استمع إلى الملخص
- هناك شكوك حول قدرة ترامب على تحقيق "صفقة كبرى" بسبب تعارض مصالح موسكو وكييف، حيث قد تقدم روسيا تنازلات في الشرق الأوسط مقابل إنهاء النزاع الأوكراني.
- من المتوقع أن يسعى ترامب لتعزيز التعاون مع تركيا في الشمال السوري، مما قد يزعج موسكو، بينما تستمر إدارة بايدن في تعزيز الدعم لأوكرانيا.
مع استمرار العد التنازلي لتنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وعودته إلى البيت الأبيض وتزايد الترجيحات بممارسته ضغوطاً على أوكرانيا لقبولها تسوية أو تجميد النزاع مع روسيا بشروط ترضي الكرملين، ثمة تساؤلات حول المقابل الذي قد يطالب به "رجل الصفقات"، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط وملف العلاقات الروسية الإيرانية.
وما يزيد من واقعية الترجيحات بأن ملف الشرق الأوسط، وعلى رأسه سورية والوجود الإيراني فيها، قد يكون أحد عناصر "صفقة كبرى" بين موسكو وواشنطن، تأكيد مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرينتييف، على هامش الجولة الأخيرة من محادثات أستانة الأسبوع الماضي، استعداد موسكو لاستئناف الحوار بشأن سورية مع واشنطن تحت قيادة ترامب، الذي أثارت عودته إلى البيت الأبيض حالة من التفاؤل الحذر لدى الكرملين.
وعلاوة على ذلك، ثمة تساؤلات حول زيادة الدعم الأميركي لإسرائيل في عهد دونالد ترامب الذي نقل خلال ولايته الأولى في أعوام 2017 ـ 2021 السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، بينما مرت العلاقات الأميركية الإسرائيلية بنوع من الفتور في ظل استياء إدارة الرئيس جو بايدن من سلوكيات حكومة بنيامين نتنياهو وحربها على قطاع غزة.
دونالد ترامب وتقليم أظافر طهران
توقع الأكاديمي السوري المعارض المقيم في موسكو محمود الحمزة أن دونالد ترامب قد يقدّم لروسيا حلاً في أوكرانيا بشروط مقبولة من الكرملين مقابل مساومته في مسألة تقليص الوجود الإيراني في سورية خدمة للأجندة الإسرائيلية في المنطقة. وقال الحمزة لـ"العربي الجديد": "يمكن الجزم أن ترامب سيدعم نتنياهو في سياسة تقليم أظافر طهران وأجنحتها في المنطقة واستهداف شتى القوى المحسوبة على إيران، سواء في لبنان أو سورية، خصوصاً أنه حقق فوزاً كاسحاً بالرئاسيات الأميركية مع سيطرة الحزب الجمهوري على مجلس الشيوخ، ما يعني أنه لن يستطيع أحد الوقوف في وجهه، بما في ذلك في قضايا الشرق الأوسط".
محمود الحمزة: ترامب قد يقدّم لروسيا حلاً في أوكرانيا بشروط مقبولة من الكرملين مقابل مساومته في سورية
ورجّح أن تُضطر روسيا لتقديم تنازلات لترامب في الشرق الأوسط مقابل إنهاء النزاع الأوكراني، مضيفاً: "لن يقدّم ترامب السلام في أوكرانيا لروسيا على طبق من الذهب، بل سيضع شروطاً من قبيل تقديم تنازلات في ملفات بعينها قد يكون أحدها ملف إيران، وأتوقع أن تتجاوب معه روسيا في المسائل مثل تحجيم الوجود الإيراني في سورية، ولكنها غير مستعدة للتضحية بالنظام السوري نفسه، والذي تراه ضامناً لمصالحها ولبقائها في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية حتى لو كان الرهان على بشار الأسد خطأ، برأيي".
وحول رؤيته لما قد يقدّمه دونالد ترامب لروسيا في الملف الأوكراني مقابل ذلك، قال: "سيضحي ترامب بمصالح أوكرانيا لتصبح أكبر الخاسرين، بينما ستحقق روسيا مكاسب لا ترقى إلى المستوى الذي تتمناه، إذ ستقتصر على وقف إطلاق النار وتثبيت الواقع الميداني، من دون ضمانات بحياد أوكرانيا وعدم انضمامها لحلف شمال الأطلسي (ناتو). لذلك تتعامل روسيا مع فوز ترامب بتفاؤل حذر إدراكاً منها أنه لا يعلي سوى مصالحه وخدمة شعار أميركا أولاً".
من جهته، شكك رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط، الأستاذ الزائر بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، مراد صادق زاده، في قدرة دونالد ترامب على الوفاء بوعوده بإنهاء الحروب، بما فيها النزاع في الشرق الأوسط على جبهتي غزة وجنوب لبنان. وقال صادق زاده في حديث لـ"العربي الجديد": "على الرغم من وعود ترامب المتكررة بإنهاء الحروب، إلا أن كافة المؤشرات تؤكد أن إسرائيل غير مستعدة للتوقف عن شنها، بل تسعى لإلحاق أكبر ضربة ممكنة بالمصالح الإيرانية وحزب الله الذي تراه أداة لنفوذ طهران، ما يعني أن عودة دونالد ترامب لن تضع حداً لأعمال القتال في لبنان، بل قد يزداد الوضع سوءا، حيث إن الرئيس العائد يعد من الرؤساء الأميركيين الأكثر دعما لإسرائيل منذ ما لا يقل عن ربع قرن". ولا يتوقع أن تمارس روسيا ضغوطاً على دمشق لمنع تمرير الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله ضمن الصفقة مع ترامب نظراً لقوة النفوذ الإيراني في سورية، خصوصاً أن موسكو نفسها لا ضلوع لها في تسليح وكلاء إيران في لبنان.
تشكيك بواقعية الصفقة
من جانب آخر، شكك مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في كييف إيغور سيميفولوس في قدرة ترامب على التوصل إلى "صفقة كبرى" مع بوتين قد تشمل أوكرانيا وإيران في آن معاً، نظراً لتعارض تجميد النزاع على خطوط التماس الحالية مع مصالح موسكو وكييف على حد سواء. وقال سيميفولوس، في اتصال مع "العربي الجديد" من العاصمة الأوكرانية كييف: "ثمة شكوك كثيرة في قدرة دونالد ترامب على إبرام صفقة كبرى مع روسيا تشمل أوكرانيا وحدها، فما بالك بإيران ضمن الحزمة نفسها؟ على الرغم من توفّر أوراق ضغط بين يديه، إلا أن روسيا وأوكرانيا ليستا ملكية خاصة به حتى يفرض عليهما رؤيته".
إيغور سيميفولوس: شكوك كثيرة في قدرة ترامب على إبرام صفقة كبرى مع روسيا تشمل أوكرانيا
ولفت إلى ضعف في جاذبية مقترحات دونالد ترامب بشأن تجميد النزاع الأوكراني لطرفيه (موسكو وكييف)، مضيفاً أن "بوتين يحقق حالياً تقدماً في الشرق الأوكراني، ولو بخسائر فادحة في صفوف قواته، ولكن الموارد المالية تحت يديه لا تزال تتيح له الاعتماد على العسكريين المتحدرين من المناطق الفقيرة وصرف تعويضات هائلة لذويهم من دون إعلان تعبئة جديدة قد لا تحمد عواقبها عليه"، متسائلاً: "ما الدافع للقبول بتجميد النزاع عند خطوط التماس الحالية؟".
أما بالنسبة لأوكرانيا، فإن القبول بتجميد النزاع سيعني، وفق سيميفولوس، موافقة فعلية على بقاء الأراضي المحتملة تحت سيطرة روسيا، جازماً أن "هذا يتعارض مع مساعي كييف للحصول على أكبر دعم أميركي ممكن قبل مغادرة الإدارة الديمقراطية".
ولم يستبعد احتمال تحقق السيناريو المتشائم باستمرار الحرب لبضع سنوات أخرى، قائلاً: "يمكن لروسيا إنهاء الحرب غداً عن طريق سحب قواتها من أوكرانيا، ولكن ذلك ليس من خطط بوتين الذي لا يريد الإبقاء على السيطرة على شرق أوكرانيا فحسب، وإنما يبحث أيضاً عن تثبيت وضع روسيا قوة عظمى وتسويق النصر أمام سكان بلاده". واعتبر أنه يجب النظر إلى سياسات ترامب المرتقبة في الشرق الأوسط خارج سياق الحرب في أوكرانيا، مستطرداً: "في عهد ترامب، يمكن نسيان الاتفاق النووي مع إيران، حيث سيعمل على تحجيم دورها في المنطقة والضغط عليها تحقيقاً للمصالح الإسرائيلية. سيحفز ذلك طهران على الإسراع في تطوير قنبلة نووية، وهو ما قد يدفع بإسرائيل نحو تدمير كافة المصانع الحربية الإيرانية، بعد فشل طهران في تأسيس تحالف موثوق مع موسكو وتعثّر إكمال إجراءات التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية معها".
ومن مؤشرات سعي إدارة بايدن لتثبيت الدعم أوكرانيا قبل انتهاء صلاحياتها، إعطاء الضوء الأخضر لكييف لاستخدام صواريخ أتاكمس بعيدة المدى لضرب العمق الروسي، وهو أمر أثار استياء موسكو، إذ اعتبرت وزارة الخارجية في بيان أن ذلك "سيعني ضلوعاً مباشراً للولايات المتحدة وحلفائها في أعمال القتال ضد روسيا"، متوعدة بـ"رد مناسب وملموس".
مباركة للعمليات التركية في سورية؟
من جهته، توقع الصحافي والمستشرق الروسي رسلان سلیمانوف أن ترامب قد يعطي الضوء الأخضر لتركيا لإجراء عمليات عسكرية في الشمال السوري، وهو ما قد يزعج موسكو، مستبعداً في الوقت نفسه أن يتمكن الرئيس العائد إلى البيت الأبيض من وقف التعاون بين روسيا وإيران في مجال الإمدادات المتبادلة للأسلحة.
رسلان سلیمانوف: ترامب قد يعطي الضوء الأخضر لتركيا لإجراء عمليات عسكرية في الشمال السوري
وقال سليمانوف لـ"العربي الجديد": "يسعى ترامب لتجنب الحروب طالما لا تحقق نفعاً له، وخلال ولايته الأولى أعطى فعلياً الضوء الأخضر لتركيا لإجراء العمليات العسكرية في الشمال السوري ببدئه سحب القوات الأميركية. لذلك تأمل أنقرة هذه المرة أيضاً بأن يسمح لها ترامب بإجراء عمليات جديدة في سورية. صحيح أن ذلك سيؤدي حتماً إلى نشوب خلافات مع روسيا التي تعارض مثل هذه العمليات، ولكنه ليس بمقدورها فعل شيء".
في المقابل، شكك سليمانوف في قدرة ترامب على إبعاد موسكو عن طهران، مضيفاً: "يعرف ترامب بمواقفه المتشددة حيال إيران، وهو ما قد يزيد قليلاً صعوبة تعاونها مع روسيا. لكن لا أحد في البيت الأبيض يستطيع وقف التعاون بين موسكو وطهران في المجال العسكري - التقني، ما يعني أنه سيستمر في عهد ترامب".
وعلى الرغم من تنوع أوجه التعاون بين موسكو وطهران، إلا أن مفاوضات التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بينهما تشهد حالة من التعثر منذ بضعة أشهر، وهو ما زاد الترجيحات بوجود تباينات في مواقف الطرفين. في المقابل، مرت إجراءات التصديق على اتفاقية مماثلة بين روسيا وكوريا الشمالية بصورة سلسة، وسط انتشار أنباء عن توجه آلاف الجنود الكوريين الشماليين للمشاركة في أعمال القتال في مقاطعة كورسك الحدودية الروسية التي تتوغل فيها القوات الأوكرانية منذ بداية أغسطس/ آب الماضي.