تستعدّ اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5 + 5 لاستئناف اجتماعاتها، الاثنين المقبل، في مدينة غدامس الليبية، بعد أيام من توقيعها اتفاق وقف دائم لإطلاق النار، في وقت أكدت فيه البعثة الأممية في ليبيا أن تنفيذ وقف إطلاق النار مسؤولية الأمم المتحدة.
وفيما أكدت رئيسة البعثة الأممية في ليبيا بالإنابة ستيفاني ويليامز، قرب انعقاد اجتماع لوفدي اللجنة العسكرية المشتركة، أشارت إلى أن الاجتماع ستكون من أولوياته مناقشة ملف إخراج المقاتلين الأجانب من البلاد. وكشفت مصادر ليبية مطلعة عن أن الاجتماع ستحتضنه مدينة غدامس، أقصى الغرب الليبي، بعد غد الاثنين.
واليوم السبت، التقى رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، بويليامز للتشاور "في الخطوات المقبلة لاستئناف المسار السياسي".
وذكر المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي لـ"حكومة الوفاق"، عبر منشور على صفحته الرسمية في "فيسبوك"، أن الجانبين أكدا أهمية ملتقى الحوار السياسي الليبي المزمع عقده في تونس في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وأنه "يمثل فرصة تاريخية ليقرّر الساسة الليبيون مسار التحرك نحو حل سياسي من دون تدخل خارجي، ووفق خريطة طريق واضحة وملزمة وبتواريخ محددة، للوصول إلى انتخابات وطنية تُجرى على قاعدة دستورية صلبة".
كذلك أكدا أهمية أن "يشمل الحل السياسي جميع الليبيين، وأن يضع الجميع مصالح الوطن فوق مصالحهم الشخصية والجهوية، حفاظاً على سيادة ليبيا واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية".
رئيس المجلس الرئاسي يجتمع مع الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة اجتمع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق...
Posted by حكومة الوفاق الوطني Government of National Accord on Saturday, October 31, 2020
وأعلن السراج، ليل أمس الجمعة، تراجعه عن استقالته، التي كان من المقرَّر أن يعلنها نهاية الشهر الجاري، من منصبه استجابة لمطالب ليبية ودولية.
ويأتي اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة المرتقب على خلفية اصطدام اللجان الفرعية التي شكلتها اللجنة العسكرية لبدء تنفيذ بنود الاتفاق العسكري بعراقيل، من بينها فشلها في إقناع الطرفين بفتح مسارات الطرق البرية رغم نجاحها في اقناعهما بفتح المسارات الجوية والمطارات بين طرابلس وبنغازي، بحسب ذات المصادر.
ووفق معلومات المصادر التي تحدثت لـ "العربي الجديد"، وهي حكومية من طرابلس وبرلمانية من طبرق، فإن بند وقف تدريبات فصائل الطرفين العسكرية التي تتلقاها من حلفائها في الخارج يواجه عرقلة الرفض أيضاً، فضلاً عن تعقّد ملف المقاتلين الأجانب في الطرفين، لكن ويليامز أشارت، خلال تصريحات تلفزيونية، إلى "وجود مساعٍ" لوقف برامج التدريب العسكرية بالإضافة إلى دمج بعض المجموعات المسلحة ضمن قوات الجيش الليبي، قبل أن تؤكد أن تنفيذ وقف إطلاق النار "مسؤولية الأمم المتحدة".
ووقّع وفدا اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، الجمعة قبل الماضية، اتفاقاً لوقف دائم لإطلاق النار، تضمّن رجوع الوحدات العسكرية إلى مقارها وإخلاء مناطق خطوط التماس، وخروج المرتزقة في مدة أقصاها ثلاثة أشهر، فضلاً عن تجميد اتفاقات التدريب العسكري إلى حين تسلُّم الحكومة الجديدة عملها.
وعلى الرغم من تفاؤل الباحث السياسي الليبي زايد مؤمن، بانتقال اجتماعات اللجنة العسكرية إلى الداخل الليبي، إلا أنه يلفت إلى أن حديث ويليامز عن مسؤولية الأمم المتحدة عن تنفيذ الاتفاق العسكري قد تكون رسالة ضمنية للطرفين لتدخل أممي مباشر إذا استمرّت عراقيل تنفيذ الاتفاق.
ويشرح مؤمن رأيه بالقول لـ "العربي الجديد"، إن "مقترح إخلاء منطقتي سرت والجفرة من سلاح الطرفين يبدو أن عراقيل كبيرة تعترض تنفيذه، لذا من المرجح أن تتدخل الأمم المتحدة بقوات سلام أممية كبديل مقنع للطرفين"، مشيراً إلى أن انعدام الثقة الناتجة من طول الأزمة والحرب خلق عائقاً عند الطرفين، ما حداهما إلى التمسك بمواقعهما.
ويسهل وجود قوات سلام أممية في المنطقة تطبيق بنود أخرى، على رأسها إخراج المقاتلين الأجانب، ولا سيما مقاتلو "فاغنر" الموجودون بكثافة في منطقة الجفرة، بحسب مؤمن، لذا يرجّح أن يطلب لقاء الوفدين في غدامس مساعدة دولية في ملف إخراج المقاتلين الأجانب.
ورحبت حكومات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة بنتائج محادثات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، واتفاقها على وقف إطلاق النار بشكل دائم، وحثت، في بيان مشترك، "الأطراف الليبية على التزام تعهداتها وتطبيق الاتفاق بالكامل".
وقبيل إعلانه التراجع عن استقالته ليل البارحة، ناقش السراج مع وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، خلال اتصال هاتفي أمس الجمعة، نتائج اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة، حيث أعرب السراج عن قلقه من استمرار التدخل الخارجي في الشأن الليبي ومغبة أن يقود هذا التدخل إلى "تقاسم مناطق نفوذ في ليبيا".
وتبدو نظرة قادة حكومة الوفاق مختلفة بشأن استمرار الدعم الخارجي، فمقابل مطالبة وزير الداخلية فتحي باشاغا بوقف التدخل الخارجي، لكونه "أكبر تحدٍّ لإنهاء الحرب في ليبيا"، بحسب تصريحات لصحيفة "فايننشال تايمز" الثلاثاء الماضي، لا يرى وزير الدفاع في الحكومة، صلاح الدين النمروش، استمرار تحالف حكومته مع الحكومة التركية ذات علاقة بالتدخل الخارجي، مجدداً تأكيد استمرار التعاون المشترك مع تركيا "من أجل توطيد أواصر الأخوة وتعزيز علاقات التعاون في مختلف المجالات، والارتقاء بها إلى المستوى الذي نتطلع إليه على درب الشراكة والتكامل".
وخلال رسالة وجهها إلى نظيره التركي خلوصي آكار، أكد قناعته "الراسخة بأنهما سيستمران في الوقوف معاً في الأزمنة المقبلة".
وفي الجانب الآخر، دعا آمر تجمّع الوحدات العسكرية في المنطقة الغربية التابع لقيادة مليشيات حفتر، "جميع العسكريين التابعين للمنطقة والموجودين في المنطقة الشرقية لحضور التجمع بمقر مصنع اللدائن سيدي خليفة بنغازي الخميس 5 نوفمبر المقبل".
وحذر بيان الآمر، الذي نشرته وسائل إعلام مقرَّبة من حفتر في خبر عاجل ليل أمس، من "يتخلف عن حضور التجمع يتحمل المسؤولية القانونية"، من دون تبيان سبب الاجتماع.
وعلى الرغم من مطالبة وفدي اللجنة العسكرية، خلال توقيعهما الاتفاق في جنيف الجمعة قبل الماضية، بـ"إحالة اتفاق وقف إطلاق النار الموقع على مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار لإلزام كل الأطراف الداخلية والخارجية"، إلا أن مجلس الأمن اكتفى بالترحيب بالاتفاق، وحثّ الأطراف الليبية على تنفيذه. ويعلّق مؤمن من جانبه، على أن تحصين مجلس الأمن للاتفاقات الجديدة، وخصوصاً العسكرية منها، سيواجَه باعتراض أعضاء كروسيا، ولذا سيبقى الاتفاق العسكري كما وصفه باشاغا في تصريحات سابقة بـ"الهش".
ويؤكد مؤمن أن البعثة هي التي تسرّع اجتماعات اللجنة العسكرية بغية التوصل إلى شيء جديد يلامس واقع الميدان، سعياً لإزاحة العراقيل التي قد تواجه اجتماعات ملتقى الحوار الشامل المزمع عقده قريباً في تونس، مشيراً إلى أن البعثة تسرعت، إذ راهنت على توقيع الاتفاق من جانب الطرفين بشكل سريع من دون حشد دعم دولي له.
لكن المحلل السياسي الليبي الهادي نقاصة، يرى أن انعدام الثقة جعل كل طرف يتحفظ ويصرّ على البقاء في موقعه، فسيناريوهات الماضي القريب والبعيد لا تزال ماثلة في الأذهان، خصوصاً عدوان حفتر العسكري المباغت على طرابلس، رغم الحشد الدولي الذي حصلته الأمم المتحدة لعقد لقاء ليبي شامل في غدامس السنة الماضية.
ويقول نقاصة متحدثاً لـ"العربي الجديد"، إن "من ملامح انعدام الثقة، هشاشة طلب الوفدين العسكريين تحصين الاتفاق من قبل مجلس الأمن، على الرغم من أن الاتفاق ملزم للداخل والخارج، بنصّه داخل بنوده على أنه استند إلى نتائج قمة برلين التي اعتمدها مجلس الأمن في قراره 2310، ما يعني أن الأطراف الليبية لم تعد تثق ببعضها ولا بالمواقف الخارجية"، معتبراً أن تحصين القرار يجب أن يكون نابعاً من الداخل، ويُبلِّغ به وفدا اللجنة حلفاءهما في الخارج لقطع الطريق أمام استمرار التأثير الخارجي.
وعلى الرغم من تفاؤل البعثة بشأن توصل ملتقى الحوار الشامل المزمع عقده في تونس إلى مخرجات سياسية بشأن تكوّن سكة مؤقتة والاتفاق على موعد للانتخابات، إلا أن نقاصة يرى أن تنافس الأطراف الخارجية يوجه اتجاهات البعثة الأممية، ويقول: "حتى وإن تكونت سلطة جديدة، لن يتوقف خرق التدخل الخارجي عن الاتساع، ومن الممكن جداً أن تستغلّ بعض الأطراف الخلافات الحالية لطلب تدخل أممي بهدف فرض تطبيق بنود الاتفاق، ولا سيما في بنود إخلاء منطقتي سرت والجفرة من السلاح وإحلال قوات أممية بدل قوات الطرفين".