في وقت تدرس فيه وزارة الدفاع الأميركية إمكانية الحصول على إذن لمواصلة الضربات الجوية ضد حركة "طالبان" في حال تعرض العاصمة الأفغانية كابول والمدن الكبرى في أفغانستان لخطر السقوط في يد الحركة، تشهد الساحة الباكستانية جدلاً حول إمكانية منح باكستان قواعد عسكرية للولايات المتحدة لمراقبة الوضع في أفغانستان، ولدعم القوات الأفغانية في حالة الاضطرار، وذلك على الرغم من نفي الخارجية الباكستانية أكثر من مرة نية إسلام أباد السير بمثل هذا التوجه.
وكانت وسائل إعلام أميركية قد أكدت أن وزارة الدفاع الأميركية تسعى للحصول على إذن من الحكومة الأميركية لتوجيه ضربات لـ"طالبان" في حالة خطر سقوط كابول أو المدن الأخرى في أيدي مسلحي الحركة، مشيرة إلى عقد محادثات بين إسلام أباد وواشنطن بهذا الخصوص. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها، أخيراً، أن أميركا تواصل التركيز على باكستان كقاعدة عسكرية في المنطقة. لكن الحكومة الباكستانية نفت منح أي قواعد عسكرية للولايات المتحدة. وقال وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي، في حديث لقناة "جيو نيوز" المحلية قبل أيام، إن بلاده "رفضت إعطاء قواعد عسكرية للولايات المتحدة، وليست لديها نية لمنح أي قاعدة عسكرية على أراضيها لأميركا لمراقبة أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية من الأخيرة"، مشيراً إلى أن الحكومة الحالية "أبلغت جميع الأحزاب السياسية أنها لا تنوي السماح بأي قاعدة عسكرية أميركية". وتابع أنّ "البحث عن القواعد يمكن أن يكون رغبتهم (الأميركيين)، لكن لا يمكن حتى مجرد الحديث عن السماح لهم بالعمل من باكستان، لأننا يجب أن نضع في اعتبارنا مصالحنا الخاصة".
قرشي: باكستان ليست لديها نية منح أي قاعدة عسكرية على أراضيها لأميركا
لكن ثمة من يخشى من حدوث الخطوة من دون الإعلان عنها، إذ لا يمكن لباكستان أن تعلن عن الأمر حتى وإن وافقت عليه، وهي فعلت ذلك إبان حكومة الرئيس الباكستاني الأسبق برويز مشرف، إذ استخدمت القوات الأميركية قاعدة شمسي الواقعة في إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان لسنوات عديدة، من دون أن تعلن واشنطن أو إسلام أباد عن ذلك.
وفي السياق، قالت نائبة زعيم حزب "الرابطة الإسلامية" جناح نواز شريف، مريم نواز شريف (ابنة رئيس الوزراء السابق نواز شريف)، في مؤتمر صحافي الخميس الماضي، إنّ "على الحكومة الباكستانية أن تظهر للشعب الباكستاني ما جرى بين إسلام أباد وواشنطن"، مؤكدة أنّ "الشعب الباكستاني يتطلع إلى أن يعرف الموقف الحقيقي والواضح بشأن منح قواعد عسكرية للولايات المتحدة".
من جهته، أكد عضو البرلمان الإقليمي في إقليم خيبربختونخوا، عن "الجماعة الإسلامية"، مشتاق أحمد، في كلمة له أمام البرلمان الأسبوع الماضي، أنّ "لدى الشعب مخاوف من توافق إسلام أباد مع واشنطن بشأن القواعد العسكرية في باكستان، مثل ما فعل الرئيس الباكستاني الأسبق برويز مشرف"، مؤكداً أنّ "الخطوة إن اتخذت ستكون لها آثار عكسية على أمن المنطقة وأمن باكستان، لذا على الحكومة الباكستانية أن تفكر جيداً في آثار تلك الخطوة".
وحيال تأثيرات الخطوة على باكستان، في حال وافقت عليها، قال المحلل السياسي محمد حامد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "باكستان بين خيارين صعبين؛ إذ تربطها علاقات استراتيجية وطيدة مع الولايات المتحدة وهي بحاجة إلى دعم في المجال الاقتصادي، وأميركا تفعل ذلك بشكل مستمر، لذا من الصعب جداً أن ترفض إسلام أباد مطلب واشنطن بمنحها قواعد عسكرية، خصوصاً أن باكستان تخشى من الدور الهندي المرتقب في المنطقة وفي وملف أفغانستان على وجه التحديد". وأضاف حامد أنه "من جهة ثانية، وفي حال منحها قواعد عسكرية للولايات المتحدة، فإن باكستان ستواجه مشاكل أمنية جمة لأن الجماعات الدينية، لا سيما المتطرفة منها كطالبان الباكستانية والفصائل المنشقة عنها، وكذلك تنظيم داعش، ستكثّف من عملياتها ضد الحكومة". وبرأيه فإن هذه التنظيمات "ستجد مبرراً جديداً لذلك. كما أنّ الجماعات الدينية - السياسية في باكستان، ستمارس ضغوطاً على الحكومة الباكستانية، ومعلوم أنّ تلك الجماعات لها وزنها وثقلها في أوساط الشعب الباكستاني". لكن حامد استدرك بالقول إن "أجهزة الدولة، وتحديداً الاستخبارات والجيش الباكستاني، لديها خبرة في التعاطي مع تلك الجماعات، وبإمكانها أن تتعامل مع هذه القضية بسهولة وبقليل من العناء، وأبرز وأحدث مثال على ذلك، التصدي للحراك الشعبي الذي نظمته حركة "لبيك يا رسول الله" قبل شهر، واستطاعت الحكومة بدعم من الجيش والاستخبارات أن تتصدى له".
مشتاق أحمد: الخطوة إن اتخذت ستكون لها آثار عكسية على أمن المنطقة وأمن باكستان
من جهة أخرى، فإنّ العلاقات مع الصين وإيران ورفضهما الوجود الأميركي في المنطقة، يمثّل تحدياً آخر للحكومة الباكستانية، خصوصاً مع بكين التي تربطها علاقات وطيدة مع إسلام أباد. وفي حال منح باكستان قواعد عسكرية لأميركا، فستكون العلاقات مع الصين على المحك، وتلك الخطوة ستؤدي لاستياء بكين، لأنها لن ترضى بأي حال من الأحوال أن تكون للولايات المتحدة قواعد عسكرية في بلد مجاور لها. هذا فضلاً عن أن لدى الصين مشاريع اقتصادية ضخمة في باكستان، كالممر الصيني الباكستاني الذي يربط الصين وباكستان بدول آسيا الوسطى.
وفي هذا الشأن، قال القيادي في حزب "الرابطة الإسلامية" جناح قائد أعظم، والعضو في مجلس الشيوخ، مشاهد حسين سيد، في تصريح صحافي له يوم الجمعة الماضي، إنّ "المشكلة الحقيقية التي قد تواجهها باكستان في حال منحها قواعد عسكرية لأميركا، ستكون في علاقاتها مع الصين وإيران، لأنهما لا تريدان أن تكون لواشنطن قواعد عسكرية في المنطقة، وقد دعتا مراراً إلى خروج القوات الأميركية من أفغانستان".
لكن الخبير السياسي، رشيد عمر أولخ، رأى في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الخطوة لا يمكن حصولها عملياً، لأن باكستان لن تتحمل تداعياتها". وأضاف: "نعم، إن الحكومات الباكستانية المتعاقبة منذ عام 2001 كانت تساعد القوات الأميركية في أفغانستان بصورة أو بأخرى، ولكن حتى تلك الاستراتيجية قد تمت مراجعتها، وبالتالي لا يمكن أن تمنح إسلام أباد قواعد عسكرية للقوات الأميركية"، معتبراً أن الهدف مما تتداوله وسائل إعلام أميركية وأفغانية في هذا الشأن "هو فقط لإحداث الشرخ بين طالبان وباكستان من جهة، وبين الأخيرة وأفغانستان من جهة ثانية".
وكان وزير الدفاع الأفغاني أسد الله خالد، أكد في الأول من يونيو/حزيران الحالي أنه "على الرغم من خروج القوات الأميركية من أفغانستان، إلا أنّ سلاح الجو الأميركي يمكنه أن يتدخل في أي وقت ويدعم القوات الأفغانية".
العلاقات مع الصين وإيران ورفضهما الوجود الأميركي في المنطقة، تمثّل تحدياً آخر للحكومة الباكستانية
من جهتها، طلبت حركة "طالبان" الأفغانية في 26 مايو/أيار الماضي، من دول الجوار ألا تعطي للقوات الأميركية التي تنسحب من أفغانستان، فرصة للبقاء في المنطقة، محذرة من أنّ "الشعب الأفغاني لن يقف صامتاً إزاء هذا الأمر إن حدث". وقالت الحركة، في بيان: "بثت وسائل إعلام مختلفة تقارير تؤكد بقاء القوات الأميركية في دول الجوار من أجل مواصلة العمليات في بلادنا"، مشيرةً إلى أن "القوات الأميركية والدولية كانت السبب الرئيسي وراء استمرار دوامة العنف في أفغانستان، وبقائها في المنطقة ناقوس خطر للمنطقة بأسرها".
تجدر الإشارة إلى أنّ قائد القوات المركزية الأميركية، كينيث ماكنزي، كان قد أكد في مؤتمر صحافي في الثامن من يونيو الحالي، أنّ واشنطن أتمت نصف مرحلة الانسحاب من أفغانستان، وأن العملية ستكتمل بحلول سبتمبر/أيلول المقبل. وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أمر بإتمام عملية الانسحاب من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر، إلا أنّ العملية تجري بسرعة ما يشير إلى أنها ربما تكتمل قبل ذلك الموعد.
وتأتي كل تلك التطورات في خضم توسيع حركة "طالبان" نفوذها في مختلف مناطق البلاد، إذ سقطت نحو 20 مديرية في يد مسلحيها خلال شهر واحد، بينما أعلنت الحكومة الأفغانية أنّ قواتها تراجعت عن بعض تلك المديريات بشكل تكتيكي. ويشير تقدم "طالبان" السريع إلى أنّ القوات الأفغانية ما تزال بحاجة إلى دعم خارجي، خصوصاً في ما يتعلق بسلاح الجو.