صوت المواطنون الأميركيون لجو بايدن ليكون الرئيس الـ46 للولايات المتحدة قبل أكثر من شهر، لكن الأصوات المهمة رسمياً سيتم الإدلاء بها اليوم الإثنين في اجتماع المجمع الانتخابي، إذ من المنتظر أن يشهد اليوم تنصيباً غير رسمي لبايدن ونائبته كامالا هاريس بعد صدور النتائج النهائية لهذا التصويت الذي لطالما حاول الرئيس الخاسر دونالد ترامب عرقلته وعدم الوصول إليه عبر دعاوى قضائية رفعها في مختلف الولايات. ويواصل ترامب وأنصاره المكابرة، على الرغم من أن خسارته الانتخابات التي أجريت في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لا شكوك بشأنها، وهو ما أكدته أعلى سلطة قضائية في البلاد؛ المحكمة العليا، جنباً إلى جنب مع عشرات القضاة والمحاكم المحلية التي يعدّ بعض قضاتها من الحزب الجمهوري. وقد استبق أنصار ترامب انعقاد المجمع الانتخابي، باستعراضات في الشوارع، أول من أمس السبت، ولا سيما في العاصمة واشنطن حيث وقعت أعمال عنف مع مناوئين للرئيس الخاسر أدت إلى سقوط عدد من الجرحى.
ينتظر حصول بايدن على 306 أصوات مقابل 232 صوتاً لترامب
ومن المقرر أن يدلي أعضاء المجمع الانتخابي الأميركي بأصواتهم، اليوم الاثنين، عندما تجتمع الهيئة الانتخابية، بحسب ما ينص الدستور لإضفاء صفة رسمية على فوز جو بايدن، الذي من المتوقع أن يحصل على 306 أصوات، أي أكثر من 270 صوتاً لازماً للفوز، مقابل 232 صوتاً لترامب. ليجتمع بعد ذلك الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني المقبل لفرز الأصوات الانتخابية، والتصديق بشكل نهائي على الفائز بالرئاسة ونائب الرئيس.
وتسلّط الأضواء على هذه العملية بشكل أكبر في انتخابات هذا العام، لأنّ ترامب ما زال يرفض التنازل، ويستمر في إطلاق مزاعم حول حصول تزوير، وهو ما يجعل اجتماع الهيئة الانتخابية خطوة أخرى قوية لا يمكن إنكارها باتجاه تنصيب بايدن في 20 يناير المقبل، عندما يؤدي اليمين كرئيس للولايات المتحدة.
وحين وُضع الدستور الأميركي عام 1787، كان من المستحيل عملياً أن يتم إجراء تصويت شعبي لانتخاب الرئيس، وذلك بسبب اتساع مساحة البلاد وصعوبة الاتصال. وفي النهاية توصل المشرعون إلى نظام الهيئة الانتخابية الذي كان بمثابة حل وسط بين انتخاب الرئيس عن طريق التصويت الشعبي وجعل الكونغرس يختار الرئيس.
لكن هذه العملية لطالما تعرضت لانتقادات عديدة. وبرزت معضلة أساسية تتكرر في كثير من الأحيان إذ يمكن للشخص الذي فاز بالتصويت الشعبي أن يخسر الانتخابات الرئاسية. في الواقع، فإنه في اثنتين من الانتخابات الخمس الأخيرة، فاز مرشحان بالرئاسة رغم حصولهما على عدد من أصوات الناخبين في التصويت الشعبي أقل مما حصل عليه منافساهما. ففي عام 2016، حصل دونالد ترامب على عدد أقل بثلاثة ملايين صوت مما حصلت عليه المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، لكنه فاز بالرئاسة لأنه حصل على أغلبية أصوات المجمع الانتخابي. وفي عام 2000 فاز جورج دبليو بوش بـ271 صوتاً داخل المجمع الانتخابي، رغم تقدم المرشح الديمقراطي آل غور في التصويت الشعبي بأكثر من نصف مليون صوت.
وغالباً ما يتم ترشيح أعضاء المجمع الانتخابي من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي لكل انتخابات. وتوجد قواعد مختلفة في كل ولاية أميركية لاختيار هؤلاء. وغالباً ما يكون أعضاء المجمع الانتخابي الذين يعرفون بـ"الناخبين" على صلات بالأحزاب السياسية كالنشطاء والسياسيين السابقين.
ولكن حتى هؤلاء الأعضاء يوجه بعضهم انتقادات لهذه العملية. فقد عبر عدد منهم لصحيفة "نيويورك تايمز" عن انتقادهم لكيفية اختيار الرئيس. فقد قال آلان كينيدي مثلاً، وهو أحد هؤلاء الناخبين في ولاية كولورادو، إنه سيصوت اليوم لصالح بايدن، لكن بالنسبة له، لا يزال هناك سؤال كبير يلوح في الأفق وراء المهمة التي تنتظره: "هل مثل هذا النظام يتماشى حقاً مع مُثُل الأمة"؟
من جهتها، قالت بولي باكا التي ستدلي بواحد من تسعة أصوات انتخابية في كولورادو لصالح بايدن، إن "الهيئة الانتخابية تأسست بموجب الدستور وبالتالي يصعب الالتفاف عليها. علينا تعديل الدستور، والسماح للديمقراطية بالعمل".
بدوره، قال روبرت نيمانيتش، وهو ناخب سابق في كولورادو، إن مؤهله المهني الوحيد الذي خوله بأن يكون ناخباً في المجمع الانتخابي عام 2016 هو أنه كان مدرساً للرياضيات في مدرسة ثانوية. وأضاف: "كنت من القليلين الذين طلبوا أن يصبحوا ناخبين، وأود أن أقول إنّ 90 في المائة من الناس لا يعرفون ما هو ذلك". وأضاف: "لا يمكنك السماح لـ 538 شخصاً بأن يقرروا مصير بلد يبلغ عدد سكانه 300 مليون نسمة".
ولكن أصوات هؤلاء يفترض أن تكون تجسيداً للتصويت الشعبي. غير أنه في بعض الولايات قد يصوت أعضاء المجمع الانتخابي للمرشح الذي يفضلونه بغض النظر عن ما حصل عليه من أصوات الناخبين في الولاية، لكنهم في الواقع العملي، دائماً يصوتون لصالح المرشح الفائز بأغلبية الأصوات في الولاية.
خمسة جرحى في مواجهات أثناء تجمع لأنصار ترامب في واشنطن
وفيما تتجه كل الأنظار منذ ما قبل اليوم إلى اجتماع المجمع الانتخابي، أراد مناصرو الرئيس الخاسر دونالد ترامب جذب الأنظار إليهم أول من أمس السبت، عندما تظاهروا مجدداً دعماً له وضد "سرقة الانتخابات"، ما أدى إلى وقوع أعمال عنف وسقوط جرحى. فقد أُصيب خمسة أشخاص بجروح في واشنطن، بينهم أربعة بجروح خطيرة بسلاح أبيض وأحدهم بالرصاص، أثناء تظاهرات السبت للمطالبة بولاية جديدة لترامب. واندلعت مواجهات في أماكن عدة بين المتظاهرين وآخرين ضدهم. وأعلنت شرطة ولاية واشنطن مساء السبت في تغريدة توقيف شخص بعد عملية إطلاق نار جاءت إثر مواجهات قرب مبنى الكابيتول في أولمبيا. وكان قد بدأ يوم السبت بتجمع في أجواء احتفالية شارك فيه الآلاف من أنصار ترامب في ساحة "فريدوم بلازا" القريبة من البيت الأبيض. ونُظمت تجمعات مماثلة في أولمبيا وأتلانتا وسانت بول (مينيسوتا) وفي مدن صغيرة أخرى خصوصاً في نيبراسكا وألاباما.
لكن من الواضح أن استعراضات الرئيس وأنصاره لا أحد يأبه بها، لا سيما القضاء. وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، فإن ما لا يقل عن 86 قاضياً، بدءاً من رجال القانون العاملين في أدنى مستويات أنظمة محاكم الولايات إلى أعضاء المحكمة العليا للولايات المتحدة، رفضوا على الأقل دعوى قضائية واحدة رفعها ترامب بعد الانتخابات، وبين هؤلاء من هم من مؤيديه. ووجدت "واشنطن بوست" أنّ 38 قاضياً عينهم الجمهوريون وجهوا ضربات لمثل هذه الدعاوى.