تصادف اليوم الأحد الذكرى الـ20 لغزو الولايات المتحدة الأميركية العراق، وتمرّ ثقيلة على واشنطن التي تحاول نسيان، أو بالأحرى تناسي، ما حدث رغم الاعتراف الأميركي الواسع بفداحة ذلك "الخطأ الأخطر من ناحية عواقبه"، في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، كما جرى توصيفه.
قد تسعى واشنطن لعدم تذكر عواقب غزوها للعراق الآن بالتحديد، لأن هذا يضعف انشغالها بحرب موسكو "غير المبررة وغير القانونية" في أوكرانيا، على اعتبار أنّ اجتياحها للعراق قبل عقدين ينطبق عليه ذات التصنيف، من دون أن يكون في ذلك أي تسويغ أو حكم مخفف لفعلة بوتين في أوكرانيا. ففي الحالتين، كانت ذرائع الغزو واهية، وكان القرار لمن يملك القوة، وهو ما أدى إلى انتهاك القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، وهذا واقع ثقيل ليس من السهل على واشنطن التخلص منه في وقت تنخرط فيه بمواجهة ضد اعتداء سبق لها أنّ قامت بمثله، حتى لو لم يكن بدافع التوسع الجغرافي كما هي الحال في حرب روسيا على أوكرانيا. مع ذلك، فإن اختلاف الأهداف في الحالتين لا يُعفي واشنطن من العواقب، وهذه الأخيرة كانت كارثية بامتياز وهائلة الكلفة في الحالة العراقية، وبإقرار معظم (إن لم يكن شبه إجماع) المعنيين الأميركيين.
من الممكن أن يكون وحده نائب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ريتشارد تشيني، ومعه بعض المحافظين الجدد، ما زالوا يرون أنّ الحرب على العراق كانت مشروعة، من باب أنّ "العالم صار مكاناً أفضل من دون صدام حسين"، وهذه نظرة متزمتة ضيقة لا يجاريها حتى المحافظون في الكونغرس، الذي من المتوقع أن يصوت مجلس الشيوخ فيه في الأيام القادمة على مشروع قانون لإلغاء الصلاحيات التي منحها قانون 2002 للرئيس الأميركي باستخدام القوات المسلحة في العراق، وهو قانون كان مجلس النواب قد صوت عليه في عام 2021، فيما أعلن البيت الأبيض دعمه للمشروع.
كل تلك المحاولات السابقة تعكس نوعاً من "التكفير"، ولو المتأخر، عن ذنب الحرب التي اكتوت واشنطن بنارها بعد أنّ دمرت العراق، وهو "تدمير" كان عنوان معظم المتابعات التي توقفت عند مرور هذه الذكرى، إذ سُلِّط الضوء على تداعيات الغزو الأميركي المدمرة التي ما زال العراق "يعاني من آثارها" حتى الآن، والتي أدت اختلالاتها إلى "خلق فراغ" في السلطة، كان بمثابة "أرض خصبة" للقوى الإقليمية التي رسخت نفوذها، وخاصة إيران التي تعترف الجهات الأميركية بأن الاحتلال كان المفتاح لدخولها وتدخلها في مفاصل الوضع العراقي والتأثير بسياساته وقراراته.
لكن كل تلك المراجعات والإشارات، على محدوديتها، بقيت محاولةً وصفية لتداعيات الحرب أكثر من كونها محاولةً نقدية لها، إذ غابت المطالبة بالمساءلة عن حرب "طائشة" كان من المفترض في دولة المؤسسات أن تتحد لمحاسبة المسؤولين عنها، لكن هذا يبدو غير متوقع، لأن هذه عادة متوارثة في الإدارة الأميركية، إذ سبق أن أعلنت أميركا حروباً خاسرة بلا تفويض من الكونغرس، حسب ما يقضي به الدستور، من دون محاسبة.
يرى الباحث الجيوسياسي في "مجموعة يوراسيا"، مارك هانّة، أنّ "الحروب صارت حلاً لمشكلات أميركا السياسية والاقتصادية"، بينما يضيف محللون آخرون أنّ الكبار لا يتعلمون الدروس من الحروب السابقة، من فيتنام إلى العراق، نهايةً بحروب روسيا من أفغانستان إلى أوكرانيا.
يقول مؤرخ يوناني قديم، إن "الحرب معلّم صارم"، لكن يبدو أنّ القديم ما عاد ينطبق على الجديد، درس تجاهلته واشنطن في حرب العراق، وتواجه الآن نسختها الأوكرانية في حرب بوتين، الذي لم يتعلّم هو الآخر من تجربة بلاده في أفغانستان، ولا من ثمن تجاهل واشنطن لهذا الدرس.