يتصاعد الجدل في الجزائر بشأن مساعي السلطة لتشكيل حزام سياسي، يضم تكتلات من الجمعيات والمنظمات المدنية، وتحييد مكونات المجتمع المدني عن وظيفتها الأهلية والمجتمعية، وتوجيهها نحو خدمة أجندات السلطة، وإقحامها كواجهة للتضييق على مساحات نشاط الأحزاب السياسية، خاصة بعد رعاية الرئاسة لإنشاء تكتل مدني باسم "نداء الوطن".
وعبرت "حركة مجتمع السلم"، وهي أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، عن استيائها مما وصفتها بـ"الممارسات المتكررة في التسخير السياسي لبعض منظمات المجتمع المدني، خصوصاً على مقربة من الانتخابات، ومحاولات تشكيل قوى ومبادرات جديدة، بتشجيع من أطراف تتكلم باسم الدولة، مركزياً ومحلياً، هي ممارسة مكشوفة تذكرنا بأجواء سابقة معروفة العواقب، حيث ستفرز مرة أخرى فقاعات من الزبونية والسلوكيات الطفيلية والانتهازية، التي لم تنفع البلد نظيراتها في وقت سابق، والمضرة بالعملية السياسية، والمنفرة من الانتخابات، والخطيرة على حاضر ومستقبل البلاد".
وطالب الحزب الإسلامي السلطة بـ"وقف الاستغلال السياسي للمجتمع المدني، وإبعاده عن الممارسة السياسية، التي تمثل وجهاً من أوجه الفساد، لأن من خصائص المجتمع المدني المفيد أن يكون متعاوناً مع محيطه الرسمي وغير الرسمي، ولكن ضمن وظيفته المجتمعية التشاركية، وليس الوظيفة السياسية التمثيلية، ولا يستفيد من الدولة إلا ضمن قوانين مناسبة لحرية التأسيس والمبادرة، وضمن دعم يكون على أساس عقود برامجية شفافة تمنح حسب الفاعلية لصالح المجتمع، وليس لأغراض سياسية تفسده".
ويقصد بيان الحركة بـ"الممارسات المتكررة" لجوء السلطة، السبت الماضي، إلى إنشاء تكتل "نداء الوطن"، يضم جمعيات وتنظيمات مدنية مختلفة، برعاية الرئاسة، وبحضور مستشار الرئيس المكلف بالمجتمع المدني نزيه برمضان.
ويعمل التكتل لصالح السلطة ودعم خطط الرئيس تبون، في استدعاء مماثل للتدبير ذاته في محطات ومراحل سابقة، حيث كانت السلطة قد بادرت إلى جمع المنظمات والجمعيات في "حزب التجمع الوطني الديمقراطي" عام 1997، والذي فاز بالانتخابات التي جرت في منتصف ذلك العام، كما لجأت إلى جمع المجتمع المدني في "تنسيقية لدعم برنامج رئيس الجمهورية" لصالح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة منذ عام 1999.
وحذر الحزب الإسلامي من أن يؤدي تكرار السلطة لهذه الممارسات والأخطاء إلى تعقّد الأزمة أكثر، وبيّن أن "الأزمة الجزائرية أزمة متعددة الأبعاد، لها جذور عميقة عقّدتها الأخطاء المتتالية، ولها تداعيات خطيرة على مستقبل الجزائريين والجزائريات، ولا مخرج من هذه الأزمات إلا بالتقدير الحقيقي لأسبابها، وعدم تكرار الأخطاء التي عمّقتها، وعلى رأس هذه الأخطاء محاولات صناعة المشهد السياسي والاجتماعي فوقياً، وبسياسة الأمر الواقع".
ويراهن الرئيس عبد المجيد تبون، منذ تسلمه السلطة في ديسمبر/كانون الأول 2019، على تشكيل حزام سياسي وشعبي يضم مكونات المجتمع المدني، حيث سبق له أن أعلن أنه ترشح للرئاسة باسم المجتمع المدني، وأطلق منذ أشهر مسعى لتنظيم المكونات المدنية، وأعلن عن إنشاء المرصد الوطني للمجتمع المدني، وكلف مستشاره المكلف بالمجتمع المدني نزيه برمضان بعقد سلسلة طويلة من التجمعات واللقاءات مع قوى المجتمع المدني، بهدف تشكيل فدراليات ولائية تجتمع لاحقاً في تكتل مركزي.
وسبق لعدة أحزاب سياسية فاعلة في البلاد أن وجّهت تحذيرات للسلطة من مغبة العودة إلى أسلوب استغلال المجتمع المدني في الشأن السياسي وإقحامه في الانتخابات، وتحييده عن دوره الأساس وهو خدمة المجتمع.
ودانت جبهة القوى الاشتراكية ما وصفته بـ"سعي السلطة لإعادة إنتاج المجتمع المدني ليحل محل الأحزاب السياسية"، كما انتقد "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية"، في السياق نفسه، عودة السلطة إلى ممارساتها السابقة بـ"استغلال المجتمع المدني وتوظيفه في خدمة أجنداتها".
كما عبرت قيادات في "جبهة المستقبل" عن استيائها مما اعتبرته "إعادة إنتاج جديدة لمنظمات كانت في خدمة نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومشروع العهدة الخامسة".
وتعبّر مجموع هذه المواقف عن قلق سياسي حيال الملف، فيما يعتقد مراقبون أن السلطة قد تدفع منظمات المجتمع المدني نحو المنافسة في الانتخابات النيابية المسبقة المقررة خلال الأشهر القليلة المقبلة، والدخول بقوائم مرشحين في كل الولايات، خاصة بعد إدخال الرئيس تبون تعديلات على القانون الانتخابي الجديد، وخفض معدل التواقيع المطلوب جمعها من قبل القوائم المستقلة بـ100 توقيع عن كل مقعد مطروح للمنافسة في الدائرة الانتخابية (الولاية)، وهو أمر سيشجع كثيراً القوائم المستقلة على منافسة الأحزاب السياسية التي بات مطلوباً من كل منها جمع 35 ألف توقيع لقبول مشاركتها في الانتخابات.