تحذيرات من تصاعد خطاب "العنف السياسي" وانعكاساته في تونس

07 مايو 2022
من تظاهرة مناهضة للرئيس سعيد في العاصمة التونسية (ياسين غيدي/الأناضول)
+ الخط -

تعيش تونس على وقع تصاعد لخطاب "العنف السياسي" والتحريض على الكراهية، لا يغيب عن الخطابات الرسمية وفي مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من انعكاساته في الشارع والمجتمع.

وتزايدت الاعتداءات على معارضين لقرارات الرئيس قيس سعيّد بشكل مباشر في الساحات وخلال التظاهرات، وحتى في المقرّات وعند ممارسة هؤلاء لحياتهم الخاصة، متهمين الرئيس التونسي ببث خطابات تحريضية ضدهم وتعريض حياتهم وعائلاتهم للخطر.

وحذرت "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة للرئيس سعيّد، من أحداث عنف محتملة، غداً الأحد، في مسيرة منتظرة لأنصار الرئيس، محذرة من الاعتداء على مقرات حزبية.

وشهدت المحاكم التونسية عشرات القضايا أخيراً بسبب هذه الاعتداءات، آخرها مجموعة شكايات رفعتها حركة "النهضة"، وأخرى رفعتها لجنة الدفاع عن العميد السابق عبد الرزاق الكيلاني.

وبيّن رئيس المكتب السياسي لـ"ائتلاف الكرامة" يسري الدالي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، أنه "بالنسبة لمظاهر العنف والتعصب وخطابات الكراهية فإنّ هناك نمذجة لهذا العنف تُرى انعكاساتها في المجتمع"، مضيفاً أنّ "الوحيد الذي يمارس العنف الرمزي واللفظي والمادي هو رئيس الجمهورية، وهو يمارس شتى أنواع العنف، عنف الدولة عبر الاعتقالات وحملة الإقامات الجبرية والمحاكمات العسكرية، والعنف اللفظي الخطير في كل خطاب يلقيه يتضمن تحريضاً وفتنة وتفرقة وكراهية ودعوات لاستعمال العنف بصريح العبارة".

وتابع الدالي: "الرئيس يتهم خصومه بأقذع النعوت والتهم، وقد اختزل في جبهة الخلاص كل الاتهامات حتى تسريبات مديرة ديوانه السابقة نادية عكاشة، ألصقها في جبهة الخلاص، إضافة إلى اتهامها بالافتراءات وحتى الحرائق، كما يدعو ويجيّش النيابة العمومية والأمن وأنصاره"، مشيراً إلى أنّ "هذا العنف ينعكس في صفحات أنصاره حتى من قبل 25 جويلية (يوليو) التي ترذل النواب والمعارضين والبرلمان".

الدالي: هناك نمذجة لمظاهر العنف والتعصب وخطابات الكراهية تُرى انعكاساتها في المجتمع

ولفت الدالي إلى أنّ "هذه الاستراتيجية الممنهجة في شيطنة المعارضين له، وسياسة الأرض المحروقة التي يتحدث عنها هو من يسلكها".

من جانبه، لفت القيادي في تنسيقية "مواطنون ضد الانقلاب"، الصغير الشامخ، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "هناك عملية تحشيد وشحن للتونسيين بالخطابات العنيفة تصدر رأساً عن أعلى هرم الدولة من قصر قرطاج وعلى لسان القائم بأعمال رئاسة الجمهورية (قيس سعيّد) ومن داخل الثكنات العسكرية والأمنية ومن مقرات الوزارات الحاملة للسلاح، في دليل على استدعاء الأجهزة الصلبة والاحتماء بها لترويج هذا الخطاب العنيف".

وتابع: "خلال الـ9 أشهر الماضية وكلما صدر خطاب مشحون عن القائم بأعمال رئاسة الجمهورية إلا وكان ضحاياه من معارضي هذا النظام"، مضيفاً أنّ "من ينشر الكراهية ومن يقسم التونسيين هو سعيد".

الشامخ: من يروّج لخطابات الكراهية والعنف والتفرقة هو سعيد وهذا جزء من خطابه الشعبوي العنيف

وعن تبعات هذا الخطاب، لفت الشامخ إلى "صدور قائمة على مواقع التواصل الاجتماعي لمن سموهم بالخونة والمتآمرين (...) وضمت قائمة للمعارضين لـ25 جويلية"، و"تم التوجه إلى منزل رئيس البرلمان (راشد الغنوشي) والتهجم عليه في المساجد، كما الاعتداء من قبل البوليس في الشارع على قيادية من مواطنون ضد الانقلاب (شيماء عيسى) كما تم الاعتداء على عميد المحامين الأسبق، عبد الرزاق الكيلاني أمام المحكمة من قبل المناشدين لـ25 جويلية".

وذكّر الشامخ بأنّ "دستور الجمهورية لم يسلم من تبعات هذا الخطاب العنيف عندما تهجّم أنصار سعيد عليه وقاموا بحرقه ودوسه في الشارع وهو أعلى وأكبر وثيقة في هذا البلد"، منبهاً إلى أنّ "الحقيقة العارية أنّ من يروج لخطابات الكراهية والعنف والتفرقة هو سعيد كجزء من خطابه الشعبوي العنيف". 

في سياق متصل رفع فرع "اتحاد علماء المسلمين" بتونس قضية ضد الحزب "الدستوري الحر" ورئيسته عبير موسي، بسبب الاعتداء على مقره وعلى مسيريه.

وأكدت موسي، خلال ندوة صحافية أنّ "اتحاد علماء المسلمين" رفع ضدها قضيتين بتهمة "تنظيم وفاق إجرامي واحتجاز أشخاص" بسبب الاعتصام المتواصل منذ قرابة 5 اشهر أمام مقرهم، وأشارت إلى أنه تمت إحالتها على قاضي التحقيق يوم 19 إبريل/نيسان الجاري.

وحذّرت "حركة النهضة"، في بيان سابق، من "خطورة المنزلق الذي تمضي فيه البلاد بسبب ممارسات منبوذة"، وحمّلت السلطة القائمة "مسؤولية ما قد ينجر عن مثل هذه الأفعال نتيجة خطاب التقسيم والتحريض الذي دأبت عليه بعض الأطراف"، مؤكدة أنّ "الحركة لن تتوانى في تتبع هؤلاء الفوضويين قضائياً".

البوغانمي: لم يتغير خطاب سعيد نوعا لكنه أصبح يتكلم بكثافة وبقدر ما يتكلم يزداد العنف في خطابه

ويعتبر المحلل السياسي، أيمن البوغانمي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أنه "بالنسبة لاستشراء العنف في الخطاب السياسي الرسمي، فإننا نتحدث عن خطاب الرئيس، باعتباره المؤسسة الرسمية الوحيدة في البلاد لأنه احتكر كل السلطات وأصبح كل من يتكلم خارج الأطر التي يرسمها يعتبر خارجاً عن الرسميات كما هو واضح بالنسبة للبرلمان (المنحل) وأما بالنسبة للحكومة فهي تقريباً لا تتكلم".

وتابع أنّ "منسوب العنف في خطاب الرئيس كبير جداً منذ البداية، فكان خطابه عنيفاً جداً منذ 25 يوليو حيث تحدث عن الرصاص والخيانة والسلالات المتحورة السياسية"، مضيفاً أنه "من حيث نوع الخطاب لم يتغير ولكن من حيث الكم أصبح يتكلم بكثافة وبقدر ما يتكلم يزداد العنف في خطابه".

وأوضح أنه في "ظل هذا الخطاب لا يبدو الرئيس قادراً على التحاور مع أحد فقد قطع حبل المودة مع خصومه وكذلك مع أنصاره، وهذا يقود إلى ردة فعل وهي واضحة بمنسوب عنف متصاعد عند المعارضة التي كانت أيضاً بقدر عال من العنف" وكأن السلطة "لا تريد أن تنجح ولا تريد الاستقرار ولا تريد أن تخرج من البوتقة التي هي فيها".

وحذّر البوغانمي من أنّ "خطورة خطاب رسمي عنيف ورد فعل معارض عنيف تنعكس خطورته على الدولة وعلى المجتمع، وكلاهما مهدد ويُخشى منه من سيناريوهات الدفع نحو حرب أهلية، والنتيجة ستكون سيئة جداً على البلاد".

ويسيطر على تونس جو من القلق أيضاً، بعد تسريبات صوتية منسوبة لرئيسة ديوان سعيّد السابقة، نادية عكاشة، تكشف فيها كواليس الحكم وطبيعة العلاقات التي تدير البلاد.

وأمام انسداد الأفق بوجود إمكانية لحوار، بعد تأكيد سعيّد رفضه لأي حوار إلا مع مساندي مساره، تدخل تونس نفقاً مظلماً مفتوحاً على كل الاحتمالات، خصوصاً مع تهاوي سعر الدينار وتصاعد الأزمة الاقتصاديّة. 

ويصر سعيّد على تنفيذ برنامجه بحذافيره من دون أي تنازل، عبر لجنة تؤسس لجمهورية جديدة في غضون أيام، وإقرار دستور جديد وعرضه على الاستفتاء في 25 يوليو/تموز المقبل، وحوار لا أحد يعرف كيف ومتى ومع من سيتم، باستثناء إشارة مبهمة منه إلى "المنظمات الوطنية" وأنه لا حوار إلا مع "الصادقين" و"الوطنيين" كما يسميهم من مؤيديه.

المساهمون