المناظرة الرابعة بين مرشحي الرئاسة الإيرانية: جدل حول السياسة الخارجية

25 يونيو 2024
سعيد جليلي أحد المرشحين في الانتخابات الإيرانية في مناظرة يوم أمس (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المناظرة الرابعة للانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة ركزت على السياسة الخارجية، مع نقاشات بين المحافظين والإصلاحيين حول الاتفاق النووي والعقوبات الأمريكية.
- المرشح المحافظ محمد باقر قاليباف شدد على استمرار المفاوضات النووية ورفع العقوبات، مع التأكيد على استغلال الفرص الاقتصادية الدولية وانتقاد الصراع السياسي الداخلي.
- المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان تحدث عن أهمية الإجماع الداخلي وإحياء الاتفاق النووي، مؤكدًا على سياسة خارجية تعتمد على العزة والحكمة وتجنب العزلة الدولية.

أجرى التلفزيون الإيراني، مساء أمس الاثنين، المناظرة الرابعة بين المرشحين الستة في الانتخابات الإيرانية الرئاسية المبكرة المزمع تنظيمها يوم الجمعة المقبل، ومن المقرر أن ينظم المناظرة الخامسة والأخيرة غداً الثلاثاء.

أطراف المناظرة الرابعة في الانتخابات الإيرانية

وكان المحور الأساسي للمناظرة الرابعة في الانتخابات الإيرانية هو "إيران في عالم اليوم"، مركزةً على السياسة الخارجية الإيرانية. وشهدت المناظرة التي استمرت ثلاث ساعات، على عكس المناظرات الثلاث السابقة، نقاشاً محتدماً بين المرشحين المحافظين الأربعة، محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي وأمير قاضي زادة هاشمي وعليرضا زاكاني، وبين المرشح الإصلاحي الوحيد مسعود بزشكيان، ومن جهة ثانية بين المرشحين المحافظين سعيد جليلي وعليرضا زاكاني والمرشح المحافظ المعتدل مصطفى بور محمدي، الذي أصبح يغرد خارج سرب التيار المحافظ، متبنياً في المناظرات وحملته الانتخابية خياراً وسطاً بين المحافظين والإصلاحيين مع ميوله إلى الأخير ومهاجمته المرشحين المحافظين. ووجه المرشحون المحافظون الأربعة سهامهم نحو المرشح الإصلاحي وأعضاء حملته الانتخابية وحكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني.

وكان الاتفاق النووي والعقوبات من المواضيع الأساسية التي طرحت خلال المناظرة في الانتخابات الإيرانية مع وجود قطبية ثنائية بشأن الملفين، تعود بالأساس إلى وجود مدرستين في إيران حول السياسة الخارجية؛ الأولى هي المدرسة الإصلاحية التي تؤمن بالانفتاح على العالم وخاصة الغرب وحل المشكلات والصراع معه وبالذات مع الولايات المتحدة الأميركية، والمدرسة الثانية هي المحافظة التي تؤمن بالقدرات الداخلية وتعارض العلاقة مع الولايات المتحدة وتؤكد على ضرورة إفشال مفاعيل العقوبات الأميركية بتطوير القدرات والطاقات الداخلية واستغلالها، لكن الإصلاحيين يرون أن حل المشكلات الاقتصادية داخلياً غير ممكن في ظل استمرار العقوبات الأميركية الشاملة وحل المشكلات في السياسة الخارجية.

مع ذلك، لم يرفض المرشحون المحافظون التفاوض مع الولايات المتحدة، حيث اعتبره رئيس البرلمان الإيراني المرشح محمد باقر قاليباف أحد أساليب النضال. كما أجمع المرشحون على ضرورة تعزيز علاقات إيران الخارجية مع جيرانها، وسط تحميل القطبين (المرشحين المحافظين والمرشح الإصلاحي) بعضهما بعضاً مسؤولية تدهور هذه العلاقات خلال العقد الأخير.

ورصد "العربي الجديد" ما تطرق إليه ثلاثة مرشحين بارزين في الانتخابات الإيرانية المبكرة يجري التنافس الرئيسي بينهم، وهم المرشحان المحافظان محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي، والمرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، الذي أصبح يتصدر نتائج استطلاعات الرأي في إيران، وسط استمرار الخلافات بين المحافظين وعدم اتفاقهما على الإجماع على مرشح واحد.

  • قاليباف: مستعدون لتقديم تنازلات مقابل تنازلات

هاجم المرشح الرئاسي المحافظ محمد باقر قاليباف في بداية المناظرة حملة المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، قائلاً إنه في حين يتحدث الأخير عن ضرورة الوئام الداخلي، لكن حملته الانتخابية تطرح قضايا تدعو إلى القلق. وانتقد قاليباف اتهامات الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، ومستشار بزشكيان السياسي محمد جواد ظريف، بمنع إحياء الاتفاق النووي من خلال إقرار قانون "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات"، المقرر خلال ديسمبر/ كانون الأول 2020، والذي ينص على اتخاذ خطوات نووية والتخلي عن التزامات نووية لإجبار واشنطن على رفع العقوبات.

وأضاف قاليباف أن تصريحات روحاني وظريف تتعارض مع مواقف المرشد الإيراني علي خامنئي، مؤكداً أن العقد الذي تولى فيه روحاني السلطة التنفيذية في إيران قبل تقلد الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي إياها عام 2021 "كان عقداً مريراً لا ينبغي العودة إليه".

وأوضح رئيس البرلمان الإيراني أنه سيواصل المفاوضات النووية وسيتابع مسألة رفع العقوبات وفق القانون الذي أقره البرلمان، قائلاً إنه يسمح باتخاذ خطوة مقابل خطوة في المفاوضات النووية، ليشير إلى أنه إذا رفعت العقوبات عن الصادرات النفطية الإيرانية "سنعود إلى تنفيذ البروتوكول الإضافي" الذي يمكّن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من فرض رقابة صارمة على البرنامج النووي الإيراني، والتزمت به إيران في الاتفاق النووي المبرم عام 2015 قبل تعليقه خلال فبراير/ شباط 2021.

كما قال قاليباف إنه إذا رفعت أميركا العقوبات عن الموانئ والتأمين والمصرف المركزي الإيراني "ستوقف إيران تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء 60 في المائة". كما شدد المرشح الإيراني على ضرورة العمل على إفشال مفاعيل العقوبات الأميركية أيضاً بموازاة العمل على رفعها، متحدثاً عن فرص اقتصادية أمام إيران بسبب انضمامها إلى مجموعات مثل "بريكس" و"شنغهاي للتعاون" واتفاقيات مع دول أخرى، وداعياً إلى استغلال هذه الفرص.

كما انتقد الصراع السياسي في البلاد، وقال إن الشعب يتحدث عن "أننا نتصارع على السلطة"، مشيداً بسياسات القائد السابق لـ"فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني، الذي اغتالته الولايات المتحدة في ضربة جوية في مطلع عام 2020 في بغداد، ومضيفاً أن سليماني كان يعارض إحداث القطبية في المجتمع، وأكد أن "الدبلوماسية والميدان هما أدوات والتفاوض أسلوب نضالي"، كما وعد المواطنين الإيرانيين الذين لا يملكون بيوتاً بمنح كل منهم قطعة أرض بمساحة 200 متر.

  • بزشكيان يتحدث عن ملامح سياسته الخارجية

من جهته، تحدث بزشكيان عن ضرورة حل الخلافات الداخلية والإجماع الداخلي على السياسة الخارجية، مؤكداً أنه من دون تحقيقهما لن تحل مشكلات البلاد وأزماتها، وأشار إلى الاتفاق النووي وإحيائه، قائلاً إن المفاوضات كانت تمضي إلى الأمام لكن الخلافات الداخلية أطاحت بالجهود، متحدثاً عن فرص اقتصادية أمام إيران، ورابطاً استغلالها وحل الأزمات الاقتصادية برفع العقوبات وانضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي الدولية، المعروفة اختصاراً باسم "فاتف" (FATF)، وإقرار مشاريع تطلبها المجموعة لإخراج إيران من قائمتها السوداء.

وجدد تأكيده على أنه سيعمل وفق السياسات العريضة التي يحددها المرشد الإيراني علي خامنئي، قائلاً إن الرئيس إبراهيم رئيسي أيضاً كان يتابع إحياء الاتفاق النووي و"علينا أن نتحد لحل مشكلاتنا مع العالم"، كما انتقد تصريحات المرشح المحافظ أمير حسين قاضي زادة هاشمي بشأن وقوع الهجمات على سفارات أجنبية في عهد حكومة روحاني، أي السفارة البريطانية وإحراق السفارة السعودية، متسائلاً: "من تسلق جدران السفارة البريطانية؟ المحافظون أم الإصلاحيون؟ ومن أحرق السفارة السعودية؟".

وأضاف أن هذه السلوكيات والتصرفات أضرت بإيران وجلبت لها مشاكل، قائلاً إن أولئك الذين هاجموا السفارات أوكلت إليهم مناصب حكومية، وتساءل: "لماذا لا نتصدى لهم؟". واتهم بزشكيان المحافظين بالتماشي مع موقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وإسرائيل من الاتفاق النووي، قائلاً إن البرلمان الإيراني مع الطرفين أحرقوا الاتفاق، وأوضح أن استمرار العقوبات يحول دون استفادة إيران من حقولها الغازية والنفطية المشتركة مع دول المنطقة وتتسبب بخسائر مادية مستمرة بالمليارات.

وأضاف أنه الوحيد في مواجهة أربعة مرشحين محافظين في الانتخابات الإيرانية المبكرة، قائلاً إنه يمتلك خمس دقائق فقط في كل مرحلة من المراحل الثلاث للمناظرة، بينما المرشحون الأربعة لديهم 20 دقيقة للحديث والهجوم في كل مرحلة. وشدد المرشح الإصلاحي على أن سياسته الخارجية ستعتمد مبادئ العزة والحكمة والمصلحة، وأضاف أنه يختلف مع المرشحين الآخرين في فهم هذه الثوابت وتطبيقها، مشيراً إلى أن سياسته الخارجية تهدف إلى ضمان الأمن القومي وتحسين جودة حياة الشعب وأنها ستبتعد عن "شعارات زائفة تفقر المواطنين"، مع وعده بأنه لن يطلق شعارات تبعد الشعب عن التنمية وتخلق مشاكل له لتوفير الدواء والحصول على التقنيات الحديثة.

وأضاف أن سياسته الخارجية لن تهدف فقط إلى الحفاظ على البقاء، بل متابعة تنمية البلاد وتطويرها، لافتاً إلى أنه سيسعى إلى إنهاء عزلة إيران، وحل مشكلات الشباب لكي لا يهاجروا إلى الخارج، موضحاً أنه سيعمل على صناعة صورة إيجابية وبناءة عن إيران في العالم لتكون الهوية الإيرانية امتيازاً وليس عبئاً، وأكد أنه سيتجنب تبني التوجه نحو الشرق أو الغرب، ولن يكون معادياً للشرق ولا للغرب ولن تكون سياسته الخارجية باتجاه واحد وذات خيار واحد، قائلاً إنه سيجعل إيران جزءاً من حل قضايا العالم وليس جزءاً من المشكلة و"سنعيد بناء إيران في المنطقة والعالم".

  • جليلي: لا ينبغي التركيز على عدة دول فقط

وانتقد واحد من المرشحين المحافظين البارزين في الانتخابات الإيرانية المبكرة، هو سعيد جليلي، خلال المناظرة، سياسات الإصلاحيين ومرشحهم مسعود بزشكيان، متهماً إياهم بأنهم يركزون في السياسة الخارجية على التعامل مع عدة دول فقط، في إشارة إلى الولايات المتحدة ودول أوروبية. وانتقد جليلي الاتفاق النووي وركز على ضرورة الاهتمام بالداخل وتوسيع العلاقات الاقتصادية في المنطقة، والعمل على سحب ورقة العقوبات من أميركا من خلال إفشال مفاعيلها وجعل الاقتصاد أساساً في السياسة الخارجية. كما دعا جليلي إلى تحويل كل السفارات الإيرانية إلى منصات للصادرات، فضلاً عن تأكيده على ضرورة توسيع العلاقات الاقتصادية بين إيران ودول محور المقاومة. 

ودخل جليلي في جدال مع المرشح مصطفى بور محمدي بعد اتهام الأخير له بالعمل على تعطيل الحياة الحزبية في إيران عندما كان أميناً لمجلس الأمن القومي الإيراني، فضلاً عن اتهامات بور محمدي له بتعطيل اتفاقية غازية مع الإمارات منذ أكثر من عقدين، وهو ما تسبب بخسائر تصل لأكثر من 18 مليار دولار، علماً أن شركة النفط الوطنية الإيرانية وقعت عقداً عام 2001 لمدة 25 عاماً مع نفط الهلال الإماراتية لتصدير 17 مليون متر مكعب من الغاز يومياً للإمارات من حقل سلمان المشترك في الخليج، بدءاً من عام 2005، لكن إيران لم تنفذ العقد بعد اتهام أوساط محافظة لوزير النفط الإيراني الأسبق بيجن زنغنة بالفساد وفتح ملف قضائي بشأن العقد في محكمة إيرانية.

ولجأت شركة نفط الهلال الإماراتية، التي تتخذ من إمارة الشارقة مقراً لها، في نزاعها مع الشركة الإيرانية إلى التحكيم الدولي في يوليو/ تموز 2009، لتعلن بعدها عن حصولها على حكم لمصلحتها في أغسطس/ آب 2014 وفرض غرامة مالية قدرها 18 مليار دولار على إيران. 

المساهمون