انهيار هدنة في آخر معاقل الجيش السوداني في دارفور

انهيار هدنة في آخر معاقل الجيش السوداني في دارفور

23 ابريل 2024
أعضاء من حركة تحرير السودان في مدينة الفاشر بدارفور، 10 /8 / 2021 (الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- انتهاء هدنة في مدينة الفاشر بشمال دارفور بسبب هجمات قوات الدعم السريع وحلفائها، مما يهدد بموجة جديدة من العنف الطائفي ويعرض 1.6 مليون نسمة لمخاطر إنسانية.
- نزوح نصف مليون شخص إلى الفاشر وتصاعد التوتر بين الجيش وقوات الدعم السريع، مع انهيار اتفاق الهدنة وتعزيز الجيش لإمداداته استعدادًا لمواجهة محتملة.
- تدمير 11 قرية ونزوح 36 ألف شخص بضواحي الفاشر، وسط نفي قوات الدعم السريع لمهاجمة المدينة، التي تعاني من نقص حاد في المياه والكهرباء واكتظاظ المدارس بالنازحين.

أطاحت الهجماتُ التي وقعت حول مدينة الفاشر السودانية في ولاية شمال دارفور، الهدنةَ التي كانت تحمي المدينة من حرب مستعرة منذ عام، الأمر الذي أدّى إلى تحذيرات من موجة جديدة من العنف الطائفي، ومخاطر إنسانية على 1.6 مليون من السكان المتكدّسين في عاصمة ولاية شمال دارفور.

والفاشر هي آخر مدينة رئيسية في إقليم دارفور الشاسع في غرب البلاد، لا تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع شبه العسكرية. واجتاحت قوات الدعم السريع وحلفاؤها أربع عواصم ولايات أخرى في دارفور العام الماضي، وأُلقي اللوم عليها في حملة من عمليات القتل ذات الدوافع العرقية ضدّ الجماعات غير العربية، وغيرها من انتهاكات في غربي دارفور. ويقول سكّان ووكالات إغاثة ومحللون إنّ القتال من أجل السيطرة على الفاشر، وهي مركز تاريخي للسلطة، قد يطول أمده ويؤجج التوترات العرقية، التي ظهرت في الصراع الدائرة رحاه منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في المنطقة، ويمتدّ عبر حدود السودان مع تشاد.

يقدّر عدد من غادروا الفاشر بنحو نصف مليون شخص نزحوا خلال الصراع السابق، عندما قام الجيش، بمساعدة المليشيات العربية، التي أصبحت فيما بعد قوات الدعم السريع، بإخماد تمرّد الجماعات المتمردة غير العربية. ونزح نحو نصف مليون شخص إضافي إلى المدينة خلال الحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، في إبريل/ نيسان 2023، مع وصول التوتّر المستمر منذ فترة طويلة بشأن دمج القوّتين إلى ذروته.

ومع امتداد الحرب إلى أجزاء أخرى من البلاد، توسّط القادة المحلّيون لإبرام اتفاق هدنة في الفاشر، واقتصر وجود قوات الدعم السريع على المناطق الشرقية من المدينة، بينما ظلّت الجماعات المتمردة السابقة على الحياد. لكن هذا الترتيب انهار بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على بلدة مليط هذا الشهر، مما أدى إلى حصار الفاشر فعلياً. ويقول شهود إن الجيش عزز الإمدادات والقوات، بما في ذلك من خلال إنزال جوي لقاعدته في المدينة، على عكس ما حدث في عواصم الولايات الأخرى حيث فر الجنود بسرعة. وقالت جماعتان متمردتان سابقتان بارزتان، هما جيش تحرير السودان بزعامة مني مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، إنهما ستتصديان أيضا لقوات الدعم السريع.

ويشعر العديد من غير العرب في الفاشر بالخوف. وقال محمد قاسم (39 عاما)، وهو أحد السكان، لـ"رويترز" عبر الهاتف: "ما عارفين نعمل شنو. الفاشر خطرة والخروج من الفاشر أخطر".

قرى مدمرة

قال إسماعيل خريف، الناشط في مخيم أبو شوك للنازحين في المدينة، إنّه حتى قبل انهيار الهدنة، أدّت المناوشات المتفرّقة إلى مقتل أكثر من 220 شخصاً في الفاشر العام الماضي. وأضاف أنّ الاشتباكات التي وقعت في 16 إبريل خلّفت 18 قتيلاّ على الأقل. ويقول هو وسكّان آخرون إنّ إطلاق النار والقذائف، بما في ذلك من طائرات الجيش الحربية أصاب المنازل.

ومنذ بداية الشهر، دُمّر ما لا يقل عن 11 قرية في ضواحي الفاشر، وفقاً لصور الأقمار الصناعية التي حصل عليها مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة يال. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ ما لا يقل عن 36 ألف شخص نزحوا. وألقى ناشطون محلّيون، ومتحدث باسم حركة تحرير السودان، اللوم على قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها، التي عُرف عنها استخدام الحرق العمد في هجمات سابقة، بما في ذلك في غرب دارفور. وقال ناشطون إنّ الناجين من الهجمات أبلغوا عن مقتل نحو عشر أشخاص، وإنّ المهاجمين استخدموا إهانات عرقية.

ونفت قوات الدعم السريع مهاجمة الفاشر، وقالت إنّها حرصت على إبقاء الاشتباكات بعيدة عن المدنيين في المدينة، واتهمت الجيش والفصائل المتحالفة معه بمهاجمتها على مشارفها. ونفت قوات الدعم السريع في السابق مسؤوليتها عن العنف العرقي في دارفور. ولم يرد الجيش على الفور على طلبات بالتعقيب.

وقال مدير منظمة براكتكال أكشن في دارفور، عوض الله حامد، متحدثاً لـ"رويترز"، من المدينة التي لا يوجد فيها سوى عدد قليل من العاملين في المجال الإنساني الدولي، إنّ الفاشر نفسها لم تعد بها مياه جارية أو خطوط كهرباء عاملة منذ عام. وأضاف أنّ مستشفى عام واحد فقط يعمل، بينما تكتظّ المدارس والمباني العامة بالنازحين.

وقال جيروم توبيانا، الخبير في شؤون دارفور ومستشار منظمة أطباء بلا حدود الخيرية، إنّ القتال الشامل "يهدد بالفعل بتعقيد وصول المساعدات الإنسانية، في وقت تظهر فيه البيانات المتاحة أن الفاشر تعاني من أزمة غذائية خطيرة للغاية".

مخاطر اتساع رقعة الصراع

منذ بدء الحرب، لم تدخل سوى كميات صغيرة من المساعدات إلى الفاشر، وهي القناة الوحيدة التي وافق عليها الجيش للشحنات إلى أنحاء أخرى من دارفور. ويقول السكان إنّه على الرغم من أنّ الأسواق تعمل، إلا أنّ سيطرة قوات الدعم السريع على الطريق الرئيسي تسببت في ارتفاع أسعار الوقود والمياه والسلع الأخرى. كما أثارت التوترات وأعمال العنف الأخيرة حول الفاشر مخاوف بشأن اتساع رقعة الصراع.

وتنحدر الجماعات المتمردة السابقة التي تقاتل إلى جانب الجيش من قبيلة الزغاوة، التي تمتدّ عبر الحدود إلى تشاد، ويعتبر الزعيم التشادي محمد إدريس ديبي أحد أبنائها. ويقول محللون إنّ مصادمات تنشب منذ أمد طويل بين القبائل العربية وغير العربية مثل الزغاوة حول الأراضي والموارد القيمة في دارفور. ومما يزيد الأمور تعقيداً دخول القوات التابعة لموسى هلال، وهو قائد عربي بارز من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومنافس لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، على الرغم من انتمائه إلى نفس القبيلة. وأكّد متحدث باسم مجلس الصحوة الثوري تسجيلاً مصوراً لهلال وهو يخاطب القوات في شمال دارفور، يوم الاثنين، لكنّه قال إنّه من السابق لأوانه القول ما إذا كانت القوات ستنضم إلى القتال في الفاشر أو في أي مكان آخر.

وقال يوناس هورنر، وهو محلل سوداني مستقل "حتى لو كان هناك وقف لإطلاق النار بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فإنّ الأمر أكبر من ذلك. ثمة حسابات يجري تسويتها وتوتّر يتجدد".

(رويترز)