ما نعرفه عن وو زهي.. رائد فكرة المناطيد الصينية لاحتلال "الفضاء القريب"

14 فبراير 2023
المنطاد الصيني أثناء تحليقه فوق الولايات المتحدة (Getty)
+ الخط -

في عام 2019، قبل سنوات من اكتشاف أول تحليق لمنطاد صيني ضخم على ارتفاع عالٍ عبر الولايات المتحدة، ما أطلق حينها إنذارًا واسع النطاق، أصدر أحد كبار علماء الطيران في الصين إعلانًا كبيرًا، لكن لم يحظ باهتمام كبير في ذلك الوقت: لقد أطلق فريقه منطادًا على ارتفاع يزيد عن 60 ألف قدم في الجو، وتركه يطوف عبر العالم، بما في ذلك فوق أميركا الشمالية.

كان هذا وو زهي، الذي يعدّه كبير مراسلي "نيويورك تايمز" في الصين كريس باكلي رائد فكرة المناطيد الصينية التي ألهبت نار الأزمة الكامنة بين الولايات المتحدة والصين أخيرًا. الهدف من هذا الابتكار، كما يقول باكلي، هو السيطرة على ما يسمّى بـ"الفضاء القريب"، أي المنطقة التي تقع تحت مدى دوران الأقمار الاصطناعية وفوق مدى تحليق الطائرات.

عقدان من التطوير

وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن الخطة الصينية لم تكن وليدة الساعة، إذ يعكف زهي على تطوير هندسة المناطيد وآلية عملها منذ عقدين، حتى أسس شركة خاصة لإنتاجها، كانت من ضمن المؤسسات الست التي استهدفتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال الأيام الماضية، في مسعاها لمواجهة الخطط الصينية؛ كما يعدّ زهي مساهمًا أيضًا في 3 من تلك الشركات.

يعمل وو أستاذًا في جامعة بيهانغ في بكين، وهي في طليعة مؤسسات أبحاث الطيران والفضاء في الصين. ساهم في تصميم المقاتلات الصينية النفاثة، وطور خبرته في الأجسام الشبحية، وفاز بجوائز لعمله من الجيش الصيني، كما كان عضوًا في لجنة استشارية لقسم التسليح العام بجيش التحرير الشعبي المنحلّ حاليًّا، وفق ما يقرأ مراسل "نيويورك تايمز" في سيرته الذاتية على موقع جامعة بيهانغ.

بين الأهداف العلمية والتجسسية

لحظة إطلاق بالونه الأول، عام 2019، أخبر وو منصة إخبارية تديرها الدولة الصينية في ذلك الوقت بأن المنطاد الذي حمل اسم "مطارد السحاب" كان علامة فارقة في رؤيته لملء المديات العليا من الغلاف الجوي للأرض بمناطيد قابلة للتوجيه يمكن استخدامها لتقديم تحذيرات مبكرة من الكوارث الطبيعية أو مراقبة التلوث أو عمليات المراقبة عبر الجو.

قال البروفيسور وو في مقطع فيديو مرفق: "انظر، هناك أميركا"، مشيرًا إلى خط أحمر على شاشة الكمبيوتر يبدو أنه يتتبع مسار المنطاد عبر آسيا، وشمال أفريقيا، وبالقرب من الحافة الجنوبية للولايات المتحدة.

وترى "نيويورك تايمز" أن إعلان البروفيسور وو هو ضمن مجموعة من الأدلة التي تكشف عن نطاق طموحات الحكومة الصينية لاستخدام المناطيد على ارتفاعات عالية لتتبع الأنشطة الأرضية، "مع التركيز على الاحتياجات المحلية والعسكرية".

مناورة عالية

وبحسب الصحيفة، فإن رحلات المناطيد الصينية على ارتفاعات بعيدة لم تجذب، حتى وقت قريب، سوى القليل من الاهتمام، وهذا، إلى حد ما، بمثابة شهادة على نجاحها في مناورة رادارات الحكومات الأجنبية.

حتى الولايات المتّحدة، وفق ما ينقل المراسل عن مسؤولين من إدارة بايدن، لم تكن قادرة على اكتشافها سوى عبر العودة إلى سجل البيانات، أي أنه لم يتم التقاطها على الفور لحظة دخولها الأجواء الإقليمية. وبحسب الصحيفة، يعمل الجيش الأميركي الآن على تعديل راداراته من أجل رصد المزيد من التوغلات في لحظتها. وفي هذا الإطار أيضًا، خلال عطلة نهاية الأسبوع، أسقطت الطائرات المقاتلة الأميركية ثلاثة أجسام طائرة مجهولة الهوية فوق ألاسكا وكندا وميشيغن.

وتصنع تلك المناطيد من مواد خاصة يمكنها التعامل مع درجات الحرارة الشديدة وحمل الأوزان في طبقة الهواء الرقيق. وحتى تكون البالونات مفيدة، ينبغي أن يكون المشغلون على الأرض قادرين على البقاء على اتصال معها عبر مسافات شاسعة.

وتشير المنشورات الأكاديمية المفتوحة للعامة للبروفيسور وو، وأيضاً تقارير أخرى، إلى أنه ومعاونوه من العلماء درسوا هذه التحديات منذ فترة طويلة.

سباق السيطرة على الفضاء القريب

تصف "نيويورك تايمز" البروفيسور وو، الذي يبلغ من العمر 66 عامًا هذا الشهر، بأنه شخصية محورية في طموحات الصين في "الفضاء القريب"، وهو نطاق من الغلاف الجوي يمتد بين 12 و62 ميلًا فوق الأرض، بين الفضاء الخارجي والأجواء القريبة.

ويرى الاستراتيجيون الصينيون، بحسب الصحيفة، في الفضاء القريب ساحة لتعميق التنافس بين القوى العظمى، حيث ينبغي على الصين التمرس على التقنيات الجديدة اللازمة لتأسيس وجود قوي هناك، وإلا فإنها "تخاطر" بتسليمها إلى قوى أخرى. وقد تعمق هذا القلق مع توتر العلاقات مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس الحالي شي جين بينغ.

على هذا النحو، يجادل المحللون الصينيون بأن الفضاء القريب يوفر بديلاً يحتمل أن يكون مفيدًا للأقمار الصناعية وطائرات المراقبة، والتي قد تصبح عرضة للاكتشاف أو الحجب أو الهجمات.

عطفًا على ذلك، تقتبس الصحيفة ما كتبه المعلق العسكري الصيني شي هونغ في مجلة "الشؤون الراهنة"، العام الماضي، حين اعتبر أن الفضاء القريب "هو مجال رئيسي للمنافسة بين القوى العسكرية في القرن الحادي والعشرين: كل من يكتسب ميزة في مركبات الفضاء القريبة سيكون قادرًا على كسب المزيد من المبادرة في الحروب المستقبلية".