أثار إعلان بكين غياب الرئيس الصيني شي جين بينغ، عن قمة مجموعة العشرين المزمع عقدها في الهند نهاية الأسبوع الجاري، الكثير من التساؤلات حول الأسباب الخفية التي تقف وراء القرار، خصوصاً أن هذه المرة الأولى التي يتخلف فيها عن اجتماعات المجموعة منذ توليه السلطة عام 2013.
وكانت وزارة الخارجية الصينية قد أعلنت أمس في بيان، نشر على موقعها الإلكتروني، أن شي جين بينغ، لن يحضر قمة مجموعة العشرين في نيودلهي. وبدلاً من ذلك، قالت الوزارة إن رئيس الوزراء لي تشيانغ سيشارك في التجمع الدولي.
ويأتي الإعلان في وقت تشهد فيه العلاقات الصينية الهندية توترات شديدة على خلفية النزاعات الحدودية بين البلدين، إضافة إلى توتر العلاقات بين بكين والقوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
هذا وقد أدى التأكيد الصيني إلى تأجيل احتمال عقد اجتماع بين شي ونظيره الأميركي جو بايدن.
وقال بايدن الأحد: "أشعر بخيبة أمل، لكني سأتمكن من رؤيته"، من دون أن يشير إلى موعد عقد مثل هذا اللقاء.
أيضاً جاء إعلان غياب شي عن اجتماع مجموعة العشرين، بعد أسابيع فقط من تغيّبه عن افتتاح حدث رئيسي في قمة "بريكس" في جنوب أفريقيا.
وكان من المقرر أن يلقي خطاباً في اليوم الأول للمجموعة، وألقى وزير التجارة وانغ وين تاو، الخطاب نيابة عنه، الأمر الذي أثار شكوكاً حول صحة الرئيس، والأسباب الخفية التي حالت دون مشاركته في حدثين مهمين (بالرغم من سفر الرئيس إلى جوهانسبرغ، فإنه لم يظهر في افتتاح المنتدى، وشُوهد في وقت لاحق من اليوم نفسه ضمن عشاء القادة، ولم تقدم بكين حينها تفسيراً لسبب عدم حضور شي افتتاح المنتدى الدولي).
تقديرات خاصة
في تعليقه على هذا الأمر، قال الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في جامعة جينان، شياو لونغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن حضور أو غياب الرئيس عن أحداث دولية يخضع لاعتبارات وتقديرات صينية خاصة، ويجري قياس ذلك على ضوء المعطيات والتطورات السياسية في أثناء تلك الأحداث.
ولفت إلى أن الأمر لا علاقة له بصحة الرئيس الذي ظهر في قمة "بريكس" بكامل قوته، حسب قوله. وأضاف أن تغيّب شي عن مجموعة العشرين لا يعني بالضرورة أن بكين تقلل من شأن الحدث العالمي، ولكن قد يكون للأمر علاقة بتقديرات اقتصادية بحتة، بدليل إرسال لي تشيانغ، المسؤول عن السياسة الاقتصادية للبلاد، خصوصاً أن القمة تناقش قضايا اقتصادية ومالية لا علاقة لها بالسياسة.
من جهته، يرى الباحث الصيني في العلاقات الدولية، وانغ تشي بينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن غياب شي عن مجموعة العشرين مرتبط بتوتر العلاقات بين بكين ونيودلهي، ولا علاقة له بتراجع العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.
ولفت إلى أن القمة تنعقد في وقت تُجري فيه الهند تدريبات عسكرية على حدودها مع الصين، وقد تستمر التدريبات خلال القمة، الأمر الذي من شأنه أن يضغط على بكين.
وأشار أيضاً إلى احتمال إجراء الصين مراجعة نقدية لقمم مجموعة العشرين في أعقاب الإدانات المتكررة لبكين في بياناتها الختامية، خاصة أن دول المجموعة لديها مواقف متفاوتة من السياسات الصينية، وبالتالي قد تنظر الصين إلى المجموعة، باعتبارها منصة ذات قيمة متدنية تمارس تأثيراً محدوداً لا يستدعي مشاركة الرئيس بشخصه في القمة.
وبحسب المتحدث فإنه قد يُنظر إلى غياب شي عن قمة مجموعة العشرين باعتباره صفعة قوية لنيودلهي التي تترأس المجموعة هذا العام، لافتاً إلى أن بكين كانت قد قاطعت فعالية سياحية لمجموعة العشرين في شهر مايو/أيار الماضي في جامو وكشمير، وهي منطقة متنازع عليها بين الهند وباكستان.
قرارات مدروسة
بدوره، يرى الخبير في العلاقات الدولية بمركز تايبيه للدراسات السياسية، وان زانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، لم يقض هذا العام سوى القليل من الوقت في رحلاته الخارجية منذ أن استأنف نشاطه الدبلوماسي بعد جائحة كورونا.
واعتبر ذلك مؤشراً على أزمة صحية محتملة قد تكون ألمت به خلال الأشهر الأخيرة. وأضاف ما يؤكد ذلك تراجع معدلات جولاته الميدانية على مستوى الأقاليم والمحافظات الصينية.
ولكن في قراءة ثانية، أشار الخبير الذي يقيم في تايوان، إلى احتمال أن تكون بكين قد حرصت على تجنب لقاء محتمل بين شي وبايدن على هامش قمة مجموعة العشرين، خصوصاً أن الكثير من الملفات لا تزال عالقة بين البلدين، وليس هناك بوادر لتذليل العقبات، في ظل توتر العلاقات على مختلف الصعد، خصوصاً فيما يتعلق بالمناوشات الأمنية في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، وكذلك الاتهامات المتبادلة بشأن التجسس السيبراني، إلى جانب النزاعات التجارية والتنافس المحموم في قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
هذا ومن المتوقع أن يتوجه رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، إلى نيودلهي بعد اختتام قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا في إندونيسيا يوم الجمعة المقبل، ليشارك في قمة مجموعة العشرين بالنيابة عن الرئيس شي.
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، قد صرحت بأن بكين تأمل في أن تتمكن قمة نيودلهي من بناء توافق بشأن تنمية الاقتصاد العالمي، وتقديم مساهمة إيجابية في التنمية المستدامة، ونقل الثقة إلى العالم الخارجي.