تأجيل أولى جلسات محاكمة المتهمين بقتل بنات بعد تغيب محامي الدفاع لإصابته بكورونا
لم تجرِ أولى جلسات محاكمة المتهمين بقضية مقتل المعارض الفلسطيني والمرشح السابق للمجلس التشريعي نزار بنات كما كان يأمل الفريق القانوني لعائلته، بعد تأجيلها صباح اليوم الثلاثاء، دون تلاوة لائحة الاتهام على المتهمين، بسبب تغيب محاميهم.
وقد شكل ذلك فرصة أخرى لاستمرار صمت عناصر القوة الأمنية التي اعتقلت بنات في شهر يونيو/ حزيران الماضي، وتأخير إخضاعهم للتحقيق القضائي، بعد أن التزموا الصمت طيلة فترة تحقيق النيابة العسكرية.
وأجلت المحكمة العسكرية الخاصة/ الجنوب، اليوم الثلاثاء، الجلسة التي عُقدت بمقر الهيئة القضائية لقوى الأمن في رام الله وسط الضفة الغربية، إلى الثلاثاء المقبل 21 سبتمبر/ أيلول الجاري؛ بسبب عدم حضور وكيل المتهمين، الذي أفادت النيابة العسكرية خلال الجلسة بأنها زودته بنسخة عن أوراق الدعوى، وأبلغته بتاريخ انعقاد جلستها.
وقد تأجلت الجلسة لعدم جواز السير في الإجراءات دون محامي الدفاع عن المتهمين، فيما قال المحامي إنه "كان طلب تغيير موعد الجلسة"، وإنه "أصيب أمس بفيروس كورونا ويخضع للحجر".
وعُقدت أولى جلسات المحكمة بوجود 14 من رجال الأمن كمتهمين، وتبين من مداولات المحكمة أنهم كانوا قد أوقفوا بتاريخ 11 يوليو/ تموز الماضي، أي بعد 17 يوماً من حادثة مقتل بنات في الخليل جنوب الضفة الغربية.
برر محامي المتهمين غيابه بأنه "كان طلب تغيير موعد الجلسة"، وأنه "أصيب أمس، بفيروس كورونا ويخضع للحجر
وتم إخراج المتهمين من المحكمة عبر حافلة الشرطة الفلسطينية من دون أن تتلى عليهم لائحة الاتهام.
وعلى وقع ذلك، عبر المحامي غاندي ربعي، من فريق الدفاع الذي يمثل عائلة نزار بنات بصفتها الجهة المشتكية، في حديثه مع "العربي الجديد"، عن استهجانه لغياب محامي المتهمين في جلسة سماها مصيرية، وقال: "بالنسبة لي كان صادماً أن نبدأ العدالة بالتأجيل.. هذا سبب لي صدمة".
وحول تأثير ذلك على معرفة الحقائق في ما يتعلق بقضية مقتل بنات التي اقتصرت النيابة العسكرية في توجيه التهم فيها على أفراد القوة الأمنية التي اعتقلت بنات وقائد منطقة الخليل، وهو برتبة عقيد؛ دون قادة أو مسؤولين آخرين؛ قال ربعي إن "فريق الدفاع يريد أن يتحدث المتهمون (في إشارة إلى التزامهم الصمت في فترة تحقيق النيابة العسكرية). كانت اليوم فرصة ليتحدث المتهمون، وبالتالي يمكن خلال المحاكمة أن تتحول عملية التحقيق القضائي لجهات أخرى، ولكن للأسف تم تأجيل الجلسة".
وقال ربعي للصحافيين أمام المحكمة: "عندما يتم التأجيل لا نعلم ما الذي سيحصل في الجلسة القادمة؟ وهذا أمر غير مبشر لنا كساعين للعدالة لعائلة بنات. لا يجوز تلاوة التهمة إلا بحضور محام، لأنها جناية، وهذه من ضمانات المحاكمة، ونحن لا نعلق على ذلك، بل أن تبدأ العدالة لنزار بالتأجيل وبغياب محامي الدفاع فهذا أمر مستغرب".
وأضاف المحامي ذاته: "إن فريق الدفاع حضر جيداً للجلسة الأولى، وكذلك النيابة العامة، والكل كان ينتظر البدء بالمحاكمة"، مشيراً إلى أن البيانات المتوفرة حالياً تدين 14 شخصاً، ولكن مجريات المحكمة كانت ستؤدي إلى بدء هؤلاء الأشخاص بالكلام بعد أن التزموا الصمت، وأيضاً بتقديم الدفاع الكثير من الأدلة للمحكمة".
في المقابل قال المحامي فارس شرعب، لـ"العربي الجديد"، خلال اتصال هاتفي، إنه "كان قد طلب من المحكمة تغيير موعد الجلسة إلى يوم آخر بسبب انشغاله اليوم بملفات أخرى في محكمة نابلس، وإضافة إلى ذلك فقد تبين أمس إصابته هو وعدد من زملائه في مكتبه بفيروس كورونا، ولم يتمكن بسبب البروتوكول الصحي الخاص بالحجر له وللمخالطين له من الحضور".
وأشار شرعب إلى أنه طلب من المحكمة تأجيل الجلسة القادمة لعدة أيام فقط، أي 24 أو 25 أو 26 من الشهر الجاري، حتى تنتهي فترة الحجر، وفق تعليمات وزارة الصحة، مشيراً إلى أنه أبلغ القضاء العسكري بإصابته فور ثبوتها.
وقال شرعب: "لا يوجد تعطيل أو مماطلة أو تأجيل للملفات، بالعكس نحن حريصون على المضي بسرعة، حتى إننا قدمنا طلباً لتقريب الموعد عن 14 سبتمبر/ أيلول الجاري، ثم أصبنا بالفيروس، ولا يوجد سياسة أو شيء ممنهج لتعطيل جلسات المحكمة".
وحضر الجلسة نشطاء مهتمون بالقضية وممثلون عن قنصليات وسفارات أجنبية وممثلو مؤسسات حقوق إنسان؛ وقد اعتبر الحقوقي ماجد العاروري، المدير التنفيذي للهيئة الأهلية لاستقلال القضاء (استقلال)، أن انعقاد الجلسة الأولى كان مهماً، كونها علنية، مؤكداً أن "سير المحكمة لا يمكن أن يتم دون وكيل الدفاع عن المتهمين لضمان المحاكمة العادلة"، لكنه قال: "آمل أن يكون هذا الغياب في هذه المرة طارئاً وليس استراتيجية يستخدم فيها القانون لتعطيل إجراءات المحاكم".
وحذر العاروري من تكرار الأمر، معتبراً أنه "إن حصل فسيكون بمثابة مماطلة مقصودة لا تحقق العدالة"، لكنه فضل الانتظار حتى الجلسة المقبلة للحكم على الأمر. وتمنى العاروري أن تمضي المحكمة قدماً بوتيرة سريعة، وأن تعقد جلسة على الأقل كل أسبوع لتمضي بأسرع وقت.
بدوره، نظر المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" عمار دويك، في حديث مع "العربي الجديد"، بإيجابية إلى المحاكمة، خاصة أنها ستكون علنية وتحوي تهماً جدية وخطيرة، قد يصل الحكم فيها إلى 15 عاماً، لكنه في المقابل يرى أنها "خطوة غير كافية"، مطالباً بمسار آخر من المساءلة والمحاسبة لكبار المسؤولين، وأن يشرع بمسار إصلاحي للأجهزة الأمنية.
وقال دويك: "إن النيابة العسكرية خلصت إلى تحميل كل المسؤولية إلى القوة الأمنية"، معلقاً: "نرى أنه يجب أن يكون هناك مسار تكميلي يتعلق بالمساءلة السياسية والإدارية لمن أشرف أو كان يفترض به الإشراف، أو لمن أعطى الأمر ولم يمارس دوره الكافي بالرقابة على عملية الاعتقال التي أدت إلى مقتل الناشط بنات".
وعقدت حراكات فلسطينية وقوائم انتخابية مؤتمراً صحافياً أمام المحكمة، اليوم، تلت فيه بياناً باسمها، قالت فيه: "إن السلطة الفلسطينية أصرّت على رفض المطالبات الشعبية بتشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة، وحصرت التحقيق والاتهام والقضاء في أيدي الأجهزة التابعة لها، والتي فقدت ثقة الجمهور بها جراء تجاربه مع لجان التحقيق الرسمية".
وتمسك البيان بمطلب اللجنة الوطنية، وتحميل المستوى السياسي والأمني المسؤولية "عن اغتيال بنات"، ورغم ذلك وعدت الحراكات والقوائم بمتابعة المحكمة بمسؤولة، وبأنها ستقيم أولاً بأول مدى شفافيتها.
وعقدت الجلسة دون حضور عائلة بنات التي أعلنت، في بيان لها أمس، أنها لن تحضرها، معتبرة أنها محكمة جزئية ومنقوصة، ومؤكدة أنها "لا يمكن أن تجتمع مع مجموعة الاغتيال والإجرام تحت سقف واحد"، حسب تعبيرها، متعهدة بتقديم كل ما يتوفر لها من شهود ومعلومات للمحامين والطاقم القانوني.
رد عائلة بنات
من جانبها، وصفت عائلة بنات، في بيان لها، المحكمة بأنها "محكمة ألف ليلة وليلة"، وقالت: "هل بعد اليوم شك، لقد ثبتت مصداقية وجهة نظرنا في قضاء المراسيم من قبل الرئيس المنتهية ولايته ومصداقيته، كم هي سخيفة الصدفة حين حملت أمثالكم أن تكونوا على رأس قيادة الشعب العربي الفلسطيني، كل ما بني على باطل فهو باطل. المشهد ببساطة، فريق الأمر في اغتيال الشهيد نزار العربي تلاعب بشكل الديكور القضائي وتصميماته كي يأخذ مزيداً من الوقت لإنقاذ فريق الاغتيال، والذي كان من المفترض أن يقف أمام المحكمة العسكرية اليوم الثلاثاء".
وتابع البيان، الذي تحدث فيه شقيق نزار بنات، غسان بنات: "نحن في عائلة بنات ندرك المهزلة، ولن نكون جزءاً من مسرحيات هزلية مفضوحة ومتوقعة أمام المجتمع المحلي والدولي والمنظمات الحقوقية والإعلام العربي والدولي".
وأردف البيان: "أشكر كل من كان على المسرح من الكمبرس، وأقول لهم لو كانت مسرحية في مدارس رياض الأطفال لأتقنوا الدور أفضل منكم، أشكر إخوتي المحامين وممثلي الفصائل والحراكات الوطنية وجميع من حضر إكراماً لروح نزار وتضحياته، والذين كانوا شهوداً على ما قلت بأن المحكمة ستكون مشهداً تمثيلياً سيئ الإخراج، وسوف تشاهدون الديكور ويختفي الضمير".