تترقب الأطراف السياسية التركية، بجميع أطيافها، تحديد الإدارة الأميركية الجديدة سياساتها حيال تركيا، لا سيما بعد تصريحات عدة أدلى بها الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، حيال الأوضاع في هذا البلد، العضو في حلف شمال الأطلسي، خلال حملة ترشحه للرئاسة، وإثر إعلان فوزه. وعلى الرغم من أن التعاون بين أنقرة وواشنطن يتم على مستوى مؤسساتي، إلا أنه من الطبيعي أن تكون مواقف الرئيس الأميركي الشخصية، مؤثرة في عمل المؤسسات، التي سيسمي الرئيس من يديرها من وزراء ومبعوثين ومستشارين وغيرهم.
عبّر بايدن مراراً عن عدم رضاه من سياسات رجب طيب أردوغان في المنطقة
قبل نحو عام من اليوم، أطلق بايدن تصريحات واضحة تنمّ عن موقفه من الأوضاع في تركيا، ونيّته تقديم دعم سياسي أميركي للمعارضة، في حال فوزه بالرئاسة، من أجل الإطاحة بحكم الرئيس رجب طيب أردوغان. وعبّر نائب الرئيس الأميركي السابق، عن عدم رضاه عن سياسات أردوغان في المنطقة، وهو عاد وكرّر موقفه هذا قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية. وإبان معركة إقليم ناغورنو كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا، دعا بايدن دولاً مثل تركيا إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فضلاً عن انتقاده الموقف التركي شرقي المتوسط، واتهامه أنقرة بتصعيد الأوضاع في المنطقة. وهذه التصريحات والمواقف تحمل الحكومة التركية على وضعها بالحسبان، في تواصلها مع الجانب الأميركي.
أما بالنسبة للمعارضة التركية، فإنها رفضت تصريحات بايدن، واعتبرتها تدخلاً مباشراً في الشؤون الداخلية لبلادها، لأنها تدرك أن قبولها بأي دعم أميركي للوصول للحكم، يؤكد مزاعم أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" بوجود نيّة خارجية للتدخل في تركيا ومحاربة الحكومة. ويأتي ذلك فيما يعاني الاقتصاد التركي من التراجع في صرف سعر العملة المحلية، وهو ما يترك تبعات اقتصادية هامة. ويقوي ذلك من موقف ومكانة الحكومة التركية، على حساب المعارضة التي قد تضطر إلى تقديم تبريرات للشعب لقبولها أي دعم أميركي مثلاً، ما حداها على الفور لرفض تصريحات بايدن.
على الرغم من ذلك، كان أول المهنئين لبايدن بفوزه بالرئاسة، من الجانب التركي، رئيس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض كمال كلجدار أوغلو، الذي جاءت تهنئته حتى قبل الرئيس التركي نفسه، وهو ما يعكس ارتياحاً للمعارضة ممثلة بـ"تحالف الشعب" الذي يضم أبرز حزبين معارضين، هما حزب "الشعب الجمهوري" والحزب "الجيد".
وتعليقاً على ذلك، رأت رئيسة حزب "الشعب الجمهوري" المعارض في إسطنبول، جانان كافتانجي أوغلو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "العالم يعاني في الفترة الراهنة من مشاكل هامة، من مشكلة المناخ، وعدم التوزيع العادل للدخل، وزيادة الميزانيات المخصصة للحروب بشكل مستمر، ومشاكل أخرى، يبقى من أهمها ربما تصاعد الشعبوية". وأوضحت كافتانجي أوغلو أن "القيم الإنسانية تُغتصب من قبل وجوه تدعو إلى الشعبوية كـ(الرئيس الأميركي الخاسر) دونالد ترامب مثلاً"، معتبرة أن خسارة الأخير "بغض النظر عن الفائز، أمر جيّد، ونحن في المعارضة نفضل دائماً وندافع عن خيارات الحكم عبر الوسائل الديمقراطية، ولدينا القدرة لتحقيق ذلك، وتحقيق السلام هو هدف أساسي لحزبنا". وأضافت أنه "لهذا السبب، نحن نؤمن بتأسيس علاقات مع جيراننا وحلفائنا عبر المؤسسات، وليس عبر شخصنة العلاقات، وفي الفترة الأخيرة شاهدنا كيف تسببت العلاقات على مستوى الأشخاص وخلف الأبواب الموصدة بأضرار على العلاقات"، آملة "أن نشهد في الفترة المقبلة علاقات عبر قنوات دبلوماسية، فيها آليات التوازن ورقابة متاحة".
وعن موقفهم من بايدن ودعمه للمعارضة، قالت رئيسة حزب "الشعب الجمهوري" المعارض في إسطنبول إن "أكبر اعتراض على تصريحات بايدن السابقة كانت من قبل حزب الشعب الجمهوري، ولهذا الموقف أسباب عدة، فحزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه، كان على علاقة جيدة مع الولايات المتحدة عندما تلاقت المصالح الأميركية معه، منها حرب العراق وأمثلة كثيرة، وبالتالي فإن نظرتنا لأميركا تعطينا فكرة أنها لا تنظر سوى لمصلحتها". أما السبب الثاني لرفض تصريحات بايدن، فهو بحسب كافتانجي أوغلو، "روح تأسيس الحزب الذي يدافع عن تركيا المستقلة، ولهذا رفض الشعب الجمهوري مذكرة الأول من مارس/آذار 2003 (مذكرة عرضها حزب العدالة والتنمية على البرلمان لتخويله السماح بإرسال جنود قوات أجنبية من داخل تركيا لأراضٍ أخرى تمهيداً لحرب العراق)". وأكدت كافتانجي أوغلو أن حزبها "لديه الحماس والحزم لهزيمة العدالة والتنمية منذ توليه الحكم، ويدرك متطلبات البلاد ومسؤولياته تجاهه"، مؤكدة أنه "كما نجح الحزب في الانتخابات المحلية الأخيرة، فهو سينجح في الانتخابات البرلمانية، وسيضع هامشاً في تاريخ العالم السياسي بتمكنه من تغيير نظام الحكم الشعبوي، وعند ذلك ليست هناك حاجة لا لبايدن ولا لأي زعيم في العالم، ونحن نرفض كل من يعتزم القيام بهذا الدعم".
ترى المعارضة التركية أن علاقة أنقرة مع واشنطن خلال حكم ترامب، سارت على مبدأ العلاقات الشخصية بينه وبين أردوغان
من جهته، تحدث رئيس قسم العلاقات الدولية في الحزب "الجيد" أحمد كامل إروزان، لـ"العربي الجديد"، عن موقف الحزب من الانتخابات الأميركية وفوز بايدن، والعلاقات الثنائية المشتركة وإمكان دعم الرئيس الأميركي الجديد للمعارضة التركية. وقال إروزان في هذا الصدد إن "العلاقات التركية الأميركية في فترة حكم ترامب، سارت على مبدأ العلاقات الشخصية بينه وبين أردوغان، وكانت هذه العلاقة ضد مصلحة تركيا"، مضيفاً أنه "بالنظر إلى أن هذه العلاقة تدفع لعدم التوازن، فإن بيانات بايدن حول جعل العلاقة مع تركيا عبر المؤسسات تدفعنا للترحيب بها". ورأى أن "الأمر الهام في العلاقات بين البلدين، هو قدرة من يحكم تركيا على الصمود بثبات أمام الولايات المتحدة"، واصفاً سجل أردوغان في هذا المجال بـ"السيئ جداً، وهذا هو سبب خشيتنا بالنظر للمستقبل".
ولفت إروزان إلى أنه "في حال تولي الحزب الجيّد الحكم، فإنه سيتبنى سياسة تكون أولويتها المصالح الوطنية في العلاقات مع أميركا، بل مع كل دول العالم أيضاً"، متابعاً أنه "يجب على الجميع إدراك أن تركيا ليست دولة تدار بسياسة العصا والجزرة، وتصريحات بايدن يجب قراءتها على أنها دعوات للديمقراطية والحق والحقوق والعدالة، ولكن لا يجب الاستغراب أن تكون السياسات التي سينتهجها مغايرة لبياناته السابقة، والمهم اتّباع طريقة ذكية في التعامل المشترك".