انهيار الجيش الأفغاني أمام "طالبان": التخلي الأميركي والفساد الداخلي

21 اغسطس 2022
عانى الجيش الأفغاني من تدخلات سياسية (زكريا هاشمي/فرانس برس)
+ الخط -

بعد مرور عام على سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، إثر الانسحاب الأميركي من البلاد، لا يزال الانهيار السريع للجيش الأفغاني أبرز محاور النقاشات والتساؤلات حول أسبابه وخلفياته، خصوصاً أنه أدى إلى تسرب أسلحة أميركية إلى الحركة.

ومع أن كثيرين يعتبرون أن الجيش الأفغاني بدأ يتراجع في الأسابيع الأخيرة ما قبل سيطرة "طالبان" على كابول والمناطق الأفغانية بكاملها، لكن خبراء ومتابعين لمسار الحرب في أفغانستان، يشيرون إلى أن الجيش بدأ يفقد السيطرة في مواجهة "طالبان" منذ بداية الولاية الثانية لحكومة أشرف غني (في مارس/آذار 2020)، بسبب الانقسام السياسي والخلافات الحادة بين شريكي الحكم، أشرف غني وعبد الله عبد الله، اللذين تقاسما الوزارات، لتكون وزارة الداخلية مع غني والدفاع مع عبد الله.

ويضيف هؤلاء سبباً رئيسياً آخر، وهو الخلافات بين الحكومة الأفغانية، وتحديداً أشرف غني، وبين الإدارة الأميركية، لا سيما حيال عملية السلام مع "طالبان"، وهو ما جعل العسكريين الأميركيين يعتقدون أن الجيش الأفغاني لن يصمد في وجه زحف الحركة؛ بالتالي بدأوا يخططون لما بعد انهيار الجيش والحكومة معاً.

لمّح غني إلى أن السبب الرئيسي في انهيار المؤسسة العسكرية كان تخلي الولايات المتحدة عنها

ولمّح غني إلى أن السبب الرئيسي في انهيار المؤسسة العسكرية كان تخلي الولايات المتحدة عنها. وقال في مقابلة مع شبكة "أي بي أن" الأفغانية، في 10 أغسطس/آب الحالي، إن الأميركيين مهدوا لانهيار الحكومة، بمنح كل عناصر القوات الخاصة الأفغانية تأشيرات أميركية قبل أن يحصل بأفغانستان ما حصل، ولم تُبقِ واشنطن من تلك القوات شخصاً إلا وأخرجته من البلاد.

كما لمّح إلى أن قيادة القوات الأميركية في أفغانستان طلبت منه الحفاظ على كابول ومدينة قندهار، بعد الانسحاب من المناطق الأخرى لصالح "طالبان"، لكنه رفض الفكرة، لأنها كانت تضر باللحمة الوطنية وسيادة الدولة، وتخلق انقساماً يضر بمصلحة البلاد، على حد قوله.

الأمر نفسه أكده الطيار الأفغاني محمد إدريس مهمند، الذي هرب بمروحيته إلى ولاية كنر بعد أن أُمر بالخروج من البلاد والذهاب إلى أوزبكستان. وقال في تصريح في 16 أغسطس الحالي، إن القوات الأميركية أمرت جميع الطيارين قبل دخول "طالبان" إلى كابول بالتوجه بطائراتهم إلى أوزبكستان، وبعض الطيارين لبّوا هذا الطلب، لكنه كان من بين الطيارين الذين رفضوا ذلك وأقلع بمروحية نحو كنر بعد التنسيق مع "طالبان"، مضيفاً: "الطائرات ملك بلادنا، والوطن مثل الأم، الخيانة معها جريمة لا تغتفر".

الدور الأميركي بانهيار الجيش الأفغاني

وقال المحلل الأمني الأفغاني أحمد سعيدي، لـ"العربي الجديد"، إن انهيار الجيش الأفغاني لم يكن من داخله، أو لأنه لم يكن قادراً على القتال، لكن ما حصل كان بسبب قرار الولايات المتحدة التي قررت إيصال "طالبان" إلى السلطة، بعد أن تصالحت معها".

وأضاف: "أوقفت واشنطن الكثير من الدعم للجيش، خصوصاً لسلاح الجو، كما أرغمت الحكومة الأفغانية على إطلاق سراح 7000 عنصر من "طالبان"، مقابل عدم تقديم شيء من الحركة سوى المصالحة مع واشنطن". وتابع: "انهيار الجيش الأفغاني ليس بسبب عدم الكفاءة، بل لأن أميركا التي كانت تدعمه قررت القضاء عليه، وهو كان انهياراً سياسياً أدى إلى انهيار المؤسسة العسكرية".

وفي السياق، شرح المحلل الأمني أسد الله نديم، لـ"العربي الجديد"، أن الجيش الأفغاني كان جيشاً مدرباً نسبياً، ولديه ميزانية كافية، ومن الناحية اللوجستية كان قوياً، لكن ثمة دوافع أدت إلى انهياره أسرع مما يتصور. ولفت إلى أن الجيش واجه حرباً مستمرة منذ 2014 وكان يُقتل منه يومياً ما بين 100 و150 عنصراً، وهذه الخسارة كبيرة وتؤثر على معنوياته، وعلى النتائج الميدانية بشكل مباشر.

وأوضح أن من بين الأسباب الرئيسية وراء انهيار الجيش الأفغاني أيضاً أن الرئيس الأفغاني هو القائد الأعلى للجيش بموجب الدستور، وخلال العقدين الماضيين لم يكن حامد كرزاي وأشرف غني أهلاً لقيادة الجيش، بل اتخذا قرارات أدت إلى اضمحلال قوة الجيش وفقدان السيطرة.

ولفت نديم إلى أن الطيف السياسي في البلاد كان يتدخّل في شؤون الجيش، ليس فقط الرئيس، بل حتى الوزراء، ونواب البرلمان، وبعض الزعماء القبليين والقادة الجهاديين في الحكومة أو المقربين من السلطة والقوات الأميركية، وكانوا يقومون بتوزيع المناصب في الجيش ومنح الرواتب. واعتبر أنه كان لهذا الأمر أثر كبير في انقسام الجيش وانهياره، على الرغم من أنه كان يحارب بشراسة وأثبت أنه لا يتهرب من الحرب.

ويشير مراقبون أيضاً إلى أن من بين الأسباب الرئيسية تعيين شخصيات غير كفوءة في مناصب عليا في الجيش أو إدارة المؤسسات الأمنية، إما لقربها من الحكومة والرئيس تحديداً، أو من القوات الأميركية. على سبيل المثال مستشار الأمن القومي الأفغاني حمد الله محب الذي كانت تحت إدارته وزارتا الدفاع والداخلية والاستخبارات، وكانت معظم التعيينات في الجيش تصدر من مكتبه، فشل غني في إزاحته من منصبه لأنه كان من المقربين من الولايات المتحدة.

وضع عناصر الجيش الأفغاني

ويواجه عناصر الجيش السابق أوضاعاً صعبة في أفغانستان اليوم، بعدما بات معظمهم بلا عمل. ولفت الضابط السابق في الجيش، العميد محمد فايض سيدخيلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن معظم عناصر الجيش الذين بقوا في أفغانستان يواجهون ظروفاً معيشية قاسية، مشيراً إلى أن القليل منهم، وهم التقنيون، تم استدعاؤهم إلى العمل، بينما خرج كبار الضباط وعناصر القوات الخاصة إلى دول أوروبية.

يقول محللون إن من أسباب انهيار الجيش تعيين شخصيات غير كفوءة في مناصب عليا لقربها من الرئيس، أو القوات الأميركية

وقال إن "الجيش الأفغاني لم يكن يتصور أن يستسلم أبداً ويلقي السلاح، بل كان يقاوم بكل جرأة، ولكن القيادة العليا قررت للأسف إلقاء السلاح في وجه "طالبان" من دون مقاومة". لكنه لفت إلى أن "الكثيرين رفضوا ذلك، خصوصاً الضباط، ولكن كان القرار من السلطات العليا ألا نقاتل".

وتابع: "الدليل هو أن الولايات المتحدة توصلت إلى حل مع طالبان وكانت تريد القضاء على الحكومة السابقة لكن ربما بعد حرب، لذا قررت الحكومة أن يستسلم الجيش وأن يلقي السلاح، تاركا الساحة أمام طالبان كي لا تقع الحرب".

من جهته، رأى الضابط السابق في الجيش، الذي طلب تسميته عبد الرحمن، لدواعٍ أمنية، أن أميركا كانت تريد القضاء على الحكومة بعد أن يئست منها وبعد أن تصالحت مع "طالبان"، ولكنها في الوقت نفسه لم ترغب بأن تسيطر "طالبان" على كل أفغانستان.

وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد": "كانت واشنطن تريد أن تحافظ الحكومة على بعض المدن ككابول وقندهار، وبالتالي تتيح الفرصة لتشكيل حكومة تكون "طالبان" جزءاً منها، والجزء الآخر هم من جبهة الشمال السابقة ومن أمراء الحرب كالجنرال عبد الرشيد دوستم ومعسكر عبد الله عبد الله وبعض الموالين للغرب، لكن معسكر غني أفشل الخطة، وترك كل أفغانستان للحركة، وبذلك خلط الأوراق.

الأسلحة الأميركية بيد "طالبان"

بعد انهيار الجيش الأفغاني الذي أنفقت الولايات المتحدة عليه مليارات الدولارات خلال 20 عاماً ما بين تدريب وتجهيز، استولى عناصر "طالبان" على جزء كبير من الأسلحة الأميركية، وهو ما وضع الإدارة الأميركية في موقف محرج.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن في يوليو/تموز الماضي: "قدّمنا لشركائنا الأفغان كل الأدوات، إلا أن عناصر قوات الأمن الأفغانية لم يُبدوا رغبة كبيرة في القتال، وألقى الآلاف من بينهم أسلحتهم، أحياناً بلا أدنى مقاومة، وسارع مقاتلو طالبان من جانبهم إلى وضع يدهم على تلك الأسلحة".

من جهته، علّق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في بيان قبل أيام، على الانسحاب الأميركي بالقول إنها "كانت أكثر الأحداث المخزية وعديمة الكفاءة في تاريخ الولايات المتحدة"، مضيفاً: "تركنا العديد من الأميركيين وراءنا وقدمنا للعدو أفضل الأسلحة في العالم التي تبلغ قيمتها أكثر من 85 مليار دولار".

دمرت القوات الأميركية 73 طائرة ومروحية قبل مغادرتها مطار كابول

وذكر تقرير للمفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) نُشر قبل أيام، أن أكثر من 7 مليارات دولار من المعدات العسكرية الأميركية كانت مقدّمة للحكومة الأفغانية سقطت في أيدي "طالبان" بعد سيطرتها على كابول.

وأكد التقرير أن الجيش الأميركي "أزال تقريباً كل المعدات الرئيسية" خلال الانسحاب، باستثناء بعض المركبات التكتيكية التي نُقلت إلى وزارة الدفاع الأفغانية في بداية العام الماضي، فضلاً عن مركبات أخرى متقادمة جرى تدميرها. وأضاف أن العتاد المفقود يشمل طائرات عسكرية بقيمة تتجاوز 923 مليون دولار، بعضها منزوع السلاح وأصبح غير صالح للعمل أثناء الإخلاء، و294 مليون دولار في هيئة ذخائر للطائرات.

وكان "المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان" (سيغار)، قد أشار في تقرير صدر عنه في يوليو/تموز 2021، إلى أن الولايات المتحدة أنفقت 82.9 مليار دولار على قوات الدفاع والأمن الوطنية خلال 20 عاماً، بما في ذلك ما يقارب الـ19 مليار دولار تم إنفاقها بين عامي 2002 و2009. وهذه الأموال جميعها وُجّهت إلى تدريب وتجهيز وإيواء الجيش والشرطة الأفغانية، والأسلحة جزء من هذه الأموال.

لكن القوات الأميركية كانت قد دمرت 73 طائرة ومروحية قبل مغادرتها مطار كابول في أغسطس 2021. وقال قائد القوات المركزية الأميركية السابق فرانك ماكنزي، في تصريح له في 31 أغسطس 2021، إن الجيش الأميركي أعطب طائرات ومدرعات قبل انسحابه من مطار كابول، مؤكداً في الوقت ذاته أن معظم الطائرات التي تركناها في أفغانستان كانت خارج الخدمة. وكشف أن الجيش الأميركي دمر 70 عربة مصفحة مضادة للألغام و27 مدرعة هامفي في مطار كابول، بالإضافة إلى 73 طائرة.

وكان الجيش الأفغاني يمتلك 167 طائرة ومروحية، تم نقل بعضها إلى أوزبكستان قبل انهيار القوات الأفغانية. وأعلنت الحكومة الأوزبكية، في بيان في 17 أغسطس 2021، أن 46 مروحية وطائرة حربية أفغانية هبطت في مطار ترمز، بعد أن هرب على متنها 585 جندياً أفغانياً. كما أسقط في اليوم نفسه سلاح الجو الأوزبكي مروحية أفغانية دخلت إلى أجواء البلاد من دون علم السلطات. ورفضت أوزبكستان مطلب "طالبان" بتسليم تلك المروحيات والطائرات إليها.

في المقابل، فإن الأسلحة الأخرى بقيت في يد "طالبان"، في ظل خشية من تهريبها إلى باكستان وإيران. وفي 8 يونيو/حزيران الماضي، أعلن المتحدث باسم الخارجية الأفغانية عبد القاهر بلخي، في بيان، أن إيران سلمت "طالبان" الأسلحة والمعدات العسكرية التي هرب بها عناصر الجيش السابقون إلى إيران، بما فيها الأسلحة والمعدات الأميركية، من دون الحديث عن كمية تلك الأسلحة.

من جهتها، أعلنت الحكومة الباكستانية في فبراير/شباط الماضي، على لسان وزير الداخلية السابق شيخ رشيد، أن الأسلحة الأميركية وصلت إلى أيادي حركة طالبان الباكستانية التي تستخدمها في الأعمال العسكرية في باكستان.

لكن وزير الدفاع الأفغاني المولوي محمد يعقوب، قال في حوار مع التلفزيون الوطني في 14 فبراير، إن كل الأسلحة التي تركتها القوات الدولية "هي في أيدينا، ولنا آلية خاصة للاحتفاظ بها، فبلادنا بحاجة إليها، بالتالي من المستحيل جدا أن تخرج تلك الأسلحة إلى أي جهة خارج أفغانستان، وما يُروّج له بهذا الشأن غير صحيح". ولكن على الرغم مما تقوله "طالبان"، إلا أن تجارة الأسلحة الأميركية باتت منتشرة بشكل واسع في مناطق جنوب وشرق أفغانستان وفي شمال غرب باكستان.


 

المساهمون