العلاقات المصرية ــ الإماراتية: "النهضة" وتباطؤ في تنفيذ الوعود

14 ابريل 2021
السيسي وبن زايد في أبوظبي، نوفمبر 2019 (كريم صاحب/فرانس برس)
+ الخط -

أبرزت الرئاسة المصرية، أول من أمس الإثنين، اتصال رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، لتهنئته بحلول شهر رمضان، في تواصل هو الأول المعلن بين الطرفين منذ نحو شهرين. وهي مدة تخللتها أحداث عديدة أكدت اتساع الخلاف بين مصر والإمارات حول العديد من القضايا. وتحاول أبوظبي بالضغوط المباشرة أحياناً، وبإجراءات التفافية في أحيان أخرى، التأثير على توجهات السياسة المصرية محلياً وإقليمياً، خصوصاً بعد فتح قنوات للتواصل وتحسين العلاقات مع قطر وتركيا، الأمر الذي يثير قلق أبوظبي بشدة.
وجاءت قضية سد النهضة لتؤكد للسيسي والمسؤولين المصريين وقوف الإمارات في موقع لم يكن مُتوقعاً، من خلال وقوفها على الحياد، بل والتلويح بضخ استثمارات كبيرة في السودان وإثيوبيا، والسعي للصلح بينهما بإطلاق مبادرات متكررة، على عكس الاتجاه المصري المنطقي في اللحظة الحالية، والذي يرغب في استغلال الخلاف الحدودي بين الدولتين لتثبيت موقف السلطة الحاكمة في الخرطوم، وتوحيد موقف دولتي المصب ضدّ التعنت الإثيوبي، والإصرار على الملء الثاني المنفرد لسد النهضة من دون التوصل إلى اتفاق ملزم لقواعد الملء والتشغيل.


قضية سد النهضة أكدت للسيسي والمسؤولين المصريين وقوف الإمارات في موقع لم يكن مُتوقعاً

وخلال الشهر الماضي، بذلت الإمارات جهوداً سرية لإقناع مصر والسودان بحلول فنية غير جذرية تمكّن إثيوبيا في كل الأحوال من الملء الثاني للسد، وتحقق حالة مؤقتة من عدم الإضرار بالسودان ومصر تنتهي بنهاية فترة الفيضان الحالية، مع عدم التوصل إلى اتفاق نهائي وملزم لجميع الأطراف يضع قيوداً على التصرفات الإثيوبية المستقبلية. لكن القاهرة استطاعت استمالة الخرطوم والإعلان أخيراً عن رفض هذه الحلول، وسط الاكتفاء بتبادل المعلومات.

والخلاف بين مصر والإمارات في هذا الملف لم يخرج للعلن بعد، لكن مؤشرات التوتر الواضحة كانت لها مقدمات على صُعُد مختلفة على مدار العامين الماضيين، اللذين شهدا شداً وجذباً مكتوماً بين القاهرة وأبوظبي على خلفيات سياسية واقتصادية عديدة، أبرزها الخلاف حول طريقة التعامل مع الملف الليبي الذي أصبح المصريون يرون أن المواقف الإمارتية ورطتهم فيه لسنوات من دون طائل، فضلاً عن إقدام المستثمرين الإماراتيين على الانسحاب من العديد من المشروعات، خصوصاً في العاصمة الإدارية الجديدة، وسحب الاستثمارات التي كانوا قد وعدوا بها سابقاً أو التباطؤ في تطويرها، بحجة سوء الإدارة المصرية لها، وأخيراً تقاعس الإمارات في مد يد العون لمصر في أزمة كورونا، من خلال التباطؤ الواضح في إرسال اللقاحات، وتصاعد الحديث عن التعاون مع إسرائيل لتنفيذ مشروعات تنموية لوجستية ستؤثر سلباً على المقومات المصرية وأهمها قناة السويس. وذلك كله على الرغم من تبادل عبارات المحبة بين السيسي ومحمد بن زايد، والاتصالات والمشاورات المستمرة في جميع الملفات.

وحاولت الإمارات تجاوز حالة التوتر مع القاهرة، إعلامياً، بواسطة سياسة دعائية مكثفة عبر وسائل الإعلام المملوكة لها، لصالح السيسي، عبر الترويج لإنجازاته ومهاجمة معارضيه، بصورة يمكن القول إنها أكثر تطرفاً من تلك التي اعتمدتها وسائل الإعلام المصرية المحلية. 

تقاعست الإمارات في مد يد العون لمصر بأزمة كورونا

لكن في الوقت ذاته، تلعب هذه الوسائل دوراً مغايراً، بنشر أنباء وشائعات تحاول تعطيل التقارب المصري التركي تحديداً، فضلاً عن إعادة التركيز على نقاط الخلاف، في الوقت الذي تظهر فيه القاهرة وأنقرة حريصتين أكثر من أي وقت مضى على إحراز تقدم في المفاوضات بينهما، ولا أدلّ على ذلك من الإعلان المشترك عن الاتصال الهاتفي بين وزيري خارجية البلدين سامح شكري ومولود جاووش أوغلو خلال أزمة قناة السويس، ووقف بعض البرامج المعارضة للنظام المصري في القنوات التي تبث من أنقرة وإسطنبول.

في السياق، كشفت مصادر حكومية مصرية مطلعة على مجريات العلاقات بين القاهرة وأبوظبي، لـ"العربي الجديد"، أنّ السياسة الإماراتية تجاه مصر تأثرت بشكل كبير بـ"تباطؤ مصر في تنفيذ وعودها الخاصة بمنح الإمارات القدرة على امتلاك وإدارة بعض الأصول المصرية"، مشيرة إلى أنّ المعادلة من منظور أبوظبي كانت "منح المصريين مزيداً من المساعدات، مقابل الحصول على أصول حقيقية يمكن الاستثمار فيها على المدى الطويل".

وأضافت المصادر أنّ الأجهزة السيادية المصرية كانت وما زالت ضد التوسع في منح أي دولة عربية أو أجنبية إمكانية التحكم في أصول مصرية عقارية أو ذات قيمة تاريخية، وانعكس هذا على الطريقة التي أدار بها النظام الحاكم مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، بتسليم ملكيته وإدارته للجيش وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، الأمر الذي أثار حفيظة أبوظبي. وكما يتحفّظ الإماراتيون على سوء استغلال المساعدات المالية منذ عام ونصف العام تقريباً، فإنهم يتحفظون أيضاً على ما يصفونه ببطء التوسع في إدخالهم شريكاً في ملكية الأصول من خلال صندوق مصر السيادي وغيره من المؤسسات المالية الجديدة، فعلى الرغم من سير النظام حثيثاً على طريق هذا التحول، إلا أنّ الإمارات تراه بطيئاً وغير جاد بما فيه الكفاية.

رؤية النظام المصري مستقرة على استمرار تقديم الحوافز للإمارات، ولكن بتسلسل مرحلي

وبحسب المصادر، فإنّ رؤية النظام مستقرة على استمرار تقديم الحوافز للإمارات، ولكن بتسلسل مرحلي، على أمل استئناف ضخ الاستثمارات والمساعدات، وتخفيف حدة التوتر القائم، ومن الأولويات الحالية لتحقيق ذلك، الإسراع في إدخال بعض الصناديق الإماراتية شريكة في استغلال ممتلكات صندوق مصر السيادي، وبيع حصص من شركات الجيش الاقتصادية لشركات حكومية إماراتية.

ومساء أول من أمس الإثنين، قالت وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد، إنّ مجلس الوزراء أخلى البهو المتبقي بمجمع التحرير بميدان التحرير بوسط القاهرة، من الموظفين والإدارات الموجودة به، معلنة قرب طرح المذكرة الخاصة بالمجمع حتى يتقدم المطورون والمستثمرون لتنفيذ عملية التطوير. ولفتت إلى أنه سيتم التعاقد مع المطورين في الربع الأخير من العام الحالي، بعد تلقي الطلبات كافة وبحث العروض المقدمة.

إلى ذلك، ترتبط التعديلات الأخيرة التي أدخلت على قانون صندوق مصر السيادي وأصدرها السيسي بالقانون 197 لسنة 2020 نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي بقرار السيسي الصادر بداية الشهر نفسه، بنقل مجموعة من الأراضي والعقارات شاسعة المساحة من الملكية العامة للدولة إلى الملكية الخاصة بصندوق مصر السيادي، لتمكينه من استغلالها والتربح منها والشراكة مع المستثمرين والصناديق الاستثمارية الأخرى فيها. وتضمنت تلك الأراضي والعقارات أرض ومبنى مجمع التحرير، وأرض الحزب الوطني الحاكم سابقاً على كورنيش النيل بجانب المتحف المصري القديم بميدان التحرير، وأرض ومباني الديوان العام القديم لوزارة الداخلية بالقرب من ميدان التحرير، وأرض ومباني المدينتين الاستكشافية والكونية بمدينة السادس من أكتوبر، وأرض ومباني ملحق معهد ناصر الطبي بشبرا مصر على النيل، وأرض حديقة الأندلس بطنطا.