العودة إلى أصول الصراع: الحكومة الإسرائيلية تسرع الاستيطان في الجليل والنقب والضفة

20 يونيو 2023
مستوطنون في "حوميش"، مايو الماضي (مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -

تعمل الحكومة الإسرائيلية على ضم الأراضي المحتلة كأمر واقع، لكن من دون الإعلان عن ذلك، عبر سلسلة من الخطوات، وبواسطة سياسات التنكيل والعنف تجاه الشعب الفلسطيني. أما الوجه الآخر لهذه العملية فيشمل مشاريع لتعزيز الاستيطان والسيطرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بالإضافة إلى سياسات تعزيز الاستيطان وتهويد الجليل والنقب، بما يظهر أن المشروع الصهيوني بصيغته اليمينية الدينية المتطرفة الحالية، يعيد الصراع إلى أصوله، بحيث يرمي للسيطرة على الأرض، والتضييق قدر الإمكان على الفلسطينيين في كل فلسطين التاريخية، في ظل انشغال المنظومة السياسية والإعلامية في إسرائيل، بل في الإقليم والعالم، بالخطة الحكومية لتقييد وتغيير مكانة السلطة القضائية في إسرائيل.

متابعة السياسات الحكومة الحالية توضح أنها تتجه نحو تحقيق تغييرات جوهرية على أرض الواقع تجاه المواطنين الفلسطينيين والأراضي المحتلة عام 1967، ستؤدي إلى تغيير الواقع بشكل جوهري. وتسعى حكومة إسرائيل إلى حسم ملف مكانة الفلسطينيين في إسرائيل وملف الاستيطان، الرامي إلى فرض هوية وطابع إسرائيل كدولة يهودية في كل فلسطين التاريخية، وإلغاء أي إمكانية لحل سياسي مع السلطة الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية.

سعي لحسم ملف الفلسطينيين في إسرائيل

وسنّ الكنيست في عام 2018 قانون أساس "الدولة القومية لليهود في إسرائيل"، الذي عرّف أهداف دولة إسرائيل وحدد طبيعة النظام الدستوري.

تحاول الحكومة الحالية تطبيق "قانون القومية" قدر الإمكان على أرض الواقع

وقد اعتبره الفلسطينيون في إسرائيل حينها بأنه "قانون القوانين"، وفقاً لتعبير المحامي حسن جبارين مدير مركز عدالة (المركز القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية)، الذي فسر ذلك بأن تطبيق السياسات الإسرائيلية في السابق كان يتم باسم الرؤية السياسية للحركة الصهيونية.

أما بعد إقرار القانون فقد صار ينفذ باسم السلطة القانونية، وكأنها سلطة ديمقراطية بمفهوم سلطة الغالبية. وبناء عليه، فإن هذا القانون أكد السعي الإسرائيلي إلى تهويد فلسطين في كل المجالات، من الأرض والمسكن واللغة والثقافة وتسمية الأمكنة، بالإضافة لمنع حق العودة وترسيخ فلسطين على أنها أرض يهودية.

الحكومة الحالية تأخذ على محمل الجد تحويل "قانون القومية" إلى قانون تنفيذي، وتحاول تطبيقه قدر الإمكان على أرض الواقع، خصوصاً في مجال هوية الدولة والسيطرة على الأرض والاستيطان.

أحد هذه الأساليب هو اقتراح القرار الحكومي لاعتبار "الصهيونية كقيمة موجهة لسياسات الحكومة"، الذي قدمه وزير النقب والجليل إسحق ﭬيسرلاوف (من حزب القوة اليهودية) بداية إبريل/نيسان الماضي، والذي تُمنح بموجبه "القيم الصهيونية وزناً حاسماً، وقيمة إرشاديّة في جميع أعمال الوزارات الحكوميّة" وفقاً لروح "قانون القوميّة" الذي سُنّ عام 2018.

وزير النقب والجليل أوضح أهداف القرار قبيل تقديمه، بحيث قال إن الحكومة "ستواصل رفع الراية الصهيونيّة من أجل الاستيطان والأمن، وسيسمح لنا القرار بإعطاء الأولويّة للجنود والجنود المسرحين، لإثبات ارتباط الشعب اليهوديّ بوطنه، وتقوية النقب والجليل ويهودا والسامرة (الضفة الغربية)".

ووفقاً لموقع القناة 7 اليمينيّ، فإن الهدف الرئيسيّ من الاقتراح هو العمل بغية تهويد النقب والجليل وتعزيز الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67. إذا، أحد أبرز وأوضح المخاطر الفورية لهذا الاقتراح، سيكون في مجال التخطيط والإسكان والتطوير، بحيث ترغب الحكومة زيادة جرعات تهويد الجليل والنقب، وزيادة عدد السكان اليهود في هذه المناطق وتطورها، خاصة في الجليل، كون المجتمع العربي ما زال يشكل قرابة 54 في المائة من عدد السكان هناك، وفقاً لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية للعام 2022.

اقتراح القانون هذا يضاف إلى عدة خطوات وقرارات اتخذتها الحكومة مؤخراً، بهدف تهويد الجليل والنقب، منها اقتراح تعديل قانون سلطة الأراضي، الذي يسعى إلى تخصيص أرض مجانية للجنود المسرحين في النقب والجليل. وهو اقتراح قدمه عضوا الكنيست نسيم فاتوري وإيلي دلال (عن حزب الليكود)، وأُقِر في قراءة تمهيديّة في الكنيست في 22 فبراير/شباط الماضي.

كما تعمل الحكومة على تحضير مشروع لتعديل قانون التخطيط والبناء، بغية زيادة عدد ممثلي الحكومة وتأثيرها في لجان التخطيط وتسريع المشاريع الاستيطانية. كذلك قدم عضو الكنيست يعقوب آشر (من حزب يهدوت هتوراة) اقتراح قانون يهدف إلى ضمان التمثيل المناسب للحريديم في لجان التخطيط.

كما أقر الكنيست بالقراءة التمهيدية، في 7 الشهر الحالي، تعديلاً في قانون لجان القبول للبلدات، يسمح بتشكيل لجان قبول في بلدات تسكنها 1000 أسرة أو أقل بدلاً من 400 كما نص القانون قبل التعديل. هذا يعني أنه سيكون هناك فحص للمتقدمين للسكن في معظم التجمعات المجتمعية والريفية في البلاد وجميعها يهودية، ما سيزيد التمييز تجاه المجتمع العربي ويصعب السكن في غالبية هذه البلدات.

إنشاء مستوطنات جديدة في النقب

كذلك تعمل الحكومة على إنشاء مستوطنات جديدة في النقب، مثلها مثل الحكومات السابقة، وتشجيع إنشاء البلدات اليهودية في النقب على أراض عربيّة، فبعضها مخطط أن يُبنى بجانب أو في أماكن تواجد قرى بدوية تنتظر الاعتراف بها منذ عقود، ما يصعب الاعتراف بالقرى العربية في المنطقة، وأحياناً تكون هذه المخططات حجة لتهجير السكان العرب.

هذه القوانين جزء من أجندة واسعة جوهرها هو التفوق اليهودي، بروح "قانون القومية"، وترمي في نهاية المطاف إلى تهويد الحيّز وإقصاء العرب، وتوضح أن الحكومة ترى أن الصراع على الأرض والديمغرافية ما زال قائماً ولم يحسم بعد.

حسم لا دولة فلسطينية

وبالتوازي، لسن قوانين وقرارات تمنح أفضلية للاستيطان اليهودي في الجليل والنقب، تسعى الحكومة أيضاً إلى تغيير الواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، خصوصاً توسيع وتعميق الاستيطان وتطوير البنى التحتية وتشجيع السياحة، بهدف تأبيد الاحتلال وإلغاء أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية.

ولترجمة هذا التوجه على أرض الواقع، صادقت الحكومة الإسرائيلية خلال اجتماعها الأسبوعي، أول من أمس الأحد، على قرار بتفويض رئيس حزب "الصهيونية الدينية" والوزير في وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش، إصدار المصادقة الأولية للتخطيط والبناء في المستوطنات، إضافة إلى تقصير إجراءات توسيع المستوطنات.

ويقضي القرار بأن يتم دفع مخططات البناء في المستوطنات من دون مصادقة المستوى السياسي الإسرائيلي، خلافاً للوضع القائم منذ 25 سنة. وبذلك لن تكون هناك حاجة إلى مصادقة المستوى السياسي من أجل طرح مخططات بناء استيطاني في مجلس التخطيط الأعلى، التابع لوحدة "الإدارة المدنية" في جيش الاحتلال الإسرائيلي، خلال مرحلتي إيداع المخطط والمصادقة عليه نهائياً.

والهدف من هذا التغيير، كما جاء في موقع "عرب 48" عن مصادر إسرائيلية هو "تطبيع" المصادقة على مخططات البناء في المستوطنات وجعلها شبيهة بالوضع في إسرائيل.

قبل هذا القرار أوعز وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بداية مايو/أيار الماضي لمندوبي الوزارات بالاستعداد لاستيعاب نصف مليون مستوطن آخر في الضفة الغربية المحتلة، ولتحسين البنية التحتية في المستوطنات.

تعمل الحكومة على تشجيع إنشاء البلدات اليهودية في النقب على أراض عربيّة

وذكرت صحيفة "هآرتس" وقتها أن سموتريتش يعتبر مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة "مهمة أساسية" للحكومة. وطالب الوزارات بإمداد بنية تحتية متطورة لجميع المستوطنات، بضمنها البؤر الاستيطانية العشوائية. كما طالب بأن يشمل المخطط خططاً للمواصلات العامة والتعليم والتشغيل.

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أبلغت، بداية يونيو/ حزيران الحالي، الإدارة الأميركية، أنها تعتزم الإعلان عن بناء ما لا يقلّ عن 4 آلاف وحدة سكنية في المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة. وما زالت الحكومة الإسرائيلية تدرس إقرار خطط للبناء في منطقة "إي 1" (E1)، الذي يستهدف إقامة آلاف الوحدات الاستيطانية لربط مستوطنة "معالي أدوميم" مع القدس وعزل المدينة عن محيطها، وتقسيم الضفة الغربية إلى قسمين، بما يؤدي إلى القضاء على خيار "حل الدولتين" ويمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

تطوير المناطق الصناعية

وبالإضافة لتوسيع المستوطنات وزيادة عدد المستوطنين، تعمل الحكومة على توسيع البنى التحتية والمناطق الصناعية، وتشجيع المرافق السياحية في المستوطنات. وفي بداية يونيو الحالي نشرت منظمة "السلام الآن" تقريراً عن إيداع مخطط لتطوير وتوسيع المنطقة الصناعية "باب السامرة" (غرب الضفة الغربية) إلى اللجنة العليا للتخطيط. وبحسب الخطة ستكون مساحة المنطقة الصناعية نحو 2700 دونم، وبذلك ستكون "بوابة السامرة" أكبر منطقة صناعية في الضفة الغربية بمساحة 2 مليون متر مربع.

وفي مجال تطوير السياحة في الأراضي المحتلة، أقرت الحكومة في الاجتماع الحكومي، الذي عقد على شرف ما يسمى "يوم القدس"، نهاية مايو الماضي، المرحلة الثالثة من خطة "شاليم" للكشف عن القدس القديمة بمبلغ 41 مليون شيكل (الدولار يساوي 3.6 شيكل) لمدة عامين.

كما أقرت الحكومة، بداية مايو الماضي، استثمار 32 مليون شيكل في تطوير موقع سبسطية الأثري، بحيث يشمل تهيئة طريق وصول للإسرائيليين إلى الموقع، وكذلك تحويله إلى موقع يستقبل الجمهور. ويقع الموقع في قرية سبسطية الفلسطينية القريبة من مدينة نابلس، ويقع بجزء منها في منطقة "ب" وجزء آخر في منطقة "ج". عملياً يخلق القرار مستوطنة سياحية إسرائيلية في قلب المنطقة الفلسطينية.

السياسات الحكومية لتوسيع الاستيطان وزيادة عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، وتصعيد تهويد الجليل والنقب، توضح أن الحكومة الحالية تعود إلى أصول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأن المشروع الصهيوني لم يحسم بعد، وهو مستمر بنفس الأساليب والأهداف.

إلا أن قيادة هذا المشروع موجودة الآن بأيدي اليمين الديني المتطرف، الذي يسعى لضم الأراضي المحتلة وفرض إسرائيل كدولة يهودية في كل فلسطين التاريخية. كل هذا بينما ينشغل المجتمع الإسرائيلي والمنظومة السياسية، وإلى حد بعيد المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، بخطط الحكومة لتقييد وإضعاف السلطة القضائية، ولا يعطي هذه التحولات الاهتمام المطلوب.

المساهمون