تقرير الخارجية الأميركية عن انتهاكات إسرائيل في غزة.. بلا لون وانعكاس لتخبط إدارة بايدن
- الرئيس بايدن اعترف بأن الأسلحة الأميركية استخدمت في قتل مدنيين فلسطينيين، ما يتناقض مع التقرير الذي يحجم عن تحميل إسرائيل المسؤولية بشكل مباشر، في وقت تواجه فيه الإدارة ضغوطًا متزايدة.
- الإدارة الأميركية تبدو مترددة في تحركاتها، محاولة الموازنة بين دعم إسرائيل والحفاظ على القانون الدولي، مع احتمال تقييد تزويد إسرائيل بأسلحة معينة لكن مع استمرار الدعم العسكري، مما يعكس التحديات في التعامل مع الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية.
أخيراً صدر، أمس الجمعة، تقرير الخارجية الأميركية الموعود عما ارتكبته إسرائيل في غزة بعد تأخير مدة 48 ساعة. جاء ذلك تنفيذاً لمذكرة كان قد أصدرها الرئيس الأميركي جو بايدن في فبراير/ شباط الماضي تحت ضغوط اليسار الديمقراطي، تقضي بأن تلتزم الدول التي تحصل على أسلحة أميركية بالقانون الدولي الإنساني كما بالقوانين الأميركية في استعمالها هذه الأسلحة. وإسرائيل كانت المقصودة في المذكرة.
خلاصة تقرير الخارجية الأميركية أن هناك شبهة بمخالفة القوات الإسرائيلية القوانين الأميركية والدولية الإنسانية لكنها "ليست مؤكدة". وقد جاء بصيغة تقوم على اللف والدوران حول الموضوع وبما يحجب المسؤولية عن إسرائيل واتهامها في المجزرة البشرية كما في حرب التجويع.
وقد بقي هذا التقرير، الذي جاء بحجم 50 صفحة وساهم فيه البنتاغون والبيت الأبيض، في حدود التخمين لتضييع المسؤولية، إذ يرى أنه من "المحتمل" أن تكون القوات الإسرائيلية قد ارتكبت انتهاكات "لكنها غير ثابتة رسمياً". فالخارجية تقول إنه لم تتوفر لديها "المعلومات الكافية" للتأكد مما إذا كانت إسرائيل استخدمت الأسلحة الأميركية في هذه الانتهاكات. أبعد ما ذهبت إليه، وإن بصورة ملتبسة، كان تسليمها بأنه "من المعقول" أن تكون القوات الإسرائيلية قد استعملت هذه الأسلحة "في بعض الحالات التي تتعارض مع القانون الدولي".
نأي تقرير الخارجية الأميركية عن الحسم يعكس الحرص على تجهيل القاتل ومنح الأسباب التخفيفية للعراقيل التي افتعلتها إسرائيل بهدف تجويع الغزيين. لكن الرئيس بايدن كان قد اعترف في مقابلته مع شبكة "سي أن أن"، مساء الأربعاء الماضي، بأن الأسلحة الأميركية التي تزودت بها إسرائيل "قتلت مدنيين فلسطينيين في غزة". اعترافه فضح التواءات التقرير ونسف صدقيته، إذ أكّد انتهاك إسرائيل القوانين التي تحظر استهداف المدنيين في الحروب.
ويأتي هذا التضارب في لحظة مربكة وضاغطة على الإدارة، تقاطع فيها انهيار مفاوضات صفقة وقف إطلاق النار في غزة مع تهديد الحكومة الإسرائيلية باجتياح رفح، إلى جانب الحملة المكثفة التي يقوم بها الجمهوريون وبعض الجهات اليهودية الأميركية ضد قرار الرئيس بتجميد شحنة ذخائر لإسرائيل والتلويح بحجب شحنات أخرى لو ترجمت الحكومة تهديدها. تداخل الأمور بهذا الشكل في زمن انتخابي حرج زاد من البلبلة في خطاب الإدارة.
في لقاء هاتفي يوم الجمعة مع المراسلين، قال الناطق باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي إن الرئيس سيمتنع عن تزويد إسرائيل "بنوعيات أخرى من السلاح" لو قامت بتوسيع عمليتها العسكرية في رفح. لكن في إجابة أخرى، شدد على أن الإدارة "تواصل تأكدها من حصول إسرائيل على كل ما تحتاجه عسكرياً للدفاع عن نفسها"! وفي معرض كلامه عن البديل عن الاجتياح، قال كيربي إنّ واشنطن "يمكنها مساعدة إسرائيل في استهداف قيادات حماس في غزة بمن فيهم السنوار، وهذا ما سبق وقمنا به". لكنه سارع مستدركاً لينفي اضطلاع الإدارة بمثل هذه المهمة.
الإدارة تتصرف كمن سبقته الأحداث. تأخر البيت الأبيض في ترجمة تحذيراته، وزاد من ضعف فعاليتها أنها جاءت نصفية. بعض الرؤساء السابقين اتخذ خطوات أشد وقبل فوات الأوان فحققت غاياتها. الرئيس رونالد ريغان أوقف، وإن مؤقتاً، تسليم مقاتلات إف 16 لإسرائيل بعد ضرب بيروت. الرئيس جورج بوش الأب امتنع عن كفالة قرض لإسرائيل. وكذلك الرئيس جيرالد فورد الذي هدد جدياً بوقف صفقات التسليح بناء على توصية هنري كيسنجر. في كل هذه الحالات، تراجعت إسرائيل، وطبعاً بعد التراجع عادت المياه إلى مجاريها. المأخذ على بايدن، ومن جانب بعض الديمقراطيين، أنه تحرّك متأخراً مع إسرائيل وبخطوات نصفية. سياساته تجريبية ومواقفه لا تغادر المنطقة الرمادية، سعياً لإرضاء كافة المعنيين: إسرائيل والناخب واليهود الأميركيون والكونغرس. وبالنهاية لا يرضي أحداً. وتقرير الخارجية الأميركية الأخير يعكس هذه المقاربة.. فجاء كالماء بلا لون ولا طعم.