انتهت المبادرات السياسية في الجزائر، التي أعلنتها قوى وتحالفات حزبية ومدنية، إلى مآلات متوقعة، من دون تحقيق أية أهداف كانت قد رسمت لها عند إطلاقها، سواء تلك التي بادرت بها أحزاب موالية للسلطة بنية دعم سياسات الرئيس عبد المجيد تبون، أو معارضة بنية إحداث ديناميكية في الساحة السياسية وتجديد النقاش حول قضايا الديمقراطية والحريات.
واختفت النقاشات الحزبية والإعلامية حول هذه المبادرات السياسية في الجزائر، والتي كانت قد طرحت بداية الصيف الماضي، بعدما وصلت إلى المآلات نفسها التي انتهت إليها تجارب مبادرات في السنوات الأخيرة، فعلى الرغم من استمرار قيادة جبهة القوى الاشتراكية المعارضة في إجراء مشاورات حول مبادرتها السياسية بعنوان "بناء الإجماع الوطني" منذ أغسطس/آب الماضي، كان آخرها لقاء قيادتها مع قادة أحزاب فتية، إلا أن المبادرة، كما مبادرة قوى الموالاة بعنوان "لم الشمل"، باتت متجاوزة زمنيا وسياسيا، وتم تحييدها من اهتمامات مجموع الأحزاب السياسية في البلاد، خاصة أن استحقاقات العام القادم ستكون انتخابية بالأساس، في علاقة بالانتخابات الرئاسية المقررة في غضون عام 2024.
وهذه البرودة في التعاطي مع المبادرات السياسية في الجزائر تشمل أيضا مبادرات أخرى سبق أن طرحتها أحزاب موالية، كمبادرة "لم الشمل" التي ضمت 19 حزبا سياسيا و30 من التنظيمات المدنية والنقابات المهنية، ووجهت لإسناد سياسات الرئيس عبد المجيد تبون.
وعلى الرغم من أن حركة البناء الوطني كانت الداعية والمنظمة للمبادرة، إلا أنها باتت تتجاهل الحديث عنها في بياناتها الأخيرة، كما لم تعد تتطرق إلى آليات تنفيذها أو اتخاذ خطوات جديدة بشأنها، مع تجاهل واضح لقادة أحزاب شريكة في المبادرة، كجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، لاستمرار تبني المبادرة أو الحديث عنها، بينما سبق ذلك إعلان قادة أحزاب شريكة في المبادرة، بينهم رئيس حزب صوت الشعب، من الحزام الرئاسي، الاستياء من الطريقة التي أديرت بها المبادرة السياسية، ومحاولة حركة بعينها (يقصد حركة البناء الوطني) الهيمنة عليها.
حركة مجتمع السلم خارج المبادرات السياسية في الجزائر
قال رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، السبت الماضي، في ندوة نقاش نظمتها صحيفة محلية، إن الحركة وضعت نفسها مبكرا خارج أي تفاعل مع هذه المبادرات، بغض النظر عن محتواها السياسي غير المختلف عليه، مضيفاً: "نحن مقتعنون، وقلنا ذلك بكل وضوح، أن مجموع المبادرات السياسية المطروحة حاليا، والتي تستهدف قضايا سياسية والوضع العام في البلاد، لا يمكن أن تذهب بعيدا، لأن الطرف الأبرز الذي يجب أن يكون حاضرا فيها هو السلطة، وهي غائبة، ونحن نعتقد أن أية مبادرة لا تكون السلطة طرفا فيها، لن تحقق أهدافها، لأن هنا واقعاً سياسياً يجب الإقرار به، وهو أن السلطة هي الطرف المتحكم في الساحة".
ومضى قائلاً: "إذا كانت المبادرات مجرد لقاءات لتلاوة البيانات، فإنه لا جدوى من ذلك".
ولم يبد الرئيس تبون أي تفاعل مع هذا النوع من المبادرات السياسية في الجزائر، ولم يستقبل وفداً ممثلاً عن تحالف هذه المبادرة كما حدث في مبادرات سابقة، على غرار مبادرة قوى الإصلاح في أغسطس/آب 2020، كما أن رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل كان قد أطلق رصاصة الرحمة على هذه المبادرات، عندما قال قبل مدة قصيرة إن فكرة لم الشمل ورص الجبهة الداخلية تخص الرئيس تبون وليست فكرة أي حزب أو كتلة سياسية، وفهم من تصريحه ذلك عدم تحمس السلطة للتعاطي مع المبادرات السياسية.
وقال المحلل السياسي فيصل زغداني إن "هذه النهايات ليست مفاجئة ولم تكن مفاجئة، هناك ثلاثة عوامل تحكم على هذه المبادرات بمثل هذه النهايات، أولا، لأنها مبادرات تأتي في ظرفية وبعناوين داعمة للسلطة، وبالتالي فهي لا تتوخى تقديم إضافة وتفتقر إلى الجدية السياسية والآليات الكفيلة بتنفيذها، سواء بسبب طبيعة القوى التي أطلقتها والتي لا تملك أية إمكانية للضغط في اتجاه أو في آخر، أو لكونها مبادرات تنطلق من مقاربات ليست واقعية وتستند إلى عناوين وشعارات سياسية أكثر منها إلى مشروع سياسي".