يستكمل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر حربه ضد المدنيين وحراكهم الشعبي. وعبر استعارته أوصافاً واتهامات عديدة، بدا كأنه يحاول تأليب الشارع العراقي عموماً عليهم، وتبرير هجوم أنصاره الدامي الأخير في الناصرية جنوب العراق، والذي أزهق أرواح 8 متظاهرين، وأصاب عشرات آخرين.
وفي أحدث هجوم له، صوّب الصدر، في بيان قبل أيام، على الحزب الشيوعي العراقي، بعد أن دخل الأخير في تحالف مثير للجدل مع الصدر منتصف يناير/كانون الثاني عام 2018، وخاضا الانتخابات معاً. لكن سرعان ما استولى الصدر على قرار التحالف، مع تغييب واضح للطرف الثاني فيه، وهم الشيوعيون، الذين انحازوا تماماً لجانب المتظاهرين عقب تفجر الاحتجاجات في البلاد، قبل أن يعلنوا صراحة انخراط كوادر الحزب مع الانتفاضة الشعبية التي اجتاحت بغداد و13 مدينة وبلدة جنوب ووسط البلاد.
اعتبرت مصادر مقربة من الحزب الشيوعي أن التحالف مع تيار الصدر لن يتكرر كونه تجربة فاشلة
ووصف الصدر، الخميس الماضي، المدنيين والشيوعيين بالخونة. وقال، في بيان، اعتبر أنه لتوضيح دعوته لإعادة ترميم "البيت الشيعي"، إنه "أول من سارع سابقاً إلى جمع الفسيفساء العراقية من خلال ضم الأقليات التي وجدت ملجأ سياسياً آخر، فلم يعودوا يحتاجون للتيار الصدري". وأضاف "نحن أول من أسس للتعاون المدني الإسلامي من خلال التعاون السياسي والانتخابي مع المدنيين والشيوعيين، وما أسرع خيانتهم لنا وإعلان العداء لنا وإلى يومنا هذا". وتابع "إننا حينما نقول لا بد أن تكون الانتخابات المقبلة صدرية محضة، فإننا نريد تجنب التجارب السياسية السابقة الفاشلة"، في إشارة للحزب الشيوعي الذي لم يرد لغاية الآن على الصدر. وقال الصدر "إذا كان التشدد والفساد واضحاً عند بعض الكتل الشيعية كما تدعون أو ندعي، فهو واضح أيضاً على التوجهات المدنية أيضاً، من خلال ما يقوم به بعض الجوكرية في ساحات الاحتجاج الإصلاحية السلمية المقدسة من حرق وصلب وقطع وتحريض على حمل السلاح".
وتطلق مليشيات، مدعومة من إيران، تسمية "الجوكرية" على الناشطين في الحراك الاحتجاجي منذ انطلاقه مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019. وقالت مصادر مقربة من الحزب الشيوعي العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن التحالف السابق مع تيار الصدر انتهى فعلياً، ولن يتكرر، كونه تجربة فاشلة، تسببت بخلافات حادة في صفوف الشيوعيين داخل العراق والكوادر الموجودة خارجه. ورد قيادي في الحزب عن سبب عدم الإعلان عن انفكاك التحالف بالقول "الانفكاك منذ أشهر طويلة وليس الآن، والصدر أثبت أنه لا يمكن العمل معه كشريك، بل يريد تابعاً وهو ما لا يناسب الحزب".
وقال النائب السابق عن حركة الوركاء الديمقراطية جوزيف صليوا إنه "ليس من أخلاق الشيوعيين والمدنيين الحقيقيين الانقلاب أو الخيانة"، في إشارة إلى بيان الصدر. وأضاف "ربما هم أصبحوا عبر التاريخ ضحية لانقلاب الآخرين عليهم، والخيانة من قبل الآخرين". وبين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه الحوادث مثلت لهم عِبراً في الحياة السياسية، لاعتقادهم بأنهم مطالبون باتخاذ موقف حين تسير الأمور في الاتجاه الخاطئ. وأوضح أن المدنيين يعتقدون أن الأمور سارت خلال الفترة الماضية بالاتجاه الخاطئ، وبخلاف ما تم الاتفاق عليه، مؤكداً أنهم لم يخونوا أحداً بل التزموا بالاتفاقيات.
وقلل صليوا من أهمية تأثير تخلي الصدر عن المدنيين على حظوظهم في الانتخابات المبكرة، المقرر أن تجرى في السادس من يونيو/حزيران 2021، موضحاً أن هذا الموقف لن يضعفهم، لأن المدنيين أقوياء بفكرهم ومبادئهم ووطنيتهم، وإن كانوا لا يمتلكون السلاح والمال وليس لهم سطوة في مؤسسات الدولة. وتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تغييرات في التحالفات السياسية، مضيفاً "لا خيار أمام المدنيين والشيوعيين إلا رص صفوفهم وتنظيم أنفسهم". وشدد على ضرورة إنهاء ظاهرة تعدد الزعامات عند البعض، مبيناً أن اقتراب المدنيين من بعضهم أكثر والنظر إلى مصلحة الوطن سيمثل سر قوتهم.
صليوا: ليس من أخلاق الشيوعيين والمدنيين الحقيقيين الانقلاب أو الخيانة
واعتبرت النائبة السابقة عن "التحالف المدني الديمقراطي" شروق العبايجي أن تجربة الشيوعيين بالتيار الصدري تعد خاصة بالحزبين، ولا يمكن أن تعمم على التيار المدني بشكل عام. وأكدت، لـ"العربي الجديد"، أن بعض المدنيين لم يوافقوا على تحالف الصدريين والشيوعيين ولم يشتركوا به. وقالت "كنا نعتقد أن هذا التحالف غير صحيح في وقته، لأنه جاء في فترة صعود التيار المدني والرغبة الجماهيرية في التغيير والمطالبة بالدولة المدنية. وبالتالي جاء هذا التحالف ليحد من هذه الهبة الجماهيرية باتجاه الدولة المدنية". وأضافت "بالفعل تمت السيطرة على المشروع من قبل الصدريين، واستخدامه للوصول إلى البرلمان والسلطة والنفوذ داخل الحكومة الجديدة، وبالنتيجة نُبذت كل المبادئ المدنية التي كان يفترض أن يحتويها المشروع السياسي لهم".
وبشأن هجوم الصدر على الشيوعيين والمدنيين، قالت العبايجي إنه كان متوقعاً في ظل احتدام الصراع السياسي في العراق وعودة الاستقطابات، مبينة أن هذه الأمور تشير إلى وجود صراع للتمسك بالسلطة. واعتبرت أن الشارع العراقي يرفض كل منظومة السلطة القائمة على أساس المحاصصة السياسية والطائفية، موضحة أن الصدر تخلى عن الشيوعيين وليس كل المدنيين، لأن ليس جميع المدنيين تحالفوا سابقاً مع التيار الصدري. ولفتت إلى أن موقف الصدر سيقوي المدنيين، لأن جبهة التيار المدني ستكون واضحة، وأشخاصها وبرامجها وأهدافها ستكون واضحة أيضاً. وأشارت إلى أن التحالف السابق تسبب بتشويش الصورة عند الجماهير، وأوصل صورة بأن المدنية يمكن أن تقبل بالمحاصصة، في حين أن هذا الأمر مرفوض من قبلها بشكل قاطع.
وتابعت العبايجي "من حق أي تيار سياسي تقديم نفسه للجماهير كما هو، ومن حق الناس بعدها أن تختار بطريقة ديمقراطية دون تهديد، أو استخدام وسائل غير مشروعة، ونحن مع المعارك الانتخابية السلمية". وأوضحت أن المدنيين سيبقون كما هم، وأن التحالفات ستكون باتجاه تشكيل "تحالف تشريني مدني"، لأن المدنيين لديهم مبادئ واضحة لترسيخ ركائز الدولة المدنية التي نادت بها ثورة أكتوبر/تشرين الأول 2019 كونها حاجة موضوعية، وستكون صورة تشرين المدنية الأوضح والأبرز.
في المقابل، رأى سياسي بارز مقرب من التيار الصدري أن دعوة الصدر لتشكيل تحالف سياسي واسع لم تستهدف أحداً، بل ستكون منطلقاً للتحالف مع بقية القوى من المكونات الأخرى خلال الفترة التي تلي الانتخابات المبكرة. وبين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن زعيم التيار لم يقصد الإساءة للشيوعيين والمدنيين في حديثه الأخير، بل كان بصدد تقييم تجربته في التحالف معهم، التي يعتقد أنها لم تكن ناجحة. وأوضح أن جميع المعطيات تشير إلى أن تحالفات ما بعد انتخابات 2021 ستكون مختلفة بشكل كبير عن الفترة التي تلت انتخابات 2018، لوجود كثير من المتغيرات، ربما أبرزها التظاهرات التي غيرت كثيرا من المفاهيم السياسية، وأعادت توجيه بوصلة التحالفات.
ويدافع نواب في تحالف "سائرون"، التابع للتيار الصدري، عن دعوة زعيم التيار لترميم "البيت الشيعي". وأكد عضو البرلمان عن التحالف أمجد العقابي، في وقت سابق، أن هذه الدعوة جاءت من أجل وضع حد للهجمات التي تتعرض لها "الشخصيات الوطنية والمذهب من قبل مندسين"، موضحاً أن هدف المبادرة عقائدي وليس سياسيا من أجل إنقاذ الوضع الراهن، على حد قوله.
وأوضح عضو التيار المدني أحمد الياسري، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "حرب الصدر على المدنيين واللا دينيين قد يكون تكليفاً جديداً له"، وفقاً لتعبيره. وقال "من الطبيعي أن يتم الزج بالصدر ضد المدنيين، فلو تصدى لهذه المهمة قادة المليشيات التابعة لإيران، مثل قيس الخزعلي (زعيم عصائب أهل الحق)، أو أبو آلاء الولائي (زعيم كتائب سيد الشهداء)، أو أكرم الكعبي (زعيم حركة النجباء)، لكانت النتائج معاكسة، وتعاطف الشارع العراقي أكثر مع المدنيين". وبين أن "الصدر يلعب دوراً مارسته المليشيات، ويبدو أنه يخسر في هذا الدور أيضاً".
وكان الصدر دعا، مطلع الشهر الحالي، للعودة إلى مفهوم البيوت الطائفية، من خلال دعوته إلى "ترميم البيت الشيعي"، ومطالبته الكتل السياسية الأخرى بالاستجابة له، تحت مزاعم التعدي على الدين والقيم. ورحبت مليشيات عراقية مسلَّحة مرتبطة بإيران بدعوة زعيم التيار الصدري الأخيرة، وذلك في تناغم جديد بين الطرفين، بعد تأييد سابق لموقف الصدر من المتظاهرين والمعتصمين في مدن جنوب ووسط العراق وبغداد ودعوته الحكومة إلى فض الاحتجاجات.