالب من خلال الصناديق الاستثمارية المرتبطة بالحزب الشيوعي الحاكم في بكين، حيث تقدر بنحو 50 مليار دولار، لم تعد تهتم بضخ المزيد في شرايين الاقتصاد الفنزويلي. فكراكاس، منذ بداية انهيار اقتصادها في 2014، لم تعد قادرة على السداد لبكين، ما يجعل الأخيرة تعاني أيضاً مع تفشي الفساد وعدم كفاءة الحكومة الفنزويلية.

أما موسكو وطهران، فتبقى فنزويلا مهمة في علاقتهما بواشنطن، حيث يوليان اهتماماً بوجود حليف قريب من أميركا الشمالية، ولتعزيز مكانتهما في سياق التنافس الجيوسياسي.على كل، لا يعني ذلك أن فنزويلا ستكون على موعد مع السلام والاستقرار. فمؤشرات دخولها في حالة تجاذب عنيف، وصدامات بين الشرطة والجيش من ناحية والمحتجين في الناحية الأخرى، يعيد التذكير بحالة الانهيار المتزايد في البلد اللاتيني، الذي عُدَّ يوماً من أثرى دول القارة، ما جعله جاذباً لمئات آلاف المهاجرين من حول العالم، بمن فيهم جاليات عربية كبيرة.