بثّت وكالة "سانا" الموالية للنظام السوري، اليوم السبت، صوراً ومقاطع فيديو من داخل مدينة معرّة النعمان بريف إدلب الجنوبي، شمال غربي سورية، تُظهر بعض العوائل من أهالي معرة النعمان ضمن مركز الاستقبال الذي افتتحه النظام اليوم لعودة الأهالي إليها، زاعمة أنه تم إقرار العودة إلى المعرة بعد ما وصفته بـ "دحر الإرهاب، وتأمين الخدمات الأساسية لها"، فيما اعتبر أهالي معرّة النعمان المقيمون خارج مناطق سيطرة النظام، أن هذه الخطوة من قبل النظام "مسرحية هزلية" لإظهار نفسه أمام المجتمع الدولي وكسب الدعم المالي مقابل إعادة الإعمار، بعد سرقة المدينة وتعفيشها بشكلٍ كامل، على مدار عامين وثمانية أشهر من سيطرة قوات النظام عليها بدعم جوي روسي.
من عودة أهالي #معرة_النعمان إلى مدينتهم بعد تطهيرها من الإرها*ب وتأمين الخدمات الأساسية لها pic.twitter.com/lSVEsXqzjC
— الوكالة العربية السورية للأنباء - سانا (@SanaAjel) October 15, 2022
ويظهر في الصور ومقاطع الفيديو التي بثتها "سانا" مركز لاستقبال العائلات، أُقيم من الطرف الشرقي لمدينة معرّة النعمان على جانب الطريق الدولي "أم 5" حلب - دمشق المار من المدينة، بمراسم احتفالية وبحضور عدد من ضباط النظام الأمنيين والعسكريين.
وقال محافظ إدلب لدى حكومة النظام السوري ثائر سلهب، في تصريحات لـ "إذاعة إف إم" الموالية، اليوم السبت، إن "أهالي مدينة معرّة النعمان بدأوا بالعودة إلى مدينتهم، بعد تأمين الخدمات الأساسية والضرورية للمدينة".
وكان ثائر سلهب، قد ادعى في تصريحات لوكالة "سانا" قبل أسبوعين، أنه "تم السماح للأهالي بالعودة إلى مدينة معرّة النعمان بريف إدلب المحرر بدءاً من الأسبوع المقبل"، زاعماً أنه "بالتوازي مع عودة الأهالي إلى مدينة معرّة النعمان ستنطلق أعمال تأهيل البنى التحتية، والمرافق الخدمية في المدينة التي تعرضت خلال الفترة الماضية لتخريب واسع من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة، قبل دحرها على يد الجيش العربي السوري"، مضيفاً أن "أعمال التأهيل سوف تشمل شبكات الكهرباء والمياه والطرق والهاتف وغيرها من الخدمات التي يحتاجها الأهالي في حياتهم، وستتم بشكل تدريجي، ووفق الإمكانات المتاحة والظروف المتوافرة، وبما يواكب أعداد المواطنين العائدين إلى منازلهم".
بدوره، قال مصطفى غريب، من أهالي مدينة معرّة النعمان والذي يقيم ضمن مناطق سيطرة المعارضة السورية بريف إدلب، في حديث لـ "العربي الجديد"، إنه "بالنسبة لعودة المهجرين إلى مدينة معرّة النعمان؛ فالمدينة تحت سيطرة النظام منذ حوالي ثلاث سنوات، والأشخاص والعوائل المقيمون ضمن مناطق سيطرته يستطيعون دخول معرة النعمان عبر موافقة أمنية من الأمن إذا كان لديهم واسطة، أو لديهم أحد من العائلة عسكري في جيش النظام"، مُشيراً إلى أن "النظام كان يمنع عودة الأهالي المقيمين ضمن مناطق سيطرته إلى معرة النعمان أو الدخول إليها حتى ينتهى من سرقتها وتعفيشها بالكامل".
وأكد غريب، أن "قوات النظام بدأت في أول فترة من سيطرتها على مدينة معرّة النعمان بسرقة أثاث المنازل من عفش منزلي سواءً برادات أو غسالات وغيرها، وأبواب ونوافذ الحديد والنحاس والألمنيوم، ومن ثم اتجه إلى سرقة البنى التحتية مثل شبكات المياه وشبكات الكهرباء وخطوط الهاتف، وغيرها وجميعها استغرقت مع النظام نحو سنتين ونصف حتى انتهى من تعفيشها"، مشدداً على أن "التعفيش لأسقف المنازل واستخراج الحديد لا يزال مستمراً حتى اللحظة".
وأشار الغريب إلى أنه "عندما انتهى النظام من التعفيش الكبير لمدينة معرّة النعمان، افتعل هذه المسرحية الهزلية اليوم، ليظهر للمجتمع الدولي أنه سمح للأهالي بالعودة إلى المدينة"، موضحاً أن "العائدين إلى مناطق التسويات أو التي يُسمح بالعود إليها هم من الأشخاص الذين لم يخرجوا ضد نظام الأسد، وبالأصل هم كانوا يسكنون ضمن مناطق سيطرته"، متسائلاً: "هل هؤلاء العائدون اليوم يستطيعون العيش في معرّة النعمان؟".
ولفت غريب إلى أن "معرّة النعمان مدينة أشباح وأموات وهي مدمرة بشكل شبه كامل، ولا يمكن العيش فيها أبداً بعد سرقة كل أثاثها وبنيتها التحتية. ودائماً أشاهد مدينة معرة النعمان من منطقة جبل الزاوية المُطلة عليها في ساعات الليل، ولا يوجد فيها أي إنارة وتراها وكأنها مدينة أشباح".
وأضاف غريب: "اليوم شاهدنا الفيديوهات والصور التي بثها النظام من معرة النعمان، المشاهد مؤسفة جداً، وهؤلاء هم في مدينة معرة النعمان لمجرد زيارة لا أكثر، ولا يستطيعون العيش فيها مطلقاً، والمراكز أو الأماكن التي يتم تجهيزها في معرة النعمان جميعها قريبة من طريق الـ (أم 5)، ولا يوجد أي تجهيز في عمق المدينة، ولم يجهز السوق ولا المحال التجارية، ولا شارع الكورنيش، ولا الحي الغربي، أو الحي الشمالي من المدينة، وهذا دليل واضح على أن النظام لا ينوي أبداً تجهيز معرة النعمان، وإنما هي مسرحية هزلية فقط أمام المجتمع الدولي".
وأشار غريب إلى أنه "لن يعود إلى معرة النعمان بما أنها تحت سيطرة نظام الأسد، وهناك الكثير من الأقارب والأصدقاء والجيران لن يعودوا إلى المعرّة بما أنها ليست في حضن الثورة السورية. لا يمكننا العيش في حكم الأسد الذي دمر منازلنا واعتقل وقتل أبناءنا وهجرنا"، مشيراً إلى أن "المعرّة غير صالحة للسكن وتحتاج إلى دول لإعادة إعمارها، وهذه المسرحية الهزلية اليوم ليكسب النظام دعما ماليا على أكتاف هؤلاء الأشخاص الذين سوف يعيدهم اليوم في الباصات إلى منازلهم التي جاؤوا منها في مدينة حماة".
وتحدث "العربي الجديد" مع عدة مصادر عسكرية ومدنية عاملة في مناطق سيطرة المعارضة السورية ضمن (منطقة إدلب)، وجميعها نفت عودة أي شخص من مناطق سيطرة المعارضة إلى مدينة معرة النعمان، لاسيما أن جميع المعابر مع النظام مغلقة، ولا يوجد أي رغبة لأهالي المنطقة بالعودة إلى مناطق سيطرة النظام.
وكانت قوات النظام قد سيطرت على مدينة معرّة النعمان أكبر مدن محافظة إدلب، في الـ28 من يناير/ كانون الثاني عام 2020 بدعم جوي روسي وأرضي، بعد تمهيد لم تشهده المدينة من قبل، دمر النظام والروس خلال الحملة أجزاء واسعة من المدينة، وهُجر حينها أكثر من 80 ألف مدني من سكان المدينة إلى مناطق ومخيمات الشمال السوري.
وكان النظام السوري قد أعلن في الخامس من سبتمبر/ أيلول الماضي، عن البدء بتسوية جديدة لأول مرة لأهالي محافظة إدلب في مدينة خان شيخون الواقعة على طريق الـ "أم 5" جنوبي محافظة إدلب، بعد نحو ثلاثة أعوام من السيطرة على المدينة بعد تدمير أجزاء واسعة من أحيائها بإسناد جوي روسي، ودعم أرضي من المليشيات الإيرانية، وإجبار أهلها على النزوح إلى قرى وبلدات الشمال السوري ومخيمات النازحين، لاسيما أن النظام السوري ارتكب مجزرة بالأسلحة الكيميائية، في الرابع من إبريل/نيسان 2017 في مدينة خان شيخون من خلال استخدام غاز السارين المحرم دولياً، ما أدى لمقتل نحو 100 جلهم من الأطفال.