أعلنت السلطات الأردنية، خلال الأسبوع الماضي، عن إحباط العديد من عمليات تهريب المخدرات بطرق مختلفة، تضمنت شحنات كبيرة قادمة من سورية إلى الأراضي الأردنية. وشهدت عمليات الإحباط اشتباكات عنيفة بين القوات الأردنية وحرس الحدود من جهة، وعصابات التهريب وتجار المخدرات من جهة أخرى، وأودت بحياة جندي أردني، بالإضافة إلى مقتل مهربين والإمساك بآخرين.
وأمس الاثنين، أعلن الجيش الأردني عن وقوع اشتباكات مسلّحة ما بين قوات حرس الحدود الأردنية ومجموعات مسلحة على الحدود الشمالية للمملكة، أسفرت عن إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة الأوتوماتيكية والصاروخية وإصابة عدد من أفراد حرس الحدود.
ونقل الموقع الرسمي للقوات المسلحة عن مصدر عسكري مسؤول أنه جرى طرد المجموعات المسلحة إلى الداخل السوري، مضيفاً أن الأيام الماضية شهدت ارتفاعاً في عدد هذه العمليات وتحولها من محاولات عمليات تسلل وتهريب إلى اشتباكات مسلحة، بهدف اجتياز الحدود وبالقوة من خلال استهداف قوات حرس الحدود. وشدّد المصدر على أن القوات المسلحة تتابع تحركات هذه المجموعات وما تهدف إليه من محاولات لزعزعة الأمن الوطني وستقوم بكل ما يلزم لردعها وملاحقتها أينما كانت.
تصاعد عمليات التهريب مجدداً من سورية للأردن
ويشير ذلك إلى تصاعد عمليات التهريب التي لم تتوقف أساساً، وذلك على الرغم من إجراءات أمنية وسياسية اتخذها الأردن لكبح جماح تصدير المخدرات إلى أراضيه من داخل الأراضي السورية، من التشديد الأمني والعسكري على الحدود الشمالية إلى توجيه ضربات جوية لمعاقل المهربين داخل سورية، وقبل ذلك الدخول في مسار سياسي للتطبيع مع النظام السوري، يرتكز على إزالة المخاوف الأمنية للأردن والخليج حيال ملفات عدة، لا سيما مسألة تصنيع وتهريب المخدرات.
مصدر: شقيق مرعي الرمثان يقود أعمال التهريب من مناطق الجنوب مع عدد من المهربين الكبار
وكانت عمّان قد بدأت مساراً للتطبيع مع النظام يقوم على مبدأ "خطوة مقابل خطوة"، سرعان ما تحول إلى مبادرة عربية تبنتها الجامعة العربية، تتضمن 4 ملفات رئيسية: الحل السياسي بما ينسجم مع القرار 2254، وإعادة اللاجئين، وإنهاء التواجد الأجنبي، وإنهاء ملف تصنيع وتجارة وتهريب المخدرات إلى الدول العربية والخليج عبر الأردن أو غيره.
ومنذ إقرار المبادرة عربياً، في مايو/أيار الماضي، توقّعت عمّان انخفاض حدة عمليات التهريب إلى الأراضي الأردنية، لكن عمليات التهريب تصاعدت بشكل أكبر منذ إقرار المبادرة، إذ يشير محلّلون إلى أن المخدرات، وعقار "الكبتاغون" على وجه التحديد، بات ورقة في يد النظام للضغط على الدول العربية للتطبيع معه من دون شروط وأي مقابل.
ولم يقدّم النظام للجنة الوزارية التي أفرزتها المبادرة العربية، أي إجابات حول مسألة إعادة اللاجئين والحل السياسي وإخراج المليشيات الأجنبية من البلاد، ما يعني عدم رغبته في إحراز أي خرق بهذه الملفات، وبالتالي استمرار استخدام ورقة الكبتاغون للتخفيف من الطلبات العربية.
وكان تقرير لـ"معهد نيولاينز" للأبحاث، مقره واشنطن، قدّر قيمة تجارة الكبتاغون في الشرق الأوسط خلال عام 2021 بحوالي 5.7 مليارات دولار. وأشار التقرير إلى تورط رئيس النظام بشار الأسد وأفراد من عائلته ونظامه في هذه التجارة إلى جانب شريكه الرئيسي "حزب الله" اللبناني. وهذا الرقم يشمل فقط قيمة تجارة التجزئة بالاستناد إلى قيمة المضبوطات التي حددها التقرير بـ 420 مليون حبة من عقار الكبتاغون فقط.
وأكدت "دير شبيغل" هذا الرقم، أي 5.7 مليارات دولار، لكن الصحيفة أشارت إلى أن هذا الرقم فقط لعوائد تجارة المخدرات من قبل النظام السوري، ما يعني أن تجارة المخدرات في الشرق الأوسط التي تحدّث عنها المعهد الأميركي، ممسوكة بشكل كامل من قبل النظام السوري، لتطابق الرقمين.
ومع تصاعد استمرار تهريب المخدرات إلى الأردن، حذّر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الأربعاء الماضي، خلال لقائه نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في جنيف، من أن "المملكة ستتخذ كل الخطوات اللازمة لمنع استمرار هذا التهديد لأمن الأردن الوطني، بما في ذلك ضرب وملاحقة المجرمين الذين يعتدون على أمن الأردن أينما وجدوا"، مشيراً إلى أن المسؤولين عن الاعتداء على أمن بلاده لن يفلتوا من العقاب، وذلك في أعقاب مقتل عنصر من حرس الحدود الأردني وإصابة آخرين.
مصدر: شبّان عشائر البدو في السويداء باتوا هدفاً للوسطاء لتنفيذ عمليات التهريب
وأكد مصدر مطلع في الجنوب السوري، لـ"العربي الجديد"، مقتل 13 مهرباً وإصابة 4 مهربين، إصابة أحدهم خطيرة، خلال الأسبوع الماضي، حيث نُقل المصابون إلى مشافي محافظة السويداء جنوبي سورية لتلقي العلاج ثم غادروها. وأشار المصدر إلى أنه "حتى الآن هناك عدد من المفقودين، خصوصاً من المهربين، إذ أن بعضهم يعدون من النازحين إلى محافظة السويداء ويقيمون في خيام في البادية الشرقية".
ونوه المصدر ذاته إلى أن الأجهزة الأمنية السورية اعتقلت عدداً من المهربين وقامت بتسليمهم إلى ذويهم بعد الاتفاق معهم أو مقايضتهم، في حين ادعى المصدر أن شقيق مرعي الرمثان الذي قتل بقصف جوي أردني قبل أشهر، يقود أعمال التهريب من مناطق الجنوب مع عدد من المهربين الكبار، عُرف منهم شادي الحمادة الذي أصيب اثناء استهداف الرمثان إصابة بليغة.
من جهته، أشار "أبو خضر"، وهو اسم مستعار لأحد أبناء عشائر البدو في السويداء، إلى أن شبّان العشائر باتوا هدفاً للوسطاء لتنفيذ عمليات التهريب، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن الظروف المعيشية جعلت الكثير من شباب البدو يضطرون للمجازفة بحياتهم وتهريب المخدرات عن الوسطاء الذين يرتبطون بالفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد في جيش النظام، وشخصيات من "حزب الله"، وضباط إيرانيون من الحرس الثوري.
خطط التخزين والتهريب
وعن كيفية التنسيق بين مجموعات المهربين وجماعات "حزب الله" وإيران خلال الشهرين الأخيرين، قال أبو خضر: "في الشهرين الأخيرين بدأ مورّدو المواد المخدرة بين المحلية منها والقادم من لبنان بتخزينها في مزارع وأبنية مهجورة على أطراف البادية تمهيداً لتهريبها على شكل دفعات، معتمدين على مبدأ (لا تضع البيض في سلة واحدة) من حيث التخزين، أما من حيث عمليات التهريب فإن الأوامر جاءت على اعتماد عدة محاور لتهريبها خلال فترة زمنية واحدة، أي في منطقتنا قام أصحاب البضاعة بتخزين نحو مليوني حبة كبتاغون ونحو 500 ألف حبة ترامادول وأكثر من ألفي كف من حشيش الكيف، ليتم إدخالها على دفعات".
وأضاف: "تجنباً لضبطها جميعاً، يتم تكثيف عمليات التهريب في خلال أيام متتالية في أوقات الفجر مع استغلال ظرف الضباب الذي أصبح ظاهرة شبه يومية في الأسابيع الماضية، ما يجعل من ذلك أوقاتاً مواتية للتخفي في عمليات التهريب البرية، وفي الوقت ذاته يتم التهريب بطيران مسير في الظروف ذاتها".
ماجد توبة: عصابات التهريب السورية عادت لتحاول استغلال حالة الفوضى بالمنطقة مع العدوان على غزة
وأشار أبو خضر إلى أن مقتل مرعي الرمثان جعل من الجهات الداعمة أكثر حرصاً على عدم كشف أسماء المنسقين الأساسيين على الأرض، إلا أن هناك ما يقرب من 20 شخصية من أبناء محافظة السويداء والعشائر البدوية، هم أبرز من يتولى عمليات تنسيق التهريب على الأرض، وتأمين الحماية.
وفي الثامن من مايو الماضي، وُجهت ضربتان جويتان داخل الأراضي السورية باستهداف مصنعين للمخدرات والكبتاغون تحديداً، ما أدى إلى مقتل مرعي الرمثان، تاجر المخدرات المرتبط بمليشيات إيران والمحكوم عليه في الأردن بتهمة ترويج وتهريب المخدرات. وأكدت مصادر استخبارية أمنية أردنية تنفيذ الضربات لوسائل إعلام غربية، فيما لم تعلن المملكة عنها بشكل رسمي، غير أنها لوحت بالخيارات العسكرية قبل يومين من ذلك لإيقاف عمليات التهريب.
وحول تزايد عمليات التهريب وخيارات الأردن للتعامل معها، قال الكاتب والصحافي الأردني ماجد توبة، إن عصابات التهريب السورية عادت لتحاول استغلال حالة الفوضى بالمنطقة مع العدوان الإسرائيلي الواسع على غزة، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "في ظل حالة الفوضى التي تسود الجنوب السوري، لا يمكن أن تتوقف عصابات التهريب والسموم، فهذه تجارة مربحة تستغل حالة الفوضى السورية".
وأضاف توبة أنه "من الصحيح أن الأردن يتهم أطرافاً رسمية سورية بالفساد وتسهيل عمل عصابات تهريب، لكنه لم يصل إلى اتهام النظام نفسه بالوقوف رسمياً خلف الاستهداف، كما أن أصواتاً أردنية تتهم أيضاً أجزاء من المعارضة السورية بالتورط في التهريب".
وحول مصير المبادرة الأردنية ـ العربية حول تطبيع العلاقات مع النظام السوري، في ظل تفاقم تهريب المخدرات، أشار توبة إلى أن "الأردن، وبحسب ما نسمع من المصادر الرسمية، لا يرى أن عمليات التهريب يمكن أن تؤثر على توجه الأردن لإعادة دمج النظام السوري في المنظومة العربية والدولية، والإعاقة تأتي من الولايات المتحدة أساساً، إضافة إلى دخول المنطقة في انفجار غزة وتداعياته".
وأضاف أن "المملكة لا تزال تضع مكافحة التهريب على رأس أولوياتها الأمنية وتشدد قواعد الاشتباك، لكن أعتقد أن العلاقة مع سورية وتعثر جهود الأردن لإعادة دمجها وتأهيلها مرتبط بالتشدد الأميركي حتى الآن، والذي يعتمد حتى اللحظة مقاربة الإقصاء والحصار لسورية ومنع إعادة دمجها".