"فلسطينيو الشمال السوري" تعبير بات يدلل على شريحة فلسطينية ولّدها الواقع السوري المنقسم جغرافيًا وسياسيًا منذ سنوات، أضيف إلى جملة من العبارات التي تطلق على مجاميع الشتات الفلسطيني، كلٌّ حسب الحيز الجغرافي الذي لجأ إليه منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، على نحو (فلسطينيو لبنان، فلسطينيو سورية، فلسطينيو الأردن.. إلخ).
بقي التعبير خارج إطار التداول الإعلامي والسياسي والحقوقي فلسطينيًا ودوليًا إلا ما ندر، رغم تبلوره موضوعيًا على مدى سنوات، بعد تجمع تلك الشريحة الفلسطينية في الحيز الجغرافي السياسي القائم حاليًا شمال غربي سورية، وبروزها واحدة من مسائل اللجوء الفلسطيني المزمن، الذي لم يعتد تجزئته وتجريده عن معبراته الرسمية، سواء الأممي منه ممثلًا في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أو المعبر الفلسطيني الرسمي المتمثل بمنظمة التحرير وفصائلها.
أخرجت الوكالة الأممية تلك الشريحة من نطاق خدماتها، منذ تموضعها خارج مناطق سيطرة النظام السوري، إثر التسويات التي أبرمت في مناطق النزاع بين الأعوام 2016 حتى 2018، بين النظام وفصائل المعارضة السوريّة. التي نصّت حينها؛ على خروج عناصر المعارضة إلى الشمال السوري، وتسوية أوضاع الراغبين بالبقاء ومن ضمنهم اللاجئون الفلسطينيون، حينها شملت التسويات مخيمات عديدة مثل مخيم خان الشيح بريف دمشق، ودرعا جنوب سورية، ومخيم اليرموك، وبلدات جنوب دمشق (يلدا، ببيلا، وبيت سحم).
العديد من المناطق الخارجة عن عمل الوكالة، مثل جمهورية مصر العربية، تضم مكتب ارتباط تابعا لـ "أونروا"
لم تصدر أرقام رسمية توثق أعداد "فلسطينيي الشمال السوري" وأماكن توزعهم، بسبب غياب وكالة "أونروا"، وكافة الجهات الرسمية الفلسطينية والفصائلية عنهم عن متابعة أوضاعهم، إلّا أنّ معطيات صحافية؛ نشرها موقع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" المتخصص بشؤون اللاجئين الفلسطينيين، تشير إلى أنّ تواجد بين 1500 إلى 1600 عائلة تعيش في مناطق شمال غربي سورية، منها 70 عائلة في منطقة جنديرس، و700 عائلة في إدلب وريفها، إضافة إلى 500 عائلة في عموم ريف حلب الشمالي، و250 عائلة في مخيم دير بلّوط في ريف مدينة عفرين.
أحالت كارثة الزلزال المدمر؛ الذي ضرب تركيا وسورية يوم 6 فبراير/شباط الجاري، مئات الآلاف من سكان مناطق شمال غربي سورية؛ الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، إلى منكوبين، من ضمنهم لاجئون فلسطينيون، تصنفهم التقديرات الإعلامية الميدانية ضمن الشرائح الأكثر ضررًا من الزلزال وتبعاته.
كذلك طالت كارثة الزلزال؛ إضافة إلى فلسطينيي الشمال السوري، نحو 57 ألف لاجئ فلسطيني في مخيمات عديدة أخرى، مثل النيرب وحندرات في حلب، ومخيم الرمل الفلسطيني في مدينة اللاذقية السورية، جميعها مخيمات رسمية واقعة ضمن المناطق التي يسيطر عليها النظام، تضررت منازلهم وأحيل المئات منهم إلى نازحين.
أصرت وكالة "أونروا"؛ في خضم كارثة الزلزال، على استثناء الفلسطينيين الموجودين في مناطق شمال غربي سورية، حتّى في ندائها العاجل الصادر بتاريخ 7 فبراير/شباط الجاري، الذي خصصته لإغاثة المنكوبين الفلسطينيين في "المناطق التي يمكن الوصول إليها من دمشق" بحسب بيانها، ما يعني التخلي عن 1600 عائلة فلسطينية لم تخرج من الأراضي السورية، بل دفعها التهجير القسري إلى تغيير مكانها وقسد المناطق الشمالية الغربية.
تستمد تعريفات الشتات الفلسطيني صفة اللجوء من إدراجها ضمن سجلات "أونروا"؛ كونها المنظمة الأممية التي عرّفت اللاجئ الفلسطيني، حددت الوكالة أماكن عملها في أقاليم وجود اللاجئ الفلسطيني الخمس (الضفة الغربية، قطاع غزة، سورية، لبنان، الأردن)، في حين لم تحظ المجموعات التي قصدت؛ عقب تهجيرها عن فلسطين، مناطق خارج تلك الأقاليم بتلك الصفة الأممية، مثل فلسطينيي العراق ومصر وليبيا وسواهم، نظراً إلى رفض هذه الدول عمل الوكالة على أراضيها، وتعهدها بإشرافها الكامل على شؤونهم، وإدراجهم ضمن اختصاص هيئات حكومية تتبع وزارات بعينها.
تختلف حالة "فلسطينيي الشمال السوري" عن كافة الحالات الفلسطينية الأخرى؛ التي لم تُدرج ضمن نطاق عمل "أونروا" سابقًا، نظرًا إلى غياب جهة دولتية أو أممية أقرت بصفتهم لاجئين، وتبنتهم وتحملت مسؤوليتهم على أراضيها أو ضمن نطاق عملها.
"فلسطينيو الشمال السوري" تعبير بات يدلل على شريحة فلسطينية ولّدها الواقع السوري المنقسم جغرافيًا وسياسيًا منذ سنوات
لم تخرج تلك الشريحة أساسًا من الأراضي السورية، ولم ترقّن قيودها من سجلات الوكالة، ما يمكن اعتباره تخليًا جليًا، استنادًا إلى ميثاق الوكالة، الذي يشير بوضوح إلى أنّ "خدمات أونروا متاحة لكافة أولئك الذين يعيشون في مناطق عملياتها، والذين ينطبق عليهم ذلك التعريف، والمسجلين لدى الوكالة وبحاجة إلى المساعدة".
مبررات متنوعة، ساقتها وكالة "أونروا" في تبرير تقاعسها تجاه هذه الشريحة من اللاجئين، منها ما أوردته مرارًا تقارير النداءات الطارئة الصادرة عنها، استجابة للأزمة السورية خلال الأعوام السابقة، أبرزها وجودهم "في مناطق يصعب الوصول إليها"، إضافة إلى اعتبارهم "يتلقون مساعدات من جهات شريكة للوكالة تعمل في تلك المناطق".
تنفي تلك المبررات أطر أهلية ورسمية عديدة، برزت في شمال غربي سورية، وتصدت إلى مهمة التعبير مطلبيًا وقانونيًا عن اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري، منها "مكتب توثيق اللاجئين الفلسطينيين"، إذ قلل مديره عمار قدسي في تصريح لـ "العربي الجديد" من شأن تلك التبريرات، وأشار إلى أنّ عدّة منظمات دولية تدخل إلى مناطق الشمال السوري عبر تركيا، منها منظمة الأمم المتحدة للغذاء "أوتشا"، التي وقّعت اتفاقاً في العام 2018، مع فصائل تابعة للمعارضة السوريّة المسلّحة في الشمال السوري، بهدف التوصّل إلى آلية تسهّل وصول المساعدات الإنسانيّة لسكّان المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.
انتقد قدسي مبررات الوكالة، التي "لا تستند إلى أي مخاوف مبررة تدفعها إلى تصنيف مناطق شمال غربي سورية بمناطق يصعب الوصول إليها"، كما نفى تلقي اللاجئين الفلسطينيين مساعدات من جهات شريكة للوكالة.
أشار قدسي كذلك؛ إلى أنّ العديد من المناطق الخارجة عن عمل الوكالة، مثل جمهورية مصر العربية، تضم مكتب ارتباط تابعا لـ "أونروا"، وتساءل عن الأسباب التي تمنع الوكالة الأممية من فتح مكتب ارتباط لها في تركيا، بغرض الوقوف على احتياجات اللاجئين الفلسطينيين.
يحرم فلسطينيي الشمال السوري من معونات الوكالة الدورية، التي تقدمها للمدرجين ضمن سجلاتها في سورية، ويتلقاها اللاجئون في مناطق النظام، تشمل مبالغ مالية لا تتعدى 25 دولارًا لكل عائلة تمنح ثلاث مرات سنويًا، إضافة إلى إغاثة عينية، فضلاً عن الخدمات التعليمية والصحية التي يحرم منها فلسطينيو الشمال، منذ أكثر من 8 سنوات على تهجيرهم إلى تلك المناطق.