انتهى العدوان... المقاومة الشعبيّة مستمرة

27 يونيو 2021
تنوعت أشكال المقاومة الشعبية في الأراضي المحتلة (عباس مومني/فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل في فلسطين الحراكات الشعبيّة لمواجهة المخططات الاستعماريّة الإسرائيليّة التي تستهدف الفلسطينيين في كل مكان، فبؤرة الاحتجاج الأولى في حي الشيخ جرّاح التي أشعلت لهيب التصدي لمشروع التطهير العرقي في القدس منذ شهر مايو/أيّار، امتدت إلى مواقع أخرى تشهد مشاريع مشابهة مثل حي سلوان وقرية لفتا المهجّرة وقرية بيتا في جبل صبيح في نابلس، لتصبح المقاومة الشعبيّة حالة يوميّة تعيشها فلسطين منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزّة، وتُخرج طاقات خلّاقة يتصرّف فيها الفلسطينيون كشعب موحد مثلما حصل في أسبوع الاقتصاد الوطني، وغيرها من حراكات مستمرة يبادر لها ويقودها ناشطون شباب وحركات سياسيّة.

تهدئة حذرة

انتهى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة بعد أحد عشر يوما من المواجهات المسلّحة بين المقاومة الفلسطينيّة والاحتلال، دون أن يتغيّر شيء على أرض الواقع في القدس، إذ استمر الاحتلال في ممارساته القمعيّة في المسجد الأقصى ضد المصلين وإتاحة المجال للمستوطنين بتنفيذ اقتحاماتهم لباحاته، وحصار حي الشيخ جرّاح وقمع الاحتجاجات فيه و الاعتداء على الأهالي في سلوان باب العامود، وباتت حالة القمع الإسرائيليّة جزءًا من المشهد اليومي في حياة المقدسيين المعرّضين للاعتقال كل دقيقة.

لعل المتغيّر الوحيد هو تعامل إسرائيل الحذر في القدس بشكل أكبر من السابق كما حصل في ضبط مسيرة الأعلام الإسرائيليّة لليمين، في ظل السعي الدولي والعربي لتثبيت التهدئة وإدارة أميركيّة تضغط نحو ذلك، وولادة عسيرة لحكومة إسرائيليّة جديدة تواجه أسئلة جدية حول مدى استقرارها وطول عمرها، وخلافات عميقة تضرب المشهد السياسي الإسرائيلي الداخلي.

بازارات شعبيّة

وكانت تجلّيات المقاومة الشعبيّة الأبرز خلال شهر حزيران مبادرة "أسبوع الاقتصاد الوطني" (6 – 12 يونيو/حزيران)، وهي مبادرة فريدة وخلّاقة، كونها وجّهت نشاطها نحو داخل المجتمع الفلسطيني والسعي لاستنهاض طاقاته وإبراز إمكاناته عبر بوابة الاقتصاد الوطني. تحمل مبادرة هذا الأسبوع فكرة بسيطة تقوم على دعم المنتوجات الفلسطينيّة ومقاطعة الإسرائيليّة قدر الإمكان، وتشجيع فكرة "اشتر من بلدك" منتوجات لأصحاب مصالح ناشئة وصغيرة، بديلة عن المنتج الإسرائيلي والشركات الكبرى. لاقت الحملة تفاعلًا كبيرًا في كل فلسطين، وتزيّنت آلاف المحال التجاريّة في حيفا ويافا والناصرة ونابلس وطولكرم والقدس ورام الله وغزة حتى القرى الصغيرة بملصقات الحملة على مداخلها، ونُظّمت عشرات البازارات الشعبيّة في البلدات الفلسطينيّة، وفتحت أفقًا جديدًا للتفكير والعمل مستقبلًا.

تحوّلت البازارات الشعبيّة التي جمعت أصحاب مصالح صغيرة وأفرادا يعملون من منازلهم، إلى تظاهرات شعبيّة عرّفت الناس بما يوجد حولهم من إمكانات شرائيّة بديلة، رافقتها فعاليّات ثقافيّة وتحويل الحيّز العام إلى فضاء فلسطيني موحّد عابر للحدود والتجزئة، ومساحة للحراكات الشبابيّة لتعمل وتتشكل، خصوصًا بعد حملة القمع الوحشيّة التي مارستها إسرائيل من خلال الاعتقالات لضرب الحراك المدني، بالإضافة لتوسيع انخراط شرائح أوسع من الناس في الحراك الشعبي. فمن خلال البازارات؛ وُزّعت المناشير السياسيّة وقوائم منتوجات فلسطينيّة، ورُسمت جداريّات لفلسطين شارك فيها الأطفال، وتجمّع الناس حول حلقات الأغاني الوطنيّة.

وأصبحت المبادرات بعد هذا الأسبوع متعددة وغير محكومة بمركزيّة هرميّة، إذ تُبادر كل مجموعة شبابيّة أو سياسيّة في كل مكان إلى نشاط، ويجري تنسيق بين بعضها أيضًا، وتتنوع هذه النشاطات لتشمل المحاضرات وحلقات النقاش والندوات الرقميّة، وأيّام التطوع ورسم الغرافيتي وفعاليّات داخل الأحياء ووقفات دعم للمعتقلين وحملات تبرعات، بالإضافة لتواصل العمل في مواقع التواصل الاجتماعي والنشر والتوثيق وإنتاج المحتوى الخاص والحملات.

إرباك ليلي
وفي قضاء نابلس وفي قرية بيتّا تحديدًا، ظهرت خلال الأسابيع الأخيرة بؤرة جديدة للمقاومة الشعبيّة لمواجهة مشاريع الاستيطان المحميّة من الاحتلال في جبل صبيح، حيث يسعى المستوطنون لتحويل بؤرة استيطانيّة سموها "أفيتار" إلى مستوطنة راسخة قائمة على أراضي الفلسطينيين. ينشط أهالي بيتا المعروفون بتاريخهم النضالي ضد الاحتلال والاستيطان، ليلًا ونهارًا في أشكال متعددة للتصدي لسلب أرضهم، من خلال التواجد المكثّف في جبل صبيح وتقسيم أنفسهم لمجموعات عمل ميداني وطبي وإعلامي، وتنظم وحدات مختلفة مثل وحدة "الكاوتشوك" (الإطارات) بهدف حرقها وخلق ستائر دخانيّة للتطغية على الشبان وخنق المستوطنين، إضافة لوحدة "المقاليع" لرشق جنود الاحتلال بالحجارة ووحدة "المولوتوف" لإلقاء الزجاجات الحارقة، ووحدة الدعم اللوجستي للإمداد بالطعام والشراب. وفي المساء، تنشط وحدة "الإرباك الليلي" لتسليط اضواء الليزر وكشّافات المصابيح على المستوطنين وإشعال النيران، لتتحول تجربة بيتّا بذلك إلى أيقونة جديدة في النضال الشعبي كما الشيخ جرّاح وسلوان، مع استعداد شبابها للدفاع عنها حتى لو كلّفهم ذلك حياتهم، فخلال الشهر الأخير استشهد أربعة شباب من أبنائها برصاص الاحتلال.

وفي قرية لفتا المهجّرة قضاء القدس، عاد نشاط أهالي القرية للبروز بعد إعلان دائرة أراضي إسرائيل عن مناقصة ومزاد علني لتنفيذ مشروع استيطاني على أراضيها يهدف إلى هدم ما تبقى من منازلها المهجرة عام 1948 وطمس معالمها الفلسطينيّة، إذ بدأ ائتلاف أهالي لفتا في تنظيم زيارات شعبيّة للقرية وحملات إعلاميّة لتسليط الضوء على المخطط الإسرائيلي الجديد، وتعميم رسائل ودعوات للمجتمع الدولي للتدخل. وفي سلوان والشيخ جرّاح، يجري تمديد البت بقرار المحكمة العليا الإسرائيليّة حول مصير منازل هذه الاحياء بشكل مستمر في أعقاب الهبّة والحراك المستمر والتدخلات الدوليّة، في ظل اقتحامات مستمرة للمستوطنين واعتداءات جنود الاحتلال على الاعتصامات السلميّة واستهداف الصحافيين بشكل مباشر الذين يتواجدون بشكل دائم هناك لتغطية الأحداث، واعتقالات بحق أهالي الحي الناشطين في التصدي لمشاريع التطهير العرقي بهدف كسر عزيمتهم، إلا أن الدعم الشعبي والإعلامي ما زال متواصلًا.

ومع بداية شهر يوليو/تموز، سينطلق "أسبوع الثقافة الفلسطيني الموحد" الذي دعت له مؤسسات وفاعلين في الحقل الثقافي الفلسطيني من مختلف المناطق، ليكون دفعة جديدة في المقاومة الشعبيّة الفلسطينيّة من خلال العمل الثقافي والفنّي، مع تواصل تشكّل مبادرات جديدة، يبدو أنها سوف تستمر في الأشهر القادمة مع استمرار عدوان الاستيطان والتطهير العرقي وسياسات الاستعمار الإسرائيليّة.

المساهمون