تظاهرات مناوئة لبغداد في كردستان العراق: رسائل سياسية

05 سبتمبر 2023
رفع المتظاهرون خلال التظاهرة شعارات تتعلق برفض سياسة بغداد (Getty)
+ الخط -

تظاهر الآلاف في محافظة دهوك بإقليم كردستان شمالي العراق، اليوم الثلاثاء، احتجاجاً على ما وصفوه "سياسة بغداد تجاه الإقليم"، بعد الأحداث التي شهدتها كركوك خلال اليومين الماضيين، وقرار المحكمة الاتحادية العليا إيقاف تسليم مبنى في محافظة كركوك إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل.

وخرج المتظاهرون عند الساعة التاسعة من صباح اليوم الثلاثاء، في ساحة "نوروز" وسط مدينة دهوك، قادمين من مناطق وبلدات شيخان وسيميل وزاخو وعقرة والعمادية.

ورفع المتظاهرون شعارات تتعلق برفض سياسة بغداد بعدم إرسال حصة كردستان من الموازنة المالية، ومرتبات موظفي الإقليم، و"محاولات انتهاك حقوق شعب كردستان الدستورية"، إضافة إلى الشعارات الأبرز الخاصة بالتضامن مع ملف كركوك.

وبحسب مصادر من دهوك، فإن "أغلب المتظاهرين هم من التنظيمات المحلية للحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن الأوامر الحزبية قضت بعدم رفع أي صور لمسعود بارزاني أو نجليه (قادة الحزب)، كما شاركت منظمات مدنية وشخصيات معروفة في المدينة"، مبينةً لـ"العربي الجديد" أن "الاحتجاجات هي وسيلة لإعلان حالة الرفض الشعبي لما يصدر عن الحكومة في بغداد، من مواقف وقرارات تنال من الإقليم وحكومته". 

ونقلت وسائل إعلام كردية عن محافظ دهوك علي تتر، الذي شارك بالاحتجاجات، قوله إنّ "التظاهرة هي قبل كل شيء لبيان التعاطف مع الحقوق المشروعة لأهالي كركوك وشهدائهم وجرحاهم ومظلوميهم"، مطالباً بـ"تطبيق الدستور، وخاصة المادة 140 منه، وبتنفيذ الاتفاقية المبرمة بين رئيس الوزراء (في إقليم كردستان والحكومة الاتحادية)".

وأضاف المحافظ أن "حكومة إقليم كردستان أدت كل ما عليها من التزامات تجاه بغداد، لذلك نطالب بتنفيذ الاتفاق المبرم بين رئيس وزراء إقليم كردستان والعراق، فقد سلمنا كل العائدات لبغداد، فلماذا يبخسون موظفي هذا الإقليم حقوقهم؟ وأنا كموظف أضم صوتي إلى أصوات جميع موظفي إقليم كردستان من أجل نيل كل حقوقنا الدستورية والمالية والقومية".

وفي 28 أغسطس/آب الماضي، بدأت أزمة جديدة في كركوك، حين قطع عشرات الأشخاص الطريق الرابط بين كركوك وأربيل بالكامل، رافضين تسليم المقر الرئيس لقيادة العمليات العسكرية المشتركة في محافظة كركوك إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث تتخذ القوات العراقية من هذا المبنى الضخم مقراً لها منذ عام 2017.

وسرعان ما توسعت الاحتجاجات لتشترك فيها أطراف من "الحشد الشعبي" وآخرون من الجبهة التركمانية والأحزاب العربية.

 

ودفعت الأحزاب الكردية في المقابل بمحتجين السبت الماضي، كإجراء مناوئ لتظاهرات القوى العربية والتركمانية، واندلعت الاشتباكات بين الطرفين عندما دخلت عناصر مجهولة منطقة الاحتجاجات وأطلقت النار في الهواء من أسلحة خفيفة، ما أدى إلى وقوع ضحايا وجرحى. 

ويتولى إدارة كركوك محافظ عربي هو راكان الجبوري، إلى جانب قيادة أمنية مشتركة من مختلف القوميات بالمحافظة، تحت إشراف الجيش العراقي، منذ استعادة بغداد السيطرة على كركوك، نهاية عام 2017، بعد حملة عسكرية واسعة إثر تنظيم أربيل استفتاء للانفصال عن العراق.

من جهتها، أوقفت المحكمة الاتحادية العراقية، أمس الأول الأحد، قرار تسليم مقر قيادة العمليات في مدينة كركوك للحزب الديمقراطي الكردستاني، بعد دعوى رفعها عضو مجلس النواب عن المكون العربي في كركوك وصفي العاصي. وقررت المحكمة "إيقاف قرار رئيس الوزراء (محمد شياع السوداني) المتعلق بإخلاء مقر قوات العمليات المشتركة في كركوك، ويعتبر قرار المحكمة نهائياً وملزماً لجميع المسؤولين".

لكن رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني انتقد قرار المحكمة الاتحادية، واصفا إياه بـ"المهزلة"، لا سيما وأن السوداني كان قد قطع وعداً للحزب الديمقراطي الكردستاني بالعودة إلى كركوك، واستلام الحزب مقر العمليات العسكرية، الذي كان مقراً للحزب قبل عام 2017.

من جانبها، وصفت خلية الإعلام الأمني العراقية الأوضاع في كركوك بأنها "مستقرة"، قائلةً إنّه "لا يوجد أي أحداث تعكر صفو الحياة في كركوك، ومن يروج لأخبار كهذه غير صحيحة يحاول خلط الأوراق".

وبينت، في بيان، أن "أهالي هذه المحافظة كانوا ومازالوا يمتازون بالتعايش السلمي فيما بينهم، ونشهد أن هناك تعاونا تاما بين المواطنين والقوات الأمنية".

بدوره، رأى الباحث السياسي علي البيدر أن "من حق أي حزب عراقي أن يعبر عن مواقفه باللجوء إلى الشارع والجماهير، بالتالي فإن اختيار الحزب الديمقراطي لهذا الخيار هو أمر طبيعي، وبالعادة هذا ما يحدث حين تشتد الأزمات السياسية"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "الاتفاقات السياسية تصطدم عادة بإمكانية تنفيذها فيما بعد على أرض الواقع، لكن يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد تفاهماً جديداً حول تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي الخاصة بالمناطق المتنازع عليها".

ويعد ملف المناطق المتنازع عليها من أعقد الملفات العالقة بين بغداد وأربيل، حيث لا تقبل المكونات العربية والكردية والتركمانية في تلك المناطق بأي تفاهمات تمس حقوقها، الأمر الذي يجعل من إمكانية إبرام تفاهمات جديدة تضع تلك المناطق، وخاصة كركوك، على حافة مشاكل وأزمات سياسية.

وأضيفت مادة بالدستور الجديد عُرفت باسم "المادة 140"، تنص على إجراء استفتاء شعبي لسكان تلك المناطق حول رغبتهم بالبقاء مع إدارة بغداد أو الالتحاق بمدن الإقليم، لكن منذ عام 2005 لم تنفذ تلك المادة لأسباب سياسية وأمنية، أبرزها عمليات التغيير الديمغرافي التي طرأت عليها، وخاصة كركوك.

المساهمون