خصص مؤتمر "هرتسليا للمناعة القومية"، يومه الثاني لمناقشة ثلاثة ملفات رئيسية في جلسات عمل مختلفة، بعضها مفتوحة وأخرى في "طاولات مستديرة"، بعد الخطاب الاستهلالي لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال بني غانتس، الذي حدد أن إيران لم تتخل عن مشروعها النووي.
وأضاف أن "خطر الجيوش التقليدية على إسرائيل تراجع لمصلحة المنظمات شبه العسكرية كحزب الله والمنظمات الجهادية المختلفة". واحتل المؤتمر، موضوعات بلورة عقيدة الأمن الإسرائيلية وتعزيزها وتعديلها وفق التطورات المتسارعة إقليمياً وعالمياً، إلى جانب الملف الإيراني والمبادرة العربية التي احتلت حيزاً رئيسياً من المداولات، مع التوقف عند حقيقة قوة الردع الإسرائيلية ومدى تماسكها، كما رأى البعض، مقابل تآكلها وفق تشخيص وزير االدفاع الإسرائيلي السابق، الجنرال شاؤول موفاز.
إيران نووية: بداية سباق تسلح
وكان وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي يوفال شطاينتس، قد أطلق مجدداً سيناريوهات التحذير من مخاطر امتلاك إيران قدرات نووية، وتأثير ذلك على الاستقرار الإقليمي، وليس فقط على أمن إسرائيل. وكرر مقولة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الرئيسية الرافضة لأي اتفاق مع إيران معتبراً أن أي "اتفاق دولي يترك إيران على عتبة القدرة النووية هو أسوأ من أي اتفاق على الإطلاق". وأشار إلى أنه "ستكون للمحادثات الثنائية بين إيران والولايات المتحدة عواقب بعيدة المدى".
وقال إن "الموضوع ليس مصير إسرائيل في الشرق الأوسط فحسب، بل مصير العالم". وأكد بأن إيران ستهدد، في حال بقيت قادرة على تخصيب اليورانيوم، أهدافاً في أوروبا الغربية وحتى في الولايات المتحدة، ويؤدي إلى سباق للتسلح في العالم العربي. واعتبر أن "من شأن اتفاق سيئ أن يشجع الدول الأخرى على السعي الى امتلاك الأسلحة النووية من دون خوف من فرض عقوبات اقتصادية عليها، فإذا كان ذلك مشروعاً لإيران، فلماذا لا نسمح به عندها للمملكة العربية السعودية وتركيا والجزائر؟".
الردع المتآكل والعقيدة الأمنية المطلوبة
في المقابل، اعتبر موفاز، أن بعض مما حصل على المسار الإيراني مرده إلى إهمال أجندة سياسية إسرائيلية أميركية مشتركة، كانت بفعل تشنج خطاب نتنياهو، وهو السبب في إدارة الولايات المتحدة لمفاوضات سرية مع إيران من دون إطلاع إسرائيل عليها، ومن دون أن تكون إسرائيل حاضرة "وراء الأبواب" بفعل التصريحات الإسرائيلية التي هددت باستمرار "بضرب إيران غداً".
واعترف موفاز، الذي تحدث في جلسة خصصت لموضوع "عقيدة الأمن الإسرائيلية وملاءمتها تحديات الحاضر ومخاطر المستقبل"، بتآكل قوة الردع الإسرائيلية في العقد الأخير. ودلّل على ذلك بقوله إنه "إذا اضطررنا إلى شن حملة (عامود السحاب) ضد غزة، بعد وقت قصير من حرب (الرصاص المصبوب) فهذا دليل على أن الردع الإسرائيلي لم يكن كافياً، فمتى حلم (رئيس المكتب السياسي لحماس) خالد مشعل بالوصول إلى قطاع غزة وتقبيل ترابها؟ كيف سمحت إسرائيل بذلك؟ وهل يتماشى هذا مع الحديث عن قوة ردع فاعلة؟".
وفي السياق نفسه، أشار موفاز، إلى "خطر شن حرب صاروخية ضد إسرائيل المتمثل في وجود 170 ألف صاروخ في حوزة حزب الله والمنظمات الأخرى، في وضع يتحول فيه الكم إلى نوع، مما يعني ارتفاع منسوب الخطر والتهديد الاستراتيجي. فلم تضطر إسرائيل في الماضي إلى مواجهة خطر بهذا الحجم وهذا النوع، وعليه يجب أن ندرك أنه لا يمكن بعد الآن الحديث عن ساحات القتال وميادين المعارك وعن الجبهة الداخلية فالاثنان، مرتبطان ببعضهما بعضاً، ويجب التوقف عن جعل قيادة الجبهة الداخلية مكافأة تعطى للسياسيين كتعويض وكمكافأة ترضية، إذ يجب أن تبقى جزءاً من وزارة الأمن".
واعتبر أن "المفهوم الأمني الإسرائيلي وعقيدة الأمن، يجب أن تشمل بداخلها موضوع التنسيق والتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة"، داعياً إلى التوقف عن مفهوم "الشعب الذي يجب أن يعيش بمفرده" والذي لا "يهتم بالآخرين ومواقفهم".
كما أشار إلى أنه "لا يمكن الحديث عن عقيدة أمنية تبنى على خطة عمل قصيرة الأمد ولسنة واحدة، كما هو حال الجيش الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة". واعتبر أن "أي عقيدة أمنية يجب أن تبنى على تخطيط طويل الأمد وخطط عمل لسنوات عدة، لأن عكس ذلك يجعل الجيش يبدد موارده وميزانيته من دون رؤيا محددة وواضحة المعالم".
من جهتهما، عرض الباحثان شاؤول شاي، وأليكس مينتس، خلال المؤتمر، مشروع "عقيدة أمنية جديدة" عمل على صياغتها 30 أستاذاً وخبيراً استراتيجياً في معهد "السياسة والاستراتيجية" (IPS)، تدعو إلى تطوير عقيدة الأمن التقليدية التي وضعها أول رئيس وزراء لإسرائيل ديفيد بن غوريون، وقامت على ثلاثة أسس: الردع والإنذار والحسم. وأضاف المشروع أربعة مداميك جديدة لها هي: الوقاية والإحباط (الضربة الاستباقية كما في حالة المفاعلات الذرية العراقية والسورية)، تحالفات واتفاقيات إقليمية مع الدول ومع مجموعات إقليمية (على غرار التحالفات مع الأكرد في العراق والمسيحيين في لبنان في ثمانينات القرن الماضي)، العلاقات مع الولايات المتحدة، والتأقلم للظروف والمتغيرات الدولية والاستراتيجية إقليمياً وعالمياً.
انهيار النظام الإقليمي القديم
وفي جلسة "الطاولة المستديرة" التي خصصت للتقديرات الاستخبارية لحالة الشرق الأوسط في ظل الربيع العربي، اعتبر رئيس قسم "الأبحاث في الاستخبارات العسكرية" (أمان) العميد إيتاي برون، في مداخلته أمام المؤتمر في الجلسة التي خصصت لمناقشة "التقديرات الاستخبارية لأوضاع الشرق الأوسط"، أن "الحرب الدائرة في سورية تدفع السوريين العلمانيين الى مغادرة البلاد لمصلحة المقاتلين الإسلاميين والجهاديين. إذ أن نحو 80 في المئة من المتمردين لديهم أجندة إسلامية". وأكد بأن "الاضطرابات في سورية هي جزء من المشهد المتغير لأمن إسرائيل، وأن هناك عناصر إيجابية خصوصاً بعد انخفاض بشكل ملحوظ الخطر الذي شكلته سورية على إسرائيل بعد أن تم تفكيك "معظم الأسلحة الكيماوية أو تدميرها، فيما تم تعزيز معسكر المعتدلين العرب".
وأضاف أن "هناك أيضا تطورات سلبية، إذ يمتلك حزب الله الآن عدداً هائلاً من الصواريخ، ولديه القدرة على ضرب أي جزء من إسرائيل". ولفت الى أن "ترسانة الحزب الصاروخية هي 170 ألف صاروخ، وهذا رقم دقيق وليس مجرد تقديرات"، مشيراً إلى أن "حزب الله" يهدف من وراء هذه الترسانة إلى تحييد التفوق البحري والجوي الإسرائيلي، كما أنه يأمل في استخدام صواريخ كرادع عبر التهديد بإطلاقها على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
وحسب برون، فإن "منطقة الشرق الأوسط لا تزال في فترة انتقالية". وأكد "انهيار النظام التقليدي القديم ولم تتبلور معالم النظام الإقليمي الجديد بشكل كامل بعد، لكن العداء لإسرائيل هو القاسم المشترك بين أولئك الذين يريدون بناء نظام جديد، وبين أولئك الذين يريدون استعادة النظام القديم".
وزير فلسطيني سابق يشرح المبادرة العربية
إلى ذلك ناقش مؤتمر "هرتسليا" في جلسة "طاولة مستديرة" المبادرة العربية، التي أطلقتها السعودية في عام 2002 ثم تم اعتمادها في قمة بيروت لجامعة الدول العربية باعتبارها خطة السلام العربية التي تعرض على إسرائيل سلاماً شاملاً وكاملاً مع علاقات "طبيعية"، مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 وعودة اللاجئين.
وبرز بين الحضور وزير شؤون الأسرى السابق في السلطة الفلسطينية أشرف العجرمي، الذي حاول الدفاع عن المبادرة قائلاً إن "العالم العربي طرح مبادرة شاملة على إسرائيل، وإنها الخطة الوحيدة التي يمكن أن تعطي إسرائيل القدرة على أن تكون متكاملة في المنطقة". ورأى العجرمي، أن "السلام مع العالم العربي وفق المبادرة العربية يوفر لإسرائيل شرعية دولية وغطاء إقليميّاً، لكن القادة الإسرائيليين رفضوا الخطة مراراً وتكراراً باعتبارها خطة غير واقعية".
وتكرر عملياً هذا التقييم الإسرائيلي للخطة في سياق الجلسة المذكورة من متحدثين من اليمين الإسرائيلي، إذ اعتبر رئيس مجلس المستوطنات السابق وأحد مستشاري نتنياهو سابقاً، داني ديان، أن الخطة العربية غير واقعية، فهي تقوم على مركبين، الأول هو مركب محتمل وقابل للتفاوض، وهو الانسحاب إلى حدود 67، لكن المركب الثاني من المبادرة هو غير واقعي على الإطلاق، وهو مركب عودة اللاجئين الفلسطينيين لأنه لا يوجد أي قائد أو سياسي إسرائيلي مسؤول يمكن له القبول بهذا الشق أو حتى مجرد التفاوض بشأنه".
واعتبر ديان، أن أي حل يقوم على مبدأ الدولتين من شأنه أن يكون مجرد مقدمة لصراع آخر في المستقبل. وأشار إلى أنه يعتقد أن التوصل إلى تسوية تفاوضية مع الفلسطينيين لم يعد أمراً ممكناً.