تسوية عراقية حول قانون الانتخابات: قبول حزبي بالدوائر المتوسطة

03 أكتوبر 2020
كانت الانتخابات المبكرة مطلباً أساسياً للمنتفضين (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

يتجه العراق في الأيام المقبلة إلى الإعلان عن تسوية سياسية حول قانون الانتخابات وطريقة تقسيم الدوائر الانتخابية وتوزيعها على مجمل خارطة الاقتراع في البلاد وعددها، وأيضاً كوتا النساء، حسبما أكدت مصادر سياسية وبرلمانية لـ"العربي الجديد". وذكرت أن التسوية تتضمن دوائر متوسطة بواقع 3 إلى 5 دوائر في كل محافظة، ما يعني تجاوز الكتل السياسية فقرة الدوائر الصغيرة، وهي دائرة انتخابية لكل 100 ألف نسمة يفوز منها نائب واحد. وجاءت التسوية في ظلّ خشية القوى السياسية من عودة الحراك الاحتجاجي مجدداً، لا سيما بعد يوم حافل أول من أمس الخميس، تمثل بإحياء ذكرى انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019. وشاركت أعداد أكثر بكثير من المتوقع في بغداد ومدن جنوب ووسط البلاد، وكرر المتظاهرون مطالبهم نفسها التي رفعوها طوال العام الماضي.


الخلاف سيبقى على طريقة توزيع تلك الدوائر، لا سيما في المحافظات المختلطة

وتسعى القوى السياسية في الوقت نفسه إلى حسم القانون بأقل الخسائر لها، وتجد أن التحول إلى نظام الدوائر الانتخابية الصغيرة سيسهم في تشتت أصوات ناخبيها، وهو ما يعني استفادة قوى مدنية بدأت تظهر للعلن منذ أسابيع. كما تكثفت أخيراً دعوات وفعاليات في مدن مختلفة، التي تحدثت بخطاب معادٍ لأحزاب السلطة الدينية وللقوى التي ترتكز على القبلية والريف في كل انتخابات، وتُسهم في تراجع أصوات أبناء المدن، الذين تتشتت قوتهم الانتخابية بدمجها مع الضواحي والأرياف القريبة والبعيدة منها على حد سواء.
وقال نائب في البرلمان العراقي عن تحالف "النصر"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، لـ"العربي الجديد"، إن الاتفاق بات شبه ناضج، ويقوم على أساس دوائر انتخابية متوسطة بواقع 3 إلى 5 دوائر في كل محافظة من محافظات العراق، ويفوز من كل دائرة 4 نواب بدلاً من دوائر صغيرة (دائرة لكل 100 ألف نسمة). وأكد أن الاتفاق يبقى الأخف ضررا للأحزاب السياسية ويمكن اعتباره تسوية سياسية بين المتضررين من القانون والرابحين منه.

وكشف النائب أن الخلاف سيبقى على طريقة توزيع تلك الدوائر، لا سيما في المحافظات المختلطة مذهبياً وقومياً وحتى حزبياً، مثل كركوك ونينوى وبغداد وديالى والبصرة وبابل وصلاح الدين، لأن التقسيم قد يظلم مكوّنات كاملة بوضعها في دوائر أخرى يكون فيها مكون أكثر عدداً من مكون آخر. وطرح سهل نينوى نموذجاً، معتبراً أنها يجب أن تمنح طابعاً خاصاً بالنسبة للمكون المسيحي، وكذلك سنجار بالنسبة للأيزيديين والشبك. والحال نفسه في صلاح الدين وكركوك وبغداد، لأن التفاصيل مهمة جداً. وأضاف أن دمج مدينتين في دائرة انتخابية واحدة، قد يؤدي إلى ابتلاع إحداها الأخرى. وهو ما يمكن اعتباره محل تفاوض الآن بين الكتل السياسية.

ورجح أن يكون عدد الدوائر الكلي في العراق بين 80 و83 دائرة، وسيكون الفصل يوم العاشر من الشهر الحالي موعد التصويت على القانون، مقراً بأن "التسوية لا تتعلق بمصلحة الناخب بل مصلحة المرشحين والأحزاب، وهو ما قد يلاقي اعتراضات شعبية أيضاً". وختم بالقول إن بعثة الأمم المتحدة غير بعيدة من هذه التسوية.

من جهته، قال عضو البرلمان أحمد حمه رشيد، إن أغلب الآراء داخل البرلمان تسير باتجاه تقسيم المحافظات إلى دوائر انتخابية متعددة، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن التصويت على الدوائر الانتخابية تم تأجيله بسبب وجود مناسبة دينية. وأشار إلى أن حسم هذه المسألة يتطلب بعض النقاش، لأن توزيع الدوائر يتطلب وجود بيانات لسكان كل مدينة وكل بلدة وكل حي، من أجل توزيع الدوائر بحسب ما تم الاتفاق عليه بأن يكون لكل دائرة انتخابية 3 إلى 5 مقاعد في البرلمان.


النص الدستوري يمنح كل 100 ألف شخص مقعداً في مجلس النواب

ولفت إلى قيام بعض النواب بالمطالبة بتقسيم كل محافظة إلى دائرتين انتخابيتين، باستثناء بغداد ونينوى والبصرة على اعتبار أن عدد السكان في هذه المحافظات الثلاث أكثر من 3 ملايين نسمة. وكشف أن هذا المقترح لم يُقبل لكنه لا يزال مطروحاً. وأشار إلى أن البرلمان لا يزال يشهد طروحات عدة للدوائر الانتخابية، مؤكداً وجود من يقترح أن يكون العراق دائرة انتخابية واحدة، وهناك من أراد أن تكون كل محافظة دائرة انتخابية، بينما طالب فريق ثالث بتعدد الدوائر الانتخابية.

وأوضح رشيد أن الميل نحو تعدد الدوائر جاء لكون النص الدستوري يمنح كل 100 ألف شخص مقعداً في مجلس النواب، لافتاً إلى "اختيار حل وسط تمثل بالدوائر المتوسطة بعد كل 300 إلى 500 ألف شخص دائرة انتخابية واحدة، وهذا ما وافقت عليه الأكثرية". وأكد أن التوصل إلى هذه الصيغة يمثل محاولة للاستجابة إلى أحد مطالب الشارع، مضيفاً: "وإلا لكان الأمر باعتبار كل محافظة دائرة انتخابية كما جرى في السابق، إلا أن تعدد الدوائر هو مطلب الجماهير".

في المقابل، اعتبرت عضو البرلمان ندى شاكر جودت أن توزيع الدوائر الانتخابية المقترح سيؤدي إلى التقسيم داخل العراق، متهمة الكتل السياسية البرلمانية بالعمل على ضمان مصالحها وزيادة عدد مقاعدها في البرلمان. وأفادت في تصريحات صحافية بأن ما يجري لا يصب في مصلحة المواطن المتظاهر المطالب بالحقوق والتغيير، محذرة من "تكريس المحاصصة والمناطقية في الانتخابات المقبلة وفقاً لآليات تحديد الدوائر الانتخابية والإحصاءات السكانية التي سيتم اعتمادها". وتابعت: "من الخطأ الاعتماد على إحصاءات سكانية غير دقيقة وغير ناتجة عن التعداد السكاني"، مضيفة أن "البلاد تعاني من عدم وجود أي تخطيط لا سيما ما يتعلق بالإحصاءات السكانية، وأجري آخر تعداد للسكان عام 1997 وبالتالي فإن هناك مشكلة كبيرة في احتساب الدوائر الانتخابية".

في السياق، أكد عضو في اللجنة القانونية في البرلمان أن البرلمان سيعتمد على إحصاءات السكان المتوفرة لعام 2010 في توزيع الدوائر الانتخابية، مؤكداً لـ"العربي الجديد" استمرار الحوارات داخل اللجنة من جهة، وبين اللجنة والكتل السياسية من جهة أخرى، من أجل حسم قضية الدوائر الانتخابية بشكل سريع. وأوضح أن أي تأخير في إكمال ملحق الدوائر الانتخابية الخاص بقانون الانتخابات قد يفهم بالخطأ من قبل الشارع، وقد يتسبب بعودة المطالبات الشعبية بتعديل أو استبدال القانون، موضحاً أن الأمر يتطلب موقفاً جاداً من قبل القوى السياسية لحسم هذا الأمر بشكل سريع.


من المقرر أن يكون عدد الدوائر الكلي في العراق بين 80 و83 دائرة

وبحسب مختصين فإن اعتماد الإحصاءات الصادرة من وزارة التخطيط العراقية عام 2010 في توزيع الدوائر الانتخابية، يهدف للإبقاء على 329 مقعداً برلمانياً، لتجنب زيادة عدد أعضاء البرلمان الذي سيرتفع عددهم إلى نحو 400، إذا اعتمدت الإحصاءات الحالية في ظل وجود تقديرات تشير إلى أن عدد سكان العراق اقترب من 40 مليون نسمة. ووفقاً للدستور العراقي فإن لكل 100 ألف نسمة مقعدا واحدا في مجلس النواب، لذا فإن عدد أعضاء البرلمان قد ارتفع من 275 نائباً عام 2005 إلى 325 ثم إلى 329 في مجلس النواب الحالي.

وأكد الرئيس العراقي برهم صالح أول من أمس الخميس، أن الانتخابات النزيهة بعيداً عن سطوة السلاح والتزوير، تمثل ضرورة للانطلاق نحو الإصلاح المنشود في منظومة الحكم، وذلك لتلبية حقوق العراقيين، مضيفاً: "يمر عام على الحراك الشعبي الناهض، حراك يختزل أجيالا من المعاناة، نابع من الرغبة في تحقيق طموح المواطنين في وطن، في دولة مقتدرة ذات سيادة، ضامنة لأمنهم وحقوقهم". وتعهد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي منذ نيل حكومته الثقة في مايو/أيار الماضي بإجراء انتخابات مبكرة، تلبية لمطالب الاحتجاجات، قبل أن يعلن مطلع أغسطس/آب الماضي أن الانتخابات ستجرى يونيو/حزيران 2021.

المساهمون