تركيا تكثف عملياتها ضد "العمال الكردستاني" بالشمال العراقي: تنسيق مع بغداد؟

09 مارس 2023
جندي تركي في دهوك العراقية، 7 يونيو الماضي (أزكان بيلغين/الأناضول)
+ الخط -

للأسبوع الثاني على التوالي، تواصل القوات التركية سلسلة من العمليات العسكرية الانتقائية في الشمال العراقي، ضمن نطاق نينوى وإقليم كردستان، تتركز خصوصاً في سنجار وقنديل وسيدكان وسوران والزاب وزاخو. وتضمنت العمليات الأخيرة قصفا جويا واغتيالات طاولت قيادات بارزة في حزب "العمال الكردستاني" المعارض.

ومنذ 22 فبراير/شباط الماضي واجه "الكردستاني" واحدة من أسوأ فتراته بسبب اختراقات مؤثرة في صفوفه، أسفرت عن مقتل عدد من قياداته البارزة، وفقاً لما كشفه مسؤول رفيع في إقليم كردستان العراق لـ"العربي الجديد".

وأشار إلى أن "الحزب نفذ عمليات اعتقال داخلية في سنجار ومخمور ضد أشخاص اتهمهم بالعمل لصالح الاستخبارات التركية، عبر ضرب قيادات بارزة ومؤثرة في الحزب وأذرعه المحلية". وأكد المسؤول، وهو ضابط بقوات "البيشمركة"، أن "حملة اعتقالات طاولت مسؤول تزويد مسلحي الحزب بالوقود، وشخصا آخر ينشط في سنجار ضمن حملات الحزب الدعائية، وهما عراقيان من المكون الأيزيدي، ولم تسجل اعتقالات في صفوف أكراد تركيا الموجودين بالعراق". وأوضح أن "الحزب يعاني من اختراق الاستخبارات التركية في عدد من محاوره، أبرزها سنجار ومخمور وشرقي دهوك".

عمليات مركزة ضد "الكردستاني"

واستهدفت عمليات قصف مركزة كهوف ومواقع "الكردستاني" في مناطق عراقية حدودية، تسبب بعضها بانفجارات ثانوية نجمت على الأرجح عن انفجار أسلحة ومعدات حربية، بين 22 فبراير الماضي و1 مارس/آذار الحالي.

كما نفذت طائرات تركية عمليتي اغتيال استهدفتا بير جكو، وخيري خضر، في 27 فبراير الماضي، تلتهما عملية مماثلة أسفرت عن مقتل شيرزاد قيراني، المسؤول الأمني لمليشيا "وحدات حماية سنجار"، الذراع المحلية لـ"الكردستاني"، تلتها عملية خاصة لجهاز الاستخبارات التركي في السليمانية، أدت لاعتقال رمضان غونش، القيادي في الحزب، المطلوب للقضاء التركي وإعادته إلى تركيا.


جنرال عراقي: لدى تركيا معلومات عن نية الكردستاني شنّ اعتداءات داخلها

العمليات التركية المتتالية لم تلقَ أي رد فعل عراقي، سواء من بغداد أو أربيل، بما فيها وزارة الخارجية العراقية التي اعتادت على إصدار بيانات مستنكرة بعد كل عملية. غير أنه في المقابل، زار وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي العاصمة التركية أنقرة، السبت الماضي، حيث التقى مسؤولين أمنيين وعسكريين، أبرزهم رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان. ووفقاً للبيان الرسمي، فإن العباسي بحث مع فيدان سبل التعاون المشترك بين العراق وتركيا، في الجانب الاستخباري وتبادل المعلومات.

في بغداد، رد جنرال عراقي بارز في ديوان وزارة الدفاع، على العمليات التركية بالقول إن "بلاده تؤمن بأهمية عدم تحويل العراق مصدراً للاعتداء أو تهديد أمن الجيران".

وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، طالباً عدم الكشف عن اسمه، أن "لدى المسؤولين الأتراك معلومات عن نيّة الحزب شن اعتداءات داخل الأراضي التركية، انطلاقاً من العراق مستغلين الحالة السياسية في تركيا وأوضاع ما بعد الزلزال"، الذي وقع في 6 فبراير الماضي.

وأضاف الجنرال أن "العمليات التركية استباقية لإفشال تلك المخططات، وتم إخطار بغداد بأنشطة الكردستاني داخل العراق، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني لم يرد بالرفض أو القبول"، مبيناً أن "العمليات قد تستمر لأن لتركيا قائمة أهداف تعتبرها تهديدا لأمنها القومي داخل العراق".

المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية اللواء تحسين الخفاجي، شدّد في حديثٍ مع "العربي الجديد"، على أن بلاده متمسكة بـ"رفض استخدام أراضيه لاستهداف أي من دول الجوار من أي جهة كانت. نعمل على الإمساك بكامل حدودنا الدولية لمنع أي ثغرات يمكن استخدامها لعمليات تسلل بين العراق وتركيا أو العراق وإيران من قبل بعض الجماعات".

وأضاف الخفاجي: "القوات العراقية تواصل مرحلة الانتشار الكامل على الشريط الحدودي مع تركيا من جهة ومع إيران من جهة أخرى. هناك تنسيق وتعاون مستمر مع الجانب التركي لضبط الحدود، كما أننا نرفض أي اعتداء على الأراضي العراقية من أي طرف وتحت أي عنوان".

تفاهم مسبق بين بغداد وأنقرة

لكن مصادر سياسية في بغداد، رجّحت في أحاديث متفرقة ومتطابقة مع "العربي الجديد"، أن يكون صمت الحكومة على العمليات الأخيرة لتركيا داخل العمق العراقي، ضمن تفاهم مسبق، تحديداً مع حاجة العراق لتفاهم سريع مع تركيا من أجل إطلاق كميات من مياه دجلة والفرات، على وقع موجة جفاف خطيرة تمرّ بها البلاد.

وأشار أحد المصادر إلى أنه "يمكن اعتبارها مقايضة بين الطرفين"، معللاً ذلك بأن "الكردستاني جماعة أجنبية بالعراق"، مما يعني تسليمه لتركيا، على أساس أن "للعراق مصالح أهم مع تركيا لا يمكن التضحية بها"، وفقاً لقوله.

وبعد العمليات التركية المتصاعدة، اغتيل أحمد طاهر، المسؤول الأمني في "الجبهة التركمانية العراقية"، المقرّبة من أنقرة، وسط مدينة كركوك، السبت الماضي، بانفجار عبوة لاصقة زُرعت في سيارته.

وعلى الفور اتهم رئيس كتلة "الجبهة التركمانية" في البرلمان العراقي، أرشد الصالحي، السبت الماضي، "الكردستاني" بالوقوف وراء اغتيال طاهر في كركوك، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية حذّرت "الجبهة" من قيام الحزب باستهداف القيادات التركمانية في المحافظة.

وأضاف في مؤتمر صحافي أن "القيادات الأمنية كانت قد أبلغتنا باستهداف الكردستاني لقيادات في الجبهة التركمانية، تحديداً في محافظة كركوك".


أحمد الشريفي: صمت بغداد دليل على تنسيقها المسبق مع أنقرة

وأكد الصالحي أن "مسؤولاً رفيع المستوى، وعلى مستوى عال من المسؤولية، أبلغني بأن الكردستاني يستهدفكم"، مردفاً: "لم نجد أي اهتمام جدي لا من مجلس النواب العراقي ولا من قبل القيادات ولا من رئاسة الجمهورية ولم يتم توجيه أي استنكار للحادث".

وأوضح أن "الحزب الإرهابي بدأ ينشط تحت عدة عناوين، سواء باسم منظمات مجتمع مدني، تأخذ الإذن من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، أو تحت واجهات عسكرية مدعومة من قبل بعض الأطراف السياسية العراقية".

أما عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان كريم عليوي، فاعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "اللجنة ستعمل على استضافة وزير الدفاع ثابت العباسي، لمعرفة محاور النقاش التي أجراها في تركيا مع التصعيد العسكري من قبل تركيا ضد العراق وتنفيذ عمليات عسكرية".

بدوره، توقع الباحث أحمد الشريفي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "تستمر العمليات التركية الجديدة وتتصاعد لاحقاً، بسبب وجود خطر تستشعر به أنقرة من تواجد الحزب المسلح بالقرب منها عبر الحدود العراقية".

ورأى أن "صمت الحكومة العراقية على التصعيد الأخير في العمليات العسكرية التركية في الشمال العراقي، يؤكد وجود تنسيق مسبق وعلم لبغداد بتلك العمليات، خصوصاً مع زيارة وزير الدفاع العراقي إلى تركيا واجتماعه مع المسؤولين هناك. فهذه الزيارة لا تخلو من تبادل المعلومات المهمة، التي تخص الأمن القومي للبلدين".

وأضاف الشريفي أن "قبول بغداد بعض العمليات التركية النوعية ضد عناصر حزب العمال الكردستاني، أو السكوت عنها، ربما يأتي لحاجة العراق لحسم ملف المياه، فربما هذا جزء من الاتفاق الجديد. وهذا ما سوف تكشفه الأيام القليلة المقبلة، فهناك وفد عراقي ينوي زيارة أنقرة للتفاوض بشأن الإطلاقات المائية في ظل ظروف الجفاف التي يعيشها العراق خلال الفترة الأخيرة".

وتستهدف العمليات التركية منذ منتصف عام 2021 مقار وتحركات عناصر "الكردستاني" في عدة مناطق ضمن إقليم كردستان العراق، يقع أغلبها بمحاذاة الحدود مع تركيا. وأدت تلك العمليات خلال الفترة الماضية إلى قتل المئات من مسلحي "الكردستاني" وتدمير مقار ومخازن سلاح ضخمة تابعة للحزب، وفقاً لبيانات وزارة الدفاع التركية.