انقلاب في أفريقيا... فتش عن فرنسا

08 سبتمبر 2021
آخر الانقلابات في أفريقيا حدث في غينيا (سيلو بيناني/فرانس برس)
+ الخط -

حيثما كان هناك انقلاب في أفريقيا، فتش عن اليد الفرنسية، فلا يحدث انقلاب في دولة أفريقية من دون أن تكون لفرنسا يد تدبير ودور ومصلحة. تتخلص باريس سريعاً من القادة الأفارقة حالما تشعر بأن صلاحيتهم السياسية بالنسبة لمصالحها قد انتهت. كما أن خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي في البلدان الأفريقية من مستعمراتها القديمة، سبيل تقليدي لإبقاء الهيمنة الفرنسية على مقدرات هذه البلدان التي ما زالت تصب عائداتها في البنوك الفرنسية.

آخر الانقلابات في أفريقيا حدث الأسبوع الماضي في غينيا، وقائد الانقلاب هناك، مامادي دومبويا، تدرب في فرنسا وتزوج من فرنسية، عمل في اللفيف الأجنبي (الفيلق) التابع للجيش الفرنسي، وقاتل مع هذا اللفيف في عدد من الدول، وتلقى دورة تدريبية في إسرائيل في خصوصيات الأمن، قبل أن يسلّمه الرئيس ألفا عمر كوندي قيادة قوات النخبة الخاصة. وقبل انقلاب غينيا حدثت انقلابات متتالية في كل من مالي والنيجر. يمثل البلدان وأفريقيا منطقة بالغة الحيوية بالنسبة لفرنسا التي تستغل مناجم الذهب في مالي، وتستخرج 30 في المائة من اليورانيوم من النيجر لتشغيل مفاعلاتها النووية، وتطبع العملة لصالح 14 دولة أفريقية ما زالت تستخدم الفرنك الفرنسي القديم.

هذه الحقائق ليست خافية على أحد، وبين الحين والآخر يذكّر ساسة أوروبيون باريس بقذارة استغلالها المقيت لأفريقيا، وإن كان ذلك يُستخدم للسجال السياسي أكثر منه حباً في أفريقيا. وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو طالب "أوروبا بأن تتحلى بالشجاعة، وأن تواجه قضية إنهاء الاستعمار الفرنسي في أفريقيا"، وزعيمة حزب "إخوة إيطاليا"، النائبة جيورجيا ميلوني، قالت إن فرنسا "تستحوذ على المواد الأولية واليورانيوم في النيجر، بينما 90 في المائة من سكان النيجر يعيشون من دون كهرباء".

في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، أعلن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند عن تخلي بلاده عن سياسة تعرف بـ"فرنسا أفريقيا" ذات المضمون الكولونيالي، وأعلن عن توجّه جديد يقوم على الشراكة مع أفريقيا. لكن باريس التي تستغل نفوذها وتحكّمها في الشركات واقتصاديات وجيوش دول أفريقيا، تراجعت عن ذلك سريعاً، وتدخّلت عسكرياً في كل من مالي والنيجر وتشاد وساحل العاج وأفريقيا الوسطى ودول أخرى. تشعر باريس بأنها تفقد تدريجياً مصالحها الحيوية مع دخول قوى لفواعل دولية مهمة إلى الساحة الأفريقية، كالصين وتركيا، وهي دول لا ترتبط بخلفيات استعمارية مع أفريقيا، وتقترح في الأثناء أشكالاً جديدة للشراكة والتنمية، وقد برزت بعض نتائج هذه الشراكات الناجحة في الصومال ودول أخرى.

ثمة نموذج رائد في أفريقيا، نجح في التخلص من الهيمنة الفرنسية التي حلّت محل المحتل البلجيكي، وإن كان ثمن ذلك باهظاً. عبرت رواندا حرباً أهلية دامية، منتصف التسعينيات، كانت فرنسا غارقة في إشعالها حتى أخمصي قدميها، وفي لحظة تاريخية قررت رواندا الخروج من دائرة النفوذ الفرنسي، وعمدت إلى تحويل نظام التعليم من الفرنسية إلى الإنكليزية، وانسحبت من منظمة الفرانكفونية، وقطعت العلاقات مع فرنسا لثلاث سنوات وأغلقت عدداً من المؤسسات الفرنسية التي كانت تمثل رأس الحربة في الهيمنة الفرنسية الثقافية والاقتصادية.

المساهمون