بشائر بايدن... نتنياهو في السعودية

29 نوفمبر 2020
التطبيع المجاني أفقد العرب القدرة على المناورة (حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -


أسفرت الانتخابات الأميركية الرئاسية عن انتصار المرشح الديمقراطي جو بايدن، الأمر الذي دفع البعض إلى اعتبارها نهاية لحقبة الإملاءات الأميركية المجحفة بالحق الفلسطيني والعربي التي انتهجها الرئيس دونالد ترامب، ولا سيما بما يتعلق بمستقبل صفقة القرن، وتقويض حل الدولتين، واستمرار مسار التطبيع العربي - الصهيوني. وهو ما ينطبق على قراءة السلطة الوطنية الفلسطينية لنتائج الانتخابات الأميركية، إذ عبرت السلطة عن فرحها العارم بخسارة ترامب ونجاح بايدن، وكأنه انتصار لفلسطين وقضيتها!

وعليه فقد عدلت السلطة عن قراراتها السابقة، المتخذة في أعقاب إعلان مخطط الضم المستند إلى خطة السلام من أجل الازدهار الترامبية المعروفة إعلاميا بصفقة القرن، لتعلن السلطة عن استئناف التنسيق مع الدولة الصهيونية، وقبولها استلام أموال المقاصة الفلسطينية - أموال الضرائب الفلسطينية التي تحصلها الدولة الصهيونية - قبل تولي الرئيس الأميركي الجديد بايدن رئاسة الولايات المتحدة، وبالتالي قبل تجسيد رؤيته لإدارة الملف الفلسطيني - الصهيوني. وكأن انتصاره بالعملية الانتخابية، بالأصح كأن خسارة ترامب في الانتخابات عبارة عن انقلاب جذري في السياسة الأميركية والصهيونية، يلغي ما سبقه ويؤسس لمرحلة استعادة الحقوق الفلسطينية. وكأننا نتعامل للمرة الأولى مع رئاسة الديمقراطيين في أميركا، وبالتحديد مع بايدن، متناسين دوره السابق كسيناتور ديمقراطي في مجلس الشيوخ، ودوره كنائب للرئيس في عهد أوباما، والأهم متناسين دور الحزب الديمقراطي في حماية الدولة الصهيونية وتعزيز قدراتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية والمالية، التي مكنتها من انتهاك الحقوق الإنسانية والتاريخية الفلسطينية تاريخيا وراهنا.

حيث يصعب التكهن بأي تغير حقيقي ومهم في مسار السياسة الأميركية تجاه قضايا المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، استنادا لتاريخ الديمقراطيين عموما وبايدن خصوصا، وانطلاقا كذلك من فهم العلاقة الأميركية - الصهيونية، والمصلحة الأميركية الاستراتيجية منها. وهو ما بدأت ملامحه في التكون سريعا، وقبل استلام بايدن لزمام الرئاسة الأميركية، فالتطورات الحاصلة اليوم في المنطقة تجسد رؤية أميركية - صهيونية صلبة ومتماسكة وواضحة، خارج حسابات التنافس الحزبي داخل أميركا بين الجمهوريين والديمقراطيين. فنحن في مرحلة انتقال السلطة من حزب إلى آخر، أي في حالتنا الراهنة من الجمهوريين إلى الديمقراطيين، والمعروف سياسيا عن هذه المرحلة أنها مقيدة لسياسات الرئيس، الحزب، الخاسر في الانتخابات.

وبالتالي لا تمثل الأحداث الحاصلة اليوم في المنطقة، ولا سيما المتعلق منها بالقضية الفلسطينية، امتدادا لرؤية واستراتيجية دونالد ترامب، بقدر ما تعكس محددات أولية لاستراتيجية الرئيس القادم جو بايدن. حيث يوضح مدى تداخلها وتشابكها مع سياسات ترامب تجاهنا وتجاه قضايانا العادلة، سخافة التعلق بوهم الانقلاب الديمقراطي، والتغيير الملموس في توجهات الرئاسة والحكومة الأميركية. فها هي المخططات الاستيطانية الصهيونية تمضي قدما في عملية قضم الأراضي الفلسطينية، وفي مخطط عزل المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية بعضها عن بعض، لتصبح جزرا معزولة ضمن بحر من الاستيطان والاحتلال الصهيوني. وكذلك بما يخص المخطط الصهيوني - الأميركي الرامي إلى عزل القضية الفلسطينية عن بعدها العربي، وتبني السردية الصهيونية الزائفة، وتنصيب الدولة الصهيونية كقوة إقليمية مركزية ولاعب رئيسي في المنطقة شبه وحيد، كما تشي به زيارة نتنياهو السرية للمملكة العربية السعودية.

طبعا لا يعني ذلك تغييب الفروقات بين كلا الإدارتين الأميركيتين الراحلة والقادمة، بقدر ما يعني إدراك مدى ثانوية الفروقات على منحى المسار الأميركي والصهيوني، وبالتالي على مسار القضية الفلسطينية والقضايا العربية العادلة. كما لا يلغي ذلك شعورنا بشيء من الارتياح لهزيمة ترامب الانتخابية، استنادا لأسلوبه العنصري البغيض وخطابه المتعالي والمنفرد. فالتعويل على رغبة بايدن التغييرية يبدو لي انتحارا سياسيا، ومراهنة خاسرة سوف تراكم الصعاب والمهام على مسار التحرر العربي والفلسطيني. إذ لن تنجح مخططات ترامب أو بايدن أو أي شخص آخر في شطب الحقوق الفلسطينية والمسار النضالي الفلسطيني، بحكم الإصرار الشعبي على استعادة جميع الحقوق الفلسطينية المستلبة، لكنهم ينجحون في زيادة حجم وعدد وطبيعة العراقيل التي تعترض طريقنا التحرري، التي سوف يتجاوزها الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة عاجلا أم أجلا.

المساهمون