العملية العسكرية على غزة: رهانات إسرائيل ومحاذيرها

09 مايو 2023
عنصر في كتائب القسام أمام منزل دمره الاحتلال في رفح 9 مايو 2023 (أسوشييتد برس)
+ الخط -

يرمي عدوان "الدرع والسهم" الذي شنه الاحتلال الإسرائيلي، فجر الثلاثاء، على حركة "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة، واغتال فيه عدداً من أبرز قيادات الحركة العسكرية، إلى تحقيق عدد من الأهداف العسكرية والاستراتيجية والسياسية.

شنّ العدوان جاء رداً على إطلاق عشرات الصواريخ من قطاع غزة قبل أقل من أسبوع، في أعقاب إعلان استشهاد القيادي في حركة الجهاد، الأسير في سجون الاحتلال، خضر عدنان، بعد إضراب عن الطعام امتد لـ86 يوماً.

وقد عمدت إسرائيل إلى استهداف "الجهاد الإسلامي"، ليس فقط لأنها تعتقد أنها المسؤولة عن إطلاق العدد الأكبر من الصواريخ في الجولات الأخيرة، بل لأنها أيضاً معنية بجولة محدودة تنتهي قبل حلول مناسبات تنطوي على طاقة تفجير كبيرة تحل خلال الشهر الجاري.

في الوقت ذاته، إسرائيل معنية بتوظيف الحملة في "ترميم" قوة ردعها، تحديداً في أعقاب تحذير الكثير من القيادات العسكرية في الاحتياط وقادة المعارضة من التداعيات الخطيرة لتآكل هذه القوة في أعقاب عدم رد إسرائيل على عمليات إطلاق الصواريخ الأخيرة.

إلى جانب ذلك، فإن مبادرة إسرائيل بشنّ عملية عسكرية واسعة قبل حلول مناسبات ذات حساسية خاصة، مثل "يوم القدس"، الذي تحتفي به إسرائيل بمناسبة احتلالها للمدينة، وتنظم خلاله الجماعات اليهودية المتطرفة مسيرة الأعلام، تقلص من قدرة الفصائل الفلسطينية على التدخل والرد على الاستفزازات الإسرائيلية عند حلول هذه المناسبة، على اعتبار أنها تكون قد فرغت طاقتها القتالية قبل حلول هذه المناسبة. ومن الجدير ذكره أن تنظيم "مسيرة الأعلام" في مايو/ أيار 2021، أشعل مواجهة عسكرية بين حركة حماس وإسرائيل، قادت إلى انضمام فلسطينيي الداخل إليها بشكل غير مسبوق.

كذلك، توظف إسرائيل هذه الحملة في إرسال رسائل إلى أطراف خارج حدود فلسطين، كإيران وحزب الله، تحديداً بعد إظهار حزب الله تحديه لها في أكثر من مناسبة خلال السنوات الخمس الماضية.

إلى جانب ذلك، توظف إسرائيل هذا العدوان في اختبار مدى موضوعية ودقة مخاوفها من إمكانية تفجر مواجهة على عدة جبهات، ولا سيما بعد صدور تهديدات بهذه الروح بشكل صريح من ممثلي المحور الذي يضم إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية.

ومما لا شك فيه، أن شنّ العملية العسكرية يُعَدّ متطلباً سياسياً داخلياً من الطراز الأول بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يساعده على إعادة بناء سلم أولويات الجدول الداخلي، بحيث تُدفَع الأجندة الأمنية على حساب الاهتمام بالاحتجاجات الواسعة على توجه الحكومة لتمرير التعديلات القضائية.

في الوقت ذاته، أسهمت العملية العسكرية بالفعل في ضمان استقرار حكومة نتنياهو، وأفضت -ولو مؤقتاً- إلى انتهاء الأزمة مع حركة إيتمار بن غفير "المنعة اليهودية"، التي أعلنت أخيراً التوقف عن دعمها لمشاريع القوانين التي تطرحها الحكومة في الكنيست، فضلاً عن قرار وزراء الحركة عدم حضور جلسات مجلس الوزراء. ويكتسب هذا التطور أهمية قصوى بالنسبة إلى نتنياهو، لأنه يضمن توفير بيئة داخلية تسمح بتمرير مشروع ميزانية الدولة أواخر مايو/ أيار، لأن فشل الحكومة في تأمين أغلبية مطلقة لتمرير المشروع في الكنيست يعني سقوطها بشكل تلقائي.

لكن رهانات نتنياهو لا تبدو مضمونة التحقق بسبب حالة انعدام اليقين إزاء توجهات أطراف المقاومة الفاعلة في قطاع غزة. فانضمام حركة "حماس" إلى حركة "الجهاد الإسلامي" في الرد على جريمة اغتيال قيادات "الجهاد" والمجزرة التي طاولت أطفالاً ونساءً، سيقلب المعادلة، ويزيد من فرص إطالة أمد المواجهة بشكل يؤثر سلباً بمصداقية نتنياهو، وبتأييد الجمهور الإسرائيلي لها، ولا سيما إذا أفضت إلى تفجر مواجهات كبيرة في الضفة الغربية وداخل مدن وبلدات الداخل الفلسطيني المحتل.

من ناحية ثانية، وفي حال انضمام ساحات أخرى إلى المواجهة، فإن الأمور ستتعقد. ولا شك أن إسرائيل تبدي مخاوف من أية مواجهة يمكن أن تفضي إلى انضمام حزب الله إليها، بسبب طابع الترسانة الصاروخية التي يحوزها الحزب، والتي تشمل صواريخ ذات مدى طويل، ورؤوس متفجرة كبيرة، وبعضها ذات دقة إصابة عالية، ما يجعل الكثير من المرافق الحيوية العسكرية والمدنية الإسرائيلية في بؤرة الاستهداف.