تفجّر غضب شعبي جديد في شمال غربي سورية جراء الانتهاكات المستمرة من قبل "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، التي تشكّل سلطة الأمر الواقع في محافظة إدلب.
ووصلت الانتهاكات إلى إطلاق النار على امرأة بسبب نقلها الوقود من مناطق سيطرة "الحكومة المؤقتة" التابعة للمعارضة في ريف حلب باتجاه إدلب.
وحاولت الهيئة تطويق هذا الغضب الشعبي من خلال الإعلان عن إيقاف المشتبه بهم في حادثة إطلاق النار يوم الخميس الماضي على فاطمة الحميّد، وهي امرأة أرملة في مخيمات أطمة في ريف إدلب الشمالي، بسبب نقلها وقوداً من منطقة "غصن الزيتون" التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية، إلى ريف إدلب، إذ تعتبر الهيئة هذا الأمر حكراً عليها.
وأفادت الهيئة في بيان بأنها أرسلت فريقاً لمتابعة الحالة الطبية للسيدة التي لا تزال في حالة حرجة، مدّعية أنها تعمل على "تحقيق العدل"، وأنها "لن ترضى بأي تعدٍ على الأبرياء سواء من عناصرها أو غيرهم".
تظاهرات إدلب ضد "هيئة تحرير الشام"
وجابهت الهيئة، أول من أمس الجمعة، تظاهرات شعبية في عدة بلدات في محافظة إدلب وفي مخيمات أطمة للنازحين بإطلاق الرصاص لتفريق المتظاهرين، في خطوة تؤكد أنها ليست بوارد التراجع عن الانتهاكات بحق المدنيين وقمع أي محاولات للتعبير عن الاستياء.
وحمل المتظاهرون لافتات تنتقد وتندد بسياسات الهيئة في مناطق سيطرتها، وتدعو إلى إسقاطها وزعيمها أبو محمد الجولاني. وأكد المتظاهرون أن "هيئة تحرير الشام" تحترف السرقة "باسم الزكاة"، وتهادن النظام "بحجة المصلحة"، متسائلين: "هل دماؤنا أرخص من المازوت؟"، وفق اللافتات، في إشارة إلى إطلاق النار إلى المرأة النازحة.
اعتبر المتظاهرون أن "الهيئة" تحترف السرقة وتهادن النظام
وتعتبر الهيئة نقل المحروقات من مناطق فصائل المعارضة التي تديرها الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني إلى إدلب، التي تديرها ما تسمى بـ"حكومة الإنقاذ" التابعة للهيئة "أمراً غير شرعي وغير قانوني، وتهريباً".
وتضم المنطقة التي تسيطر عليها الهيئة ملايين السوريين، جلهم نازحون من مناطق أخرى، تحيطهم الأزمات المعيشية من كل جانب، في ظل فقدان أي أمل بحلول سياسية لحسم مصير هذه المنطقة التي تخضع لقوانين وسياسة الهيئة المتشددة.
وشهد الشمال الغربي من سورية احتجاجات شعبية عدة، بسبب الاحتقان والاستياء من "هيئة تحرير الشام" التي تملك جهازاً أمنياً يضم آلاف العناصر "يخنق أنفاس الناس، كما تفعل أجهزة النظام في مناطق سيطرتها"، وفق مصادر محلية في مخيمات أطمة للنازحين الواقعة على الحدود السورية التركية.
وأشارت المصادر إلى أن الهيئة "تُرهب معارضيها في شمال غربي سورية، وتتعامل بقسوة مع كل من يعترض على سياساتها المتشددة التي يرفضها عموم الناس في شمال غربي سورية".
وفي السياق، أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في بيان لها، أول من أمس الجمعة، أن "هيئة تحرير الشام ارتكبت انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان عبر عمليات استهداف للمدنيين"، مضيفة: "يجب محاسبة مرتكبي الانتهاك".
وفي تقرير لها بيّنت الشبكة أن الهيئة مسؤولة عن مقتل ما لا يقل عن 505 مدنيين، بينهم 71 طفلاً و77 سيدة، منذ مطلع عام 2012 حتى ديسمبر/كانون الأول 2021.
ووفقاً للتقرير، فإن ما لا يقل عن 2327 شخصاً، بينهم 43 طفلاً و44 سيدة، لا يزالون قيد الاحتجاز التعسفي أو الاختفاء القسري لدى "هيئة تحرير الشام"، وتحول ما لا يقل عن 2103 منهم، بينهم 19 طفلاً و28 سيدة، إلى مختفين قسرياً.
استمرار انتهاكات "هيئة تحرير الشام"
وقال مدير الشبكة فضل عبد الغني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن انتهاكات "هيئة تحرير الشام" منذ تأسيسها وحتى اليوم أغلبها ما يزال مستمراً في مناطق سيطرتها من تضييق على الحريات والاعتقال والملاحقة والاختفاء القسري.
وتابع بالقول: "جاءت حادثة إطلاق النار على المرأة يوم الخميس لتؤكد مدى استخفاف عناصر الهيئة بحياة المدنيين، بإطلاق النار على امرأة نازحة تنقل مادة المازوت، بقصد القتل".
ولفت عبد الغني إلى أن الأرقام التي وردت في التقرير "تمثل الحد الأدنى، ولكن تعطي صورة عن انتهاكات الهيئة"، مضيفاً: الهيئة تشكل خطراً على المدنيين في محافظة إدلب.
وأشار إلى أنه "لم يُرفع تصنيف الهيئة كتنظيم إرهابي"، مؤكدأ أن سيطرة الهيئة على الشمال الغربي من سورية أدت إلى انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.
الهيئة أساساً غير مهتمة بالتعامل مع الأزمات الاقتصادية التي تواجه المدنيين
من جهته، رأى الباحث السياسي في مركز "الحوار السوري" أحمد قربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هيئة تحرير الشام بنت سلطتها في شمال غربي سورية على أساس تحقيق التوافق مع المصالح الخارجية، أكثر من مسألة الشرعية الداخلية".
وأضاف: "تغيير خطاب هذه الهيئة واحتواء تنظيمات صغيرة أكثر تطرفاً مثل حراس الدين كلها محاولات للحصول على شرعية خارجية من دون الاهتمام بالداخل".
وأشار إلى أن "قيادة هيئة تحرير الشام يهمها أمن هذه الهيئة وليس أمن المدنيين الخاضعين لسيطرتها"، مضيفاً: "حكومة الإنقاذ وهي الذراع الخدمي للهيئة تؤكد دائما أن هناك أمناً وأماناً في مناطق سيطرتها، وهي تشير بذلك إلى أمن سلطة الأمر الواقع، أي سلطة هيئة تحرير الشام وليس أمن الشارع".
واعتبر قربي أن "الطريقة التي تتعامل بها هيئة تحرير الشام مع الاحتجاجات والتظاهرات التي تخرج ضدها في شمال غربي سورية طبيعية، لأن الهيئة أساساً غير مهتمة بالتعامل مع الأزمات الاقتصادية التي تواجه المدنيين"، مضيفاً: الهيئة غير معنية بتحقيق رضا الخاضعين لسيطرتها، لذا تقمع أي تحرك شعبي ضدها.
ورأى قربي "أن هيئة تحرير الشام لن تتأثر بالتظاهرات والاحتجاجات التي تخرج ضدها بين وقت وآخر"، متابعاً: "الجهات الخارجية هي ما يهم هيئة تحرير الشام، فضلاً عن أن الهيئة لا إمكانيات ولا إرادة لديها للتعامل مع نسب الفقر والبطالة المرتفعة في شمال غربي سورية. الهيئة يعنيها بالدرجة الأولى أمنها وليس شيئا آخر".