أعاد التمرد الذي قاده مؤسس مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين خلال 36 ساعة، يومي الجمعة والسبت الماضيين، إلى الواجهة النقاشات حول مسألة سن قانون ينظم أعمال الشركات العسكرية الخاصة في روسيا، لمنع تكرار ما حدث.
إلا أن النقاشات الأولية حول وضع قانون كهذا، رغم أنه تأخر كثيراً، أظهرت الانقسام العميق بين مختلف أجنحة النخبة السياسية الروسية حول مسألة تقنين الشركات العسكرية الخاصة، وسط صدور تصريحات متضاربة ومواجهة روسيا معضلة بين السماح رسمياً بكسر احتكار الدولة لحق استخدام القوة وخطر تكرار حوادث خروج الشركات العسكرية عن السيطرة.
ودفع هذا التضارب في الرؤى المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف للتوضيح أن الكرملين ليس لديه حتى الآن موقف واضح من مسألة الاعتراف بالشركات العسكرية على مستوى التشريع. وقال في تصريحات صحافية، أول من أمس الأربعاء: "حتى الآن ليس هناك موقف محدد من هذه المسألة. يجري نوع من النقاش وسيستمر".
تقنين الشركات العسكرية مسألة معقدة
في السياق، أشار الخبير في شؤون الشركات العسكرية الخاصة يفغيني بيرسينيف إلى أن مسألة تقنين مثل هذه الشركات في روسيا معقدة إلى حد كبير.
وقال بيرسينيف في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك انقساماً عميقاً داخل النخبة بين من يرى أنه يجب تنظيم الوجود الفعلي للشركات العسكرية الخاصة قانونياً، وآخرين يعتبرون أن ذلك يتعارض مع تقاليدنا العسكرية وثقافتنا السياسية والقانونية". واستبعد في الوقت نفسه احتمال سماح السلطات الروسية بتنامي نفوذ أي شركة عسكرية أخرى مثلما حدث مع "فاغنر".
يفغيني بيرسينيف: أستبعد سماح السلطات بتنامي نفوذ أي شركة عسكرية أخرى
ومع ذلك، اعتبر بيرسينيف أن حالة "فاغنر" التي لا سوابق تاريخية لها تتطلب حلاً قانونياً، مضيفاً: "لم تظهر فاغنر من الفراغ، وهناك شركات أخرى خارج الإطار القانوني، وهذا الوضع غير طبيعي. النخبة تدرك ذلك، ولكنها لا تعلم حتى الآن كيف يمكن حل هذه المسألة المعقدة. ربما سيتم تعزيز ربط الشركات العسكرية بوزارة الدفاع مثلما يحدث حالياً".
وحول احتمال تكرار تمرد شركة عسكرية على السلطة، أجاب بيرسينيف: "لا أعتقد أن تكرار ما حدث ممكن في المستقبل، لأن فاغنر هي تشكيل فريد من نوعه أنشئ فعلياً بتفويض من القيادة العليا للدولة وبعلمها ومباركتها وربما حتى بتكليف منها، ولكن السلطة لن تسمح بإنشاء شركات ذات نطاق واسع مثل فاغنر التي ضمت عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين، بل ستضع كافة التشكيلات العسكرية تحت مظلة وزارة الدفاع حتى لو لم يتم تقنينها".
ولفت بيرسينيف إلى أن سعي الدولة للسيطرة على الشركات العسكرية ليس ظاهرة روسية فقط، وأوضح أنه "في الولايات المتحدة تحولت شركة بلاك ووتر، المسماة حالياً أكاديمي، إلى ملحق للأجهزة الخاصة وحرمت من استقلاليتها. هذه المعضلة ليست روسية، بل هناك تساؤلات في العالم والدول المتقدمة أجمع حول حدود المسموح والممنوع على مسلحين لا يخضعون لرقابة الدولة".
تباين وجهات النظر في الدوما
بدوره، رأى رئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما (النواب)، أندريه كارتابولوف، في حديث لصحيفة "فيدوموستي" الروسية، الأحد الماضي، أن روسيا تحتاج إلى قانون ينظم أعمال الشركات العسكرية. وفي معرض إجابته عن سؤال عما إذا كان يمكن إعداد القانون وتبنيه في أقرب وقت، قال كارتابولوف: "نعمل على ذلك".
وأوضح أن الدوما بشكل عام ولجنة الدفاع على وجه الخصوص يواصلان العمل على كافة الاتجاهات المتعلقة بأعمال الهيكل المسلح للدولة، مقراً بأن الشركات العسكرية الخاصة هي أحد عناصره. غير أنه في تصريحات أخرى قال لوكالة "تاس" الروسية، الاثنين الماضي: "من الصعب الآن الحديث عن المواعيد، لأن هناك عملاً كبيراً... أعتقد أنه لن يتم أي شيء قبل الخريف المقبل".
كما قلل رئيس لجنة القانون الدستوري وبناء الدولة بمجلس الاتحاد (الشيوخ)، أندريه كليشاس، من ضرورة سنّ مثل هذا القانون، قائلاً في تصريحات لوكالة "إنترفاكس" الروسية: "وضع قانون منفصل للشركات العسكرية الخاصة لا أراه ملحّاً في الوقت الحالي".
أندريه كارتابولوف: روسيا تحتاج إلى قانون ينظم أعمال الشركات الخاصة
وعلى الرغم من أن "فاغنر" مصنفة كشركة خاصة، إلا أن الدولة الروسية وفّرت تمويلها في أوكرانيا بشكل كامل، من دون أن يضمن ذلك ولاء بريغوجين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأقر بوتين، خلال لقاء مع عسكريين، الثلاثاء الماضي، بأن الدولة كانت تغطي الإنفاق على شركة "فاغنر". وقال: "أريد أن يعلم الجميع ذلك: مولنا هذه المجموعة بشكل كامل بواسطة وزارة الدفاع وميزانية الدولة".
وأوضح أن الدولة دفعت للشركة أكثر من 86 مليار روبل (نحو مليار دولار وفقاً لسعر الصرف الحالي)، خلال الفترة من مايو/ أيار 2022 إلى مايو الماضي.