بعد توقف دام نحو 4 أشهر، وفي أجواء تشاؤم على وقع توترات متصاعدة بين إيران من جهة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية والولايات المتحدة والترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) من جهة ثانية، تقرر فجأة استئناف المفاوضات النووية، الأمر الذي يبث للوهلة الأولى روحا جديدة للدبلوماسية في معالجة الملف النووي الإيراني، وسط تفاؤل وحديث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق قريب إلى الواجهة مرة أخرى، بعد تشاؤم خيم على الوضع لعدة أشهر.
تستأنف المفاوضات، اليوم الثلاثاء، بصيغة جديدة، سواء لجهة طبيعة المشاركين فيها أو مكان انعقادها، حيث خرجت المفاوضات من إطار مجموعة 1+4 الأعضاء بالاتفاق النووي، وباتت تقتصر فقط بين طهران وواشنطن، ثم انتقلت من فيينا إلى دولة خليجية هي قطر.
وتوجه المبعوث الأميركي للشأن الإيراني، روبرت مالي، مساء الإثنين، إلى الدوحة، فيما من المقرر أن يصل اليوم الثلاثاء كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، على أن تبدأ المفاوضات غير المباشرة بين الوفدين بواسطة نائب مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي إنريكي مورا خلال الساعات القادمة.
كيف توقفت المفاوضات؟
كانت المفاوضات النووية التي بدأت خلال إبريل/ نيسان 2021، تستمر في جولتها الثامنة في فيينا، وسط تفاؤل كبير بقرب التوصل إلى اتفاق أواخر فبراير/شباط الماضي، حتى راجت أنباء عن احتمال عزم وزراء خارجية أطراف المفاوضات بمن فيهم وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذهاب إلى فيينا للتوقيع على الاتفاق النهائي.
لكن مع شنّ روسيا الشريكة في الاتفاق النووي والمشاركة في المفاوضات الرامية إلى إحيائه بدأت تتغير الموجة وتخرج تصريحات حذرة من أروقة فندق "كوبورغ" مكان المفاوضات في فيينا، إلى أن أعلن مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في 11 مارس/ آذار عن توقف المفاوضات وعودة المفاوضين إلى عواصمهم.
- توقف لـ"عوامل خارجية"
حينها، تحدث بوريل في تغريدة عن أن النص النهائي المتعلّق بإحياء الاتفاق النووي "جاهز بشكل أساسي وعلى الطاولة"، مرجعا توقف المفاوضات إلى "عوامل خارجية"، لم يسمها، لكنه كان يقصد العامل الروسي بشكل غير مباشر، إذ طالبت روسيا، حينها، واشنطن بتقديم ضمانات مكتوبة بألا تؤثر العقوبات المفروضة عليها بسبب الحرب الأوكرانية على علاقاتها التجارية والاقتصادية والعسكرية مع إيران، غير أن الإدارة الأميركية رفضت الطلب الروسي.
وعلى وقع الاتهامات ضد روسيا بعرقلة التوصل إلى اتفاق وانعكاساتها على الداخل الإيراني لجهة ظهور اتهامات من نخب وأوساط سياسية للحكومة المحافظة بربطها مصير المفاوضات بالقرار الروسي، سارع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بعد أربعة أيام من توقف المفاوضات إلى زيارة موسكو في الخامس عشر من مارس/آذار الماضي، لبحث تطورات المفاوضات، فنفى من هناك في مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وجود علاقة بين توقف المفاوضات والحرب الأوكرانية، مؤكدا أن روسيا لا تعرقل الاتفاق.
- ضمانات مكتوبة
وفي اليوم نفسه، بعد لقائه نظيره الإيراني، أعلن وزير الخارجية الروسي، فجأة، عن تلقي روسيا "ضمانات مكتوبة" من واشنطن، وهو ما أكدته الأخيرة لاحقا، لكن الضمانات حسب التصريحات الأميركية شملت فقط استثناء التعاون الفني الروسي بالاتفاق النووي من قائمة العقوبات، حيث من المقرر أن تنتقل كميات من اليورانيوم الإيراني المخصب إلى روسيا، وفق ما توصلت إليه أطراف المفاوضات في فيينا في ما يخص الجانب النووي الفني للاتفاق المحتمل، وذلك قبل توقف المفاوضات.
بعد ذلك، أصبحت التصريحات الإيرانية تركز على أن "الكرة في ملعب واشنطن" وأن الاتفاق رهين اتخاذها "قرارا سياسيا" بشأن قضايا خلافية قليلة متبقية ربطتها بمسألة العقوبات، غير أن الاتهامات الغربية ضد روسيا بعرقلة الاتفاق على الرغم من تراجع حدتها ظلت تلاحقها.
زار مورا طهران في 27 آذار حاملًا معه رسالة أميركية بشأن القضايا الخلافية المتبقية لكنها لم تلب المطالب الإيرانية، ليعود في العاشر من أيار حاملًا "حلا وسطا" حول موضوع "الحرس الثوري الإيراني".
مع مرور أكثر من أسبوع دون استئناف المفاوضات، ظلت الخارجية الإيرانية، تؤكد في ردها على التساؤلات أن توقف المفاوضات لن يطول وأنها انتهت مع مجموعة 4+1 المكونة من فرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا وبـ"انتظار القرارات الأميركية اللازمة"، مع التأكيد أن طهران "لن تتجاوز خطوطها الحمراء" بشأن القضايا المتبقية، وأن المفاوضات مستمرة مع الولايات المتحدة بشكل غير مباشر عبر نائب مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، إنريكي مورا.
- قضيتان عالقتان
في التاسع عشر من مارس/ آذار، أشار أمير عبد اللهيان إلى بقاء "قضيتين عالقتين" من دون تسميتهما، لكن حينها، كشفت مصادر مطلعة مواكبة للمفاوضات في فيينا لـ"العربي الجديد"، عن أن إخراج "الحرس الثوري الإيراني" من قائمة الإرهاب الأميركي يُعَدّ أهم عقبة أمام التوصل إلى اتفاق في المفاوضات، فضلا عن نطاق رفع العقوبات.
بموازاة ذلك، أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، يوم 20 مارس/ آذار تسليم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، "الوثائق والمستندات" التي طلبتها ردا على أسئلتها بشأن ثلاثة مواقع إيرانية مشتبه بممارسة أنشطة نووية غير معلنة فيها، وذلك وفق اتفاق أبرم مع المدير العام للوكالة خلال زيارته في الخامس من الشهر نفسه إلى طهران، لحلحلة الخلافات الفنية العالقة بين الطرفين وفق جدول زمني حتى نهاية مايو/أيار، وهو ما لم يتم، ولاحقا اتهمت الوكالة طهران بعدم التعاون في تقديم توضيحات كافية.
- رسالة أميركية غير كافية
بعد أسبوعين من توقف المفاوضات، توجه منسقها نائب مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، إنريكي مورا يوم 27 مارس/آذار إلى طهران، فأجرى مباحثات مع كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وصفها جوزيب بوريل بأنها كانت "إيجابية"، لكن هذه المباحثات لم تفض إلى استئناف المفاوضات خلافا لتوقعات مراقبين، وحينها كشفت مصادر إيرانية مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن مورا حمل معه رسالة أميركية بشأن القضايا الخلافية المتبقية لكنها لم تلب المطالب الإيرانية.
- أميركا ترمي "الكرة في الملعب الإيراني"
وعلى الضفة الأميركية، ظلت واشنطن من جهتها، ترمي "الكرة في الملعب الإيراني"، مطالبة إيران بالتخلي عن "مطالب خارج الاتفاق النووي"، من دون تسميتها رسميا، وداعية طهران إلى اتخاذ قراراتها مع تحذيرات أميركية وأوروبية من تراجع فرص التوصل إلى اتفاق والتلويح بورقة تشديد العقوبات.
مع مرور الوقت واستمرار توقف المفاوضات في ضوء أنباء عن وصولها إلى "انسداد"، أصبحت الوساطات الإقليمية (عُمان وقطر) تنشط أكثر من ذي قبل لتذليل العقبات أمام التوصل لاتفاق بين طهران وواشنطن، فشهدت إيران زيارات علنية وسرية لهذه الأطراف خلال إبريل/نيسان الماضي.
وكانت جهود هذه الأطراف الإقليمية تتركز قبل توقف المفاوضات، بالدرجة الأولى على عقد صفقة تبادل سجناء بين الطرفين وتحرير أرصدة إيرانية مجمدة، تسهيلا لعملية التفاوض في فيينا، لكنها بعد توقفها انتقلت أيضا إلى السعي لتقريب وجهات النظر بين إيران والولايات المتحدة ومحاولة إقناع طهران بالتفاوض المباشر معها.
بموازاة ذلك، استمرت المباحثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن عبر مفوضية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، حيث كشف وزير الخارجية الإيراني، مطلع الشهر الجاري في كلمته خلال ندوة لمركز الدراسات السياسية والدولية التابع للخارجية الإيرانية في طهران، أن الطرفين يتبادلان الرسائل مرة أو مرتين أسبوعيا، عبر نائب مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، إنريكي مورا، المكلف بتنسيق شؤون مفاوضات فيينا، مبينا أن هذه الرسائل تدور حول "رفع الإبهامات" لحل القضايا المتبقية.
مع إطالة أمد توقف المفاوضات والحديث عن انسدادها، قام إنريكي مورا في 10 مايو/أيار بزيارة ثانية إلى طهران منذ وقف المفاوضات، فأجرى مباحثات "مفصلة" مع كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني، من دون أن يلتقي وزير الخارجية على الرغم من طلب كان قد تقدم به للقاء قبل الزيارة.
واستبق وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الزيارة بتصريحات أدلى بها لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، في السابع من الشهر نفسه، وكشف فيها عن نيته إرسال مورا إلى طهران، محملا إياه "حلا وسطا" حول موضوع "الحرس الثوري الإيراني"، ويعتمد على رفع الحرس من قائمة "المنظمات الإرهابية" الأميركية، مع إبقاء "فيلق القدس" ومؤسسات وشركات أخرى تابعة للحرس على قائمة العقوبات.
لكن زيارة مورا الثانية أعادت فتح المفاوضات المتوقفة، كما قال بوريل في تصريحات بعد ثلاثة أيام من الزيارة في اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في فانغلز في شمال ألمانيا، مؤكدا أنها "حققت تقدما كافيا"، كما أن وزير الخارجية الإيراني، أكد في تغريدة في 13 مايو/ أيار أن زيارة مورا شكلت "فرصة جديدة".
عودة التوتر
لم يستمر التفاؤل الحذر حول نتائج زيارة مورا الثانية لطهران والتوقعات باستئناف المفاوضات النووية، حتى بدأت ملامح توتر جديد تلوح في الأفق أواخر الشهر الماضي، مع إرسال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي، يوم 30 مايو/أيار، تقريرين إلى الدول الأعضاء بالوكالة قبل أسبوع تقريبا من اجتماعات مجلس محافظي الوكالة، لبحث الملف النووي الإيراني، في السادس من الشهر الحالي.
وأكد تقريرها الأول الذي اطلعت عليه "رويترز"، أن إيران "لم تقدم تفسيرات جديرة بالثقة من الناحية الفنية"، ولم ترد بـ"مصداقية" على أسئلة الوكالة المطروحة عليها منذ فترة طويلة بشأن مصدر آثار يورانيوم عُثر عليها في ثلاثة مواقع غير معلنة.
وحسب التقرير الثاني، فإن مخزون اليورانيوم المخصب لدى إيران قد تجاوز الحد المسموح به بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين طهران والقوى الكبرى بأكثر من 18 مرة، بحسب تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي اطلعت عليه وكالة "فرانس برس".
لكن ما أثار غضب إيران لم يكن التقرير الثاني الذي أكدت صحته نتيجة خفض تعهداتها النووية ردا على تداعيات الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، لكنها احتجت بشدة على التقرير الأول الذي اتهمها بعدم التعاون لحل القضايا الخلافية، متهمة بدورها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، باعتماد "مزاعم صهيونية" حول هذه المواقع، وقالت إن التقرير "أحادي لا يعكس حجم التعاون (الإيراني)" مع الوكالة".
عكست عودة الخلافات بين طهران والوكالة الدولية، الحالة الصعبة التي كانت تمر بها مفاوضات فيينا المتوقفة. وعلى وقع ذلك، أكد مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في تغريدة على "تويتر"، يوم الرابع من الشهر الجاري بعد يوم من مباحثاته الهاتفية مع وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أن "إمكانية إبرام اتفاق والعودة إلى الاتفاق النووي في طور التضاؤل".
لكن بوريل لم يفقد الأمل بالتوصل إلى اتفاق، فقال في الوقت ذاته إن إبرام الاتفاق لإحياء الاتفاق النووي "ما زال ممكناً بجهد إضافي".
إلا أن التوترات في طهران ومع الأطراف الغربية كانت قد تصاعدت إلى مستويات غير مسبوقة منذ انطلاق المفاوضات في إبريل/ نيسان 2021، فكادت أن تطيح بالمفاوضات برمتها بعدما توجهت الأطراف الغربية نحو تقديم مشروع قرار أمام الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة، والذي بدأ في السادس من الشهر الجاري، فضلا عن التهديدات الإيرانية بالرد عليه.
في الثامن من الشهر الجاري، عندما كان أعضاء مجلس المحافظين يعكفون على مناقشة مشروع القرار الغربي، استبقت طهران إقراره بإعلان وقف عمل 27 كاميرا للمراقبة موضوعة في منشآتها النووية وفق الاتفاق النووي خارج اتفاق الضمانات الملحق لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ثم أعلنت لاحقاً أنها بدأت بتركيب أجهزة الطرد المركزي المتطورة لتخصيب اليورانيوم، مع التهديد باتخاذ المزيد من الإجراءات وذلك بعد التنديد بالقرار ووصفه بأنه "سياسي".
وما عقّد الوضع أكثر، أنه بالتوازي مع عودة التوترات حول الملف النووي الإيراني واستمرار تعثر المفاوضات النووية، شهدت إيران منذ أواخر مايو/أيار الماضي، حوادث وفاة أو مقتل أو اغتيال لعلماء وعسكريين إيرانيين خلال الفترة القليلة الأخيرة.
وأكدت السلطات الإيرانية رسمياً أنّ واحداً منها فقط جاء نتيجة عملية اغتيال، في إشارة إلى حادث مقتل العقيد في "الحرس الثوري" حسن صياد خدايي في 22 مايو/أيار، مشيرة في الوقت ذاته إلى مقتل ثلاثة أشخاص في وزارة الدفاع والحرس في "حوادث وفي أثناء تأدية المهام"، من دون الكشف عن تفاصيلها. واتهم "الحرس الثوري الإيراني"، الكيان الإسرائيلي بتنفيذ عملية اغتيال صياد خدايي، متوعدا بالثأر له.
كما أعلن رئيس جامعة الإمام الحسين العسكرية التابعة لـ"الحرس الثوري الإيراني"، العميد محمد رضا حسني آهنغري، أخيرا عن أنّ الحادث الذي وقع يوم 26 مايو/ أيار الماضي في منطقة بارشين العسكرية، شرقي طهران، كان ناجماً عن "تخريب صناعي".
بالتوازي مع التوترات بين إيران والغرب وتلك الحوادث الغامضة، تصاعدت أيضا نبرة التهديدات الإسرائيلية العلنية والتهديدات الإيرانية المضادة، فضلا عن أن المنطقة شهدت خلال فترة توقف المفاوضات تحركات وزيارات إسرائيلية مكثفة إلى دول خليجية مطبعة مع تل أبيب فضلا عن تركيا، وهو ما أثار قلق الجانب الإيراني الذي اعتاد على إطلاق تحذيرات مستمرة لدول الخليج من السماح لإسرائيل بموطئ قدم لها في المنطقة.
كما أعلن وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس عن توجه لبناء تحالف عسكري إقليمي بقيادة الولايات المتحدة في مواجهة إيران، بالإضافة إلى نشر إسرائيل منظومة رادارات في عدة دول بالشرق الأوسط والخليج وفق القناة 12 الإسرائيلية، يوم 11 من الشهر الجاري.
اتصال يعيد ضبط الوضع
استمرت التوترات والأجواء المشحونة إلى أن جرى اتصال هاتفي يوم 18 من الشهر الجاري بين وزير الخارجية الإيراني ومسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أكدت التطورات "الإيجابية" التي أعقبت هذا الاتصال أنه كان مختلفا عن سابقاته خلال الشهور الأربعة الأخيرة.
وأكد جوزيب بوريل في هذه المباحثات الهاتفية ضرورة استئناف المفاوضات النووية في أسرع وقت ممكن، مشيرا إلى أن "الطريق للخروج من الظروف الراهنة هو متابعة الدبلوماسية وتجنب الإجراءات غير البنّاءة".
ليس واضحا بعد ما دار خلف الكواليس بين بوريل وأمير عبد اللهيان في هذا الاتصال الذي مهّد الطريق لزيارة مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي إلى طهران بعد نحو أسبوع من إجرائه، لكن الخارجية الإيرانية سواء على لسان الوزير أو المتحدث باسمها سعيد خطيب زادة، ظلت تؤكد خلال الشهر الأخير أن طهران قدمت "مبادرات" للجانب الأميركي الذي قالت إنه "لم يرد عليها"، وذلك من دون الكشف عن تفاصيل هذه المبادرات.
وقال خطيب زادة يوم 20 من الشهر الجاري، إن طهران نقلت عبر بوريل، ووزيرين خارجيين، من دون تسميتهما، هذه المبادرات إلى الجانب الأميركي قبل بدء اجتماعات مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم السادس من الشهر الجاري، مكتفيا بالقول إن المبادرات تشمل "جدولا زمنيا وخريطة طريق".
أما موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، فذكر في العشرين من الشهر الجاري في تقرير أن إيران تخلت عن شرطها لرفع "الحرس الثوري" من قائمة "الإرهاب" الأميركية، مشيرا إلى أنها قدمت "مقترحا جديدا" إلى واشنطن يدعو إلى رفع "مقر خاتم الأنبياء" كبرى شركات الحرس وشركات أخرى من قائمة العقوبات الأميركية. وأضاف المصدر البريطاني أن الإدارة الأميركية لم ترد بعد على المقترح الإيراني.
وتعليقا على تقرير "ميدل إيست آي"، غرّد مستشار الوفد الإيراني المفاوض، محمد مرندي، يوم 20 من الشهر، قائلا إن إزالة "الحرس الثوري الإيراني" من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية الأميركية "لم يكن شرطا للتوصل إلى اتفاق"، مضيفا أنه "لا يمكن أن يكون العائق الأخير أمام أي صفقة".
زيارة تكسر الجمود
أعقبت الاتصال الأخير بين بوريل وأمير عبد اللهيان في الـ18 من الشهر، اتصالات أخرى بين الخارجية الإيرانية ومفوضية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، خلال الأسبوع الماضي، لاتخاذ ترتيبات لازمة لزيارة بوريل إلى طهران، حسب ما كشفته مصادر إيرانية مطلعة لـ"العربي الجديد"، الخميس الماضي.
هذه الزيارة التي انفرد "العربي الجديد" بالكشف عنها مسبقا، الخميس، جاءت بدعوة من وزير الخارجية الإيراني للتباحث عن كثب بشأن القضايا العالقة. واستبق بوريل الزيارة بإجراء لقاء مع المبعوث الأميركي للشأن الإيراني، روبرت مالي، الخميس الماضي، في بروكسل برفقة نائبه إنريكي مورا ليحصل منه على "رسالة أميركية" جديدة، لنقلها إلى طهران خلال الزيارة، وهو ما تم بالفعل، حيث كشف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، الإثنين، عن أن بوريل جاء بـ"رسائل أميركية" تأكيدا لما قاله "العربي الجديد" قبل زيارة بوريل نقلا عن المصادر الإيرانية التي رفضت الكشف عن هويتها.
وصل بوريل ليل الجمعة/السبت، إلى طهران، وأجرى مباحثات، السبت، مع وزير الخارجية الإيراني الذي وصفها بأنها كانت "معمقة ومفصلة وشاملة"، فضلا عن عقد لقاء مطول آخر مع أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني في "أجواء مريحة"، تخللها تبادل الحديث عن هوايات، ليؤكد بوريل لشمخاني أنه سمع عن هوايته تسلق الجبال، معلنا أنه أيضا مولع بالهواية نفسها، داعيا شمخاني إلى ممارسة هذه الهواية معا ذات مرة.
وأعلن أمير عبد اللهيان وبوريل بعد لقائهما في مؤتمر صحافي استئناف المفاوضات النووية المتوقعة خلال الأيام المقبلة. ثم غرّد بوريل في ختام لقاءاته مع المسؤولين الإيرانيين، قائلاً إن النتيجة المهمة لزيارته طهران هي "رفع الجمود الأخير" واستئناف المفاوضات المتوقفة.
إلى ذلك، أكد مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، السبت في مؤتمر صحافي مع وسائل إعلام أجنبية في طهران، أن الجولة القادمة من المفاوضات النووية لن تكون في إطار (مجموعة 1+4) المنخرطة في الاتفاق النووي، قائلا إن المفاوضات ستكون بين طهران وواشنطن في دولة خليجية.
كما كشف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، الإثنين، عن "الوصول إلى تفاهمات في المضمون والشكل حول المفاوضات" خلال زيارة بوريل، مضيفا أن بوريل نقل إلى إيران "تعهد الأميركيين بتنفيذ كل ما ينص عليه الاتفاق النووي والقرار 2231 (الصادر عن مجلس الأمن والمكمل للاتفاق)، وضمان الانتفاع الاقتصادي الكامل من الاتفاق لإيران".