تحولات الجيش الجزائري... استشراف للضغوط أم استعداد لمتغيرات طارئة؟

27 نوفمبر 2020
هل يعبر الخطاب الجديد لقيادات الجيش عن قناعة صادقة أم هو تكتيك سياسي فرضته الظروف؟ (تويتر)
+ الخط -

عدّل الجيش الجزائري من محتوى خطابه الموجه للطبقة السياسية في الداخل، وبدأ بالدعوة إلى توحيد الجبهة الداخلية، وحث مجموع القوى السياسية الوطنية على التعاون لتجاوز الأزمة الراهنة متعددة الأبعاد، في سياق يوحي باستشراف الجيش إمكانية زيادة الضغوط الخارجية، أو تهيئة البلاد والطبقة السياسية لمتغيرات قد تفرضها ظروف طارئة لها علاقة بمرض الرئيس عبد المجيد تبون.

ودعا قائد أركان الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة، خلال إشرافه على تحويل فندق عسكري إلى مستشفى للمصابين بفيروس كورونا، إلى "ترسيخ دعائم الوحدة ورصّ الصف الداخلي، وتضافر جهود الجميع، لتجاوز الأزمة، والخروج ببلادنا إلى بر الأمان، لا سيما أنها تشهد هذه الأيام حملات مسعورة من قبل دوائر معادية معروفة، لم يعجبها الخط الوطني الصادق والشجاع الذي تم تبنيه من قبل السلطات العليا للبلاد". مشيراً إلى أن "الشعب الجزائري مشهود له بقدرته الهائلة على الصمود في وجه الأزمات والمحن، مهما عظمت، وعليه نرى أنه من الأجدر العمل على الاستثمار في هذه الصفة النبيلة، والخصلة الكامنة، والعمل على توجيهها وتأطيرها، من أجل تعزيز اللحمة الوطنية".

دعا قائد أركان الجيش إلى "ترسيخ دعائم الوحدة ورصّ الصف الداخلي، وتضافر جهود الجميع، لتجاوز الأزمة

وأكد قائد الجيش في السياق نفسه أنه "بغرض إفشال هذه المحاولات الخبيثة، من الأجدر، كما أسلفت، بذل قصارى الجهود الحثيثة والكفيلة بتوحيد الصف الداخلي، من خلال تعبئة الرأي العام الوطني، وتوعيته بالأهداف الخفية لهذه الجهات المعادية، وتجنيد كافة الفاعلين على الساحة الوطنية، من أجل الالتفاف حول قيادة البلاد، وإفشال كافة المخططات الخبيثة"، واعتبر شنقريحة أنه ثمة قدرة على المراهنة على القوى الشعبية لتجاوز استحقاقات المرحلة العصيبة، "إننا على ثقة كاملة بوعي شعبنا وإدراكه العميق لكافة التحديات، التي يتعين رفعها، والرهانات الواجب كسبها في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي تعيشها بلادنا، كما أننا واثقون وعلى يقين تام بقدرته على إنجاح هذا المسعى الوطني المخلص وتجاوبه الإيجابي الأكيد".

اللافت أنه وبخلاف الخطابات التي كانت تتوجه بها قيادة الجيش في السابق، والتي تتضمن توصيفاً معيباً للطبقة السياسية واتهامات لقوى المعارضة ووصفها "بالشرذمة" و"المتآمرين" و"الخونة"؛ فإن محتوى الخطاب الجديد للجيش يبدو أقرب إلى الروح التصالحية، وأبعد عن قاموس المفردات التي كانت تشكل خطاب قيادة الجيش في السابق، إذ يتلافى الجيش في خطاباته الأخيرة أية إشارة تفهم أن المقصود بها قوى محلية، لها مواقف سياسية وقراءات مغايرة لتلك التي تتبناها السلطة، من دون أن يصنف الجيش هذه المواقف ضمن سياقات التآمر.

ويقرأ محللون ومراقبون لتطورات الشأن السياسي في الجزائر التحول اللافت لخطاب الجيش وتبنيه لدعوات رص الجبهة الداخلية، أنهما مؤشران على جملة من المعطيات، لعل أبرزها طبيعة المشكلات السياسية الداخلية التي نجمت عن إخفاق الاستفتاء الشعبي على تعديل الدستور، والذي فرض واقع رفض شعبي للمسار السياسي المتبع منذ انتخابات ديسمبر/كانون الثاني 2019، وسعي الجيش إلى تجاوز الانقسام السياسي، الذي خلفه تبنيه لخطاب حادّ إزاء المعارضة، وبعض مكونات الحراك في السابق. وقد تكونت خلف هذه التغيرات بعض المواقف المشرفة التي فرضت على الجيش إعادة تقييم خطابه السياسي العام، والتي أبدتها قوى معارضة ومكونات فاعلة في الحراك الشعبي نفسه إزاء المحاولات الأخيرة للتدخلات الأجنبية، ورفضها لكل تدخل من هذا النوع، حتى وإن كان يخدم صالح المعارضة.

لكن قراءات أخرى تذهب أبعد من ذلك، وتتحدث عن عاملين آخرين أكثر حساسية، فرضا على الجيش إعادة تقييم خطابه. يتعلق الأول بالوضع الجديد الذي فرضه مرض الرئيس عبد المجيد تبون، الموجود خارج البلاد في ألمانيا للعلاج منذ شهر، وهو وضع يفرض في الأحوال جميعها التهيؤ لأي طارئ، بما في ذلك الذهاب إلى انتخابات رئاسية مبكرة على المدى القريب أو المتوسط، وبما يعنيه ذلك من تغيير على كثير من الأصعدة. ويتعلق العامل الثاني بتزايد الضغوط الخارجية على السلطة في الجزائر، ومركز ثقلها الجيش، والتي تزامنت مع جملة من التوترات والتحركات الإقليمية المريبة في الصحراء وشمالي مالي، والمخاوف من تحريك الخارج للعامل الإرهابي، بعد تعيين القاعدة قيادة جديدة خلفاً لعبد المالك دروكدال.

يبدو محتوى الخطاب الجديد للجيش أقرب إلى الروح التصالحية، وأبعد عن قاموس المفردات التي كانت تشكل خطاب قيادة الجيش في السابق

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر حسين دوحاجي أن الجزائر دولة تعبر بمرحلة حساسة، خاصة في ظل الاحتقان الداخلي الذي ساهم فيه تمرير الدستور بطريقة فجة، وقال في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه و"فضلاً عن الوضع الدستوري الهش لمؤسسات البلد في ظل طول مدة غياب الرئيس؛ هناك عامل الضغط الخارجي ممثلاً في اشتعال لهيب الأزمة على الجبهة الجنوبية الغربية (أزمة الصحراء) خاصة، وهذه العوامل مجتمعة على ما يبدو حتّمت على القائمين على المؤسسة إحداث بعض التغييرات في الاستراتيجية الاتصالية للمؤسسة بما يعيد تصحيح صورة مؤسسة الجيش لدى الجزائريين، والتي أخذت تتآكل، بسبب الخطاب الإعلامي السائد خلال الفترة السابقة، وخاصة من طرف قائد الأركان السابق الراحل قايد صالح"، مشيراً إلى أن "ما يدعم هذا الاتجاه بشأن تغير خطاب الجيش كذلك، هو الخبر الذي طالعناه قبل أيام، والمتعلق بإحداث تغيير على مستوى قيادة الجهاز المسؤول عن الإعلام والاتصال في المؤسسة، والمتمثل في تغيير مسؤول مجلة الجيش، الناطق الرسمي باسم المؤسسة العسكرية".

ويشكك الكاتب والصحافي المتخصص في الشؤون السياسية محمد إيونوغان في جدية التغييرات التي طرأت على خطاب الجيش، "فهل يعبر الخطاب الجديد عن قناعة صادقة بعدم جدوى خطاب تخوين المعارضة سابقاً، أم هو تكتيك سياسي فرضته الظروف الجديدة؟ سنرى في الأيام القادمة"، وأضاف لـ"العربي الجديد": "صحيح أن الجيش غيّر خطابه كثيراً؛ لكن المشكلة أن الأشخاص نفسهم ما زالوا يتحدثون باسم الجيش، الأمر الذي من شأنه أن يهدر هذا التطور، أو يعيد استدعاء الخطاب القديم لاحقاً".

المساهمون