برلمان قيس سعيّد ينطلق اليوم: مكتب في خدمة الرئيس

13 مارس 2023
جرّد سعيّد البرلمان من كل صلاحياته الرقابية (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

يعقد البرلمان التونسي الجديد أولى جلساته اليوم الإثنين، بعد أن دعا الرئيس قيس سعيّد لذلك في مرسوم يوم الخميس الماضي. وكانت هيئة الانتخابات أعلنت النتائج النهائية للدور الثاني من انتخابات مجلس نواب الشعب في 25 فبراير/شباط الماضي، فيما جرى الاقتراع العام في جولة الإعادة في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، تكملة للدور الأول الانتخابي الذي جرى في 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وأفرزت الانتخابات فوز 154 عضواً خلال الدورتين، من جملة 161 عضواً حسب ما ينص عليه الدستور. وبالتالي سينطلق البرلمان الجديد منقوصاً 7 أعضاء. ويرجح إجراء انتخابات جزئية في دوائر الخارج السبع التي لم تسجل أي ترشيحات، وذلك بعد تنصيب المجلس التشريعي الجديد، وانتخاب رئاسة البرلمان، وشروعه رسمياً في العمل.

حاتم المليكي: هذا البرلمان سيتأقلم تدريجياً مع النظام الرئاسي ويصبح غرفة للمصادقة على القوانين

وكان سعيّد أقدم على حل مجلس الشعب السابق في 30 مارس/آذار 2022، بعد أن جمد أعماله في 25 يوليو/تموز 2021، في سياق سلسلة من القرارات، مكنته من التفرد بالسلطات، عبر إقالة الحكومة وحل المجلس الأعلى للقضاء.

ويعتبر البرلمان الجديد الأقل شعبية في تاريخ تونس، حيث قاطع نحو 90 في المائة من الناخبين عملية الاقتراع، بدورتيها الأولى والثانية. وهناك دوائر أفرزت نواباً بدون منافسة أصلاً حيث لم يترشح فيها إلا شخص واحد، بينما لم يترشح أحد في 7 دوائر بالخارج.

وتحدث سعيّد، أمس الأول السبت، عن ضرورة أن يكون "المجلس التشريعي القادم في مستوى تطلعات الشعب التونسي"، قائلاً: "وليعلم النواب الجدد أنّهم تحت رقابة الشعب التونسي".

وأكد سعيّد، في تصريح من وسط العاصمة تونس أنّ "البرلمان لن يكون كما كان في السابق، والتشريعات يجب أن تعبّر عن الإرادة العامّة، لا عن إرادة بعض الجهات التي ما زالت تحنّ إلى العشرية الماضية، وإلى البرلمان الماضي". وانتقد مختصون في القانون الدستوري وأحزاب هذا البرلمان الجديد، الذي جرّده سعيّد من كل صلاحياته الرقابية في الدستور الجديد، وحوله إلى مجرد غرفة للمصادقة على قوانينه.

أسئلة حول دور البرلمان

وتطرح أسئلة متعددة حول هذا البرلمان. فما الذي سيغيّره فعلياً في المشهد التونسي؟ وهل سيشكل خطوة إضافية لتثبيت أركان حكم سعيّد؟ وهل سيكون أكثر فاعلية من البرلمان الذي طالما انتقده وأقام عليه كل نظريته الانقلابية؟ وما الذي سيمثله هذا البرلمان الذي انتخبه جزء صغير من التونسيين، وكيف سينعكس ذلك على مشروعية قراراته؟

النائب السابق حاتم المليكي اعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "مسألة نسب المشاركة هي قضية سياسية، وتنعكس على مشروعية البرلمان، ولكنها لا تؤثر على عمله أو أدائه".

وبيّن أن "الأداء والعمل متعلقان أساساً بالصلاحيات الدستورية الموجودة في الدستور الجديد، حيث سيجد البرلمان صعوبة في التأثير على المشهد العام وإحداث تغييرات، لأنه لا يمتلك وسائل حقيقية في هذا الخصوص".

وأضاف المليكي أن هذا "برلمان في نظام رئاسي، حيث إن تعيين الحكومات وعزل الوزراء لم يعد ممكناً له، وبالتالي فالأدوات التي تعوّد عليها البرلمان في النظام البرلماني لم تعد متاحة ومتوفرة". وبيّن أن "هذا البرلمان في نظام سياسي لا يسمح له بالتأثير في السياسات العمومية، وسيتأقلم تدريجياً مع النظام الرئاسي، ويصبح غرفة للمصادقة على القوانين".

وأكد أن "نظام الحكم تغير من نظام يمتلك فيه البرلمان كل الصلاحيات إلى نظام رئاسي لا يمتلك فيه صلاحيات، والرئيس نزع عنه السلطات، لأن هناك أنظمة برلمانية يكون فيها البرلمان بسلطات قد تحد من صلاحيات رئيس الجمهورية وتسحب الثقة منه أو من الحكومة، ولكن سعيّد اختار نزع هذه الصلاحيات منه، وفي غيابها سيبقى البرلمان في وضع صعب. قد يحاول، ولكنه سيصطدم بواقع أنه لا يمتلك سلطات".

ولفت المليكي إلى أن "المشروعية مرتبطة بالمسار الذي اختاره الرئيس، وهذه المحطات والمؤسسات التي اختارها، كالاستفتاء والبرلمان، كانت في الواقع من دون مشاركة شعبية واسعة، خلافاً لما يعتقده أنصاره، ولم تكن هناك مشاركة، لا في الاستفتاء ولا اختيار النواب، وهذا يضعف البرلمان. ولكن نقطة الضعف الحقيقية أنه برلمان في نظام رئاسي مشوه ومحدود الصلاحيات".

رياض الشعيبي: هذا البرلمان يمثل جزءاً من الديكور الذي تحاول السلطة أن تتزين به في ظل الدكتاتورية الزاحفة

واعتبر أنه "لا يمكن الحديث عن أركان حكم عند قيس سعيّد، فهي في الحقيقة أفكار متناقضة وغير متجانسة، ولا توجد أركان منظومة حكم، بل بعض الأفكار قد تكون لدى آلاف المواطنين. وهناك تهويل من طرف البعض بأن سعيّد له مسار واضح، ولكن الحقيقة التي تأكدت هي رغبته في مواصلة الحكم الذي يرافقه وضع مضطرب، حيث يزداد عجز رئيس الجمهورية على إدارة السلطة التنفيذية، وواضح أنه لا يمتلك المواصفات ولا القدرة على إدارة الشأن العام".

البرلمان نفسه يطرح مشكلة

من جهته، أكد القيادي في حركة النهضة رياض الشعيبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هذا البرلمان سيجتمع في ظل حالة من الغموض، والمناخ السياسي السلبي في البلاد، بينما الأصل أن يكون دور البرلمان إيجابياً في الساحة السياسية"، مشيراً إلى أن "هذا البرلمان نفسه يطرح مشكلة، باعتبار أن مسألة الشرعية مطروحة بقوة في ظل ضعف نسبة التصويت".

وتابع أنه "لا توجد في الحقيقة انتظارات من هذا البرلمان، لأنه فاقد للصلاحيات، في ظل نظام رئاسي تجتمع فيه كل السلطات عند رئيس الجمهورية". وأكد أن "هذا هو حكم الفرد، وبالتالي لن يكون هذا البرلمان سوى مجلس صوري، يمثل جزءا من الديكور الذي تحاول السلطة أن تتزين به في ظل هذه الدكتاتورية الزاحفة".

واعتبر أنه "من غير الممكن أن يلعب هذا البرلمان دوراً إيجابياً في التنفيس من حدة الأزمة السياسية في البلاد، لأن مكوناته غير ديمقراطية، وليس لها رؤيا سياسية لبناء مجتمع ديمقراطي، وبالتالي هي تتشارك مع سلطة الانقلاب في الإقصاء، وفي التنكيل بالمختلفين"، مبيناً أن "الدور لا يمكن أن يكون إلا سلبياً في إطار مزيد تركيز السلطة القائمة الآن".

برلمان لتزكية أفكار سعيّد

ورأى الناشط السياسي والعضو المؤسس لـ"مواطنون ضد الانقلاب"، عز الدين الحزقي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن الحديث عن برلمان، فهو برلمان قيس سعيّد لتزكية ما يريده من أفكار وليس الشعب"، مؤكداً أنه "من "دون أي صلاحية، فـ10 في المائة من الناخبين لا تكوّن برلماناً، في ظل مقاطعة بقية الشعب للانتخابات". وأشار إلى أن سعيّد حل كل المؤسسات في البلاد، "فهل يمكن أن نقول إن دولة لا يوجد فيها أي شيء فيها برلمان؟".

عز الدين الحزقي: البرلمان شبيه بالمجلس الكبير في فترة البايات

واعتبر أن "البرلمان مجرد صورة لإكمال المشهد وللكذب على الخارج والناس بأن هناك برلماناً، دون أدنى صلاحية، وعديد التونسيين في بلدان في الخارج دون ممثلين بالبرلمان"، مؤكداً أن "الدولة هي المؤسسات، وللأسف لم تعد هناك أي مؤسسة".

وتساءل الحزقي: "برلمان من؟ هو شبيه بالمجلس الكبير في فترة البايات، يلقون التحية على الباي (الأمير) من مناسبة إلى أخرى فقط، ولا يمكنه فعل شيء. فمن حيث الشكل هو غير مكتمل، وسيكون ربما هناك موظفون لدى قيس سعيّد وليس نواباً للشعب. فالدولة هي قيس سعيّد والدور الحقيقي له".

وبين أن "حاكم تحقيق وثلاثة قضاة في قطب مكافحة الإرهاب رفضوا مواصلة النظر في ملف التآمر، ومع ذلك تصدر بطاقات الإيداع ويسجن البعض، وبالتالي لا قضاء ولا مؤسسات ولا دولة فكل شيء خارج القانون".

المساهمون