العراق: حملة لتعقب مصادر إمدادات "داعش"

03 يناير 2023
تعرضت القوات العراقية لأكثر من هجوم في الفترة الأخيرة (جون مور/Getty)
+ الخط -

طرحت سلسلة الكمائن والعودة إلى أسلوب زرع الألغام والعبوات الناسفة من قبل عناصر تنظيم "داعش" ضد القوات العراقية في مناطق مختلفة، وتحديداً الشمالية، وأبرزها كركوك، تساؤلات عن مصادر حصول عناصر التنظيم المحاصرين في مناطق محدودة وواضحة ومسجلة لدى السلطات العراقية، على السلاح والإمدادات.

فقد استخدم التنظيم مادة "تي إن تي" خلال الأسبوع الماضي لتنفيذ عمليات، أدت إلى مقتل عدد من الجنود العراقيين بواسطة ألغام كانت مزروعة على أكثر من طريق. يرى خبراء ومراقبون أن عناصر "داعش" يتنقلون في أنفاق يصعب الوصول إليها، وبالتالي إن منع حصولهم على "الإمدادات" يحتاج إلى دراسة ووضع خطط أمنية جديدة.

ولقي عدد من المنتسبين إلى الشرطة الاتحادية، في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي حتفهم، وأصيب آخرون بهجوم مسلح نفذه عناصر من "داعش" في محافظة كركوك. وجاء هذا الهجوم بعد ثلاثة أيام من هجوم مماثل أودى بحياة 12 من عناصر الشرطة الاتحادية. وانفجرت قبلها عبوة ناسفة استهدفت عناصر من الجيش العراقي ضمن منطقة الزاب الأسفل قرب قضاء الحويجة في محافظة كركوك، وتبنّاه التنظيم عبر بيان بثته منصاته في تطبيق "تلغرام".

إثر ذلك، أعلنت السلطات الأمنية إعفاء عدد من الضباط والآمرين واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم على خلفية الهجمات المتكررة. وأفادت مصادر أمنية قريبة من مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، لـ"العربي الجديد"، بأن "الأخير طلب من قادة الجيش وأجهزة الاستخبارات منع استمرار تموين عناصر التنظيم، فضلاً عن فصل عناصر التنظيم عن خطوط الإمدادات".

"داعش" يتغلغل في بعض المدن المحررة

ولفتت المصادر إلى أن "الهجمات الأخيرة لعناصر التنظيم في محافظتي ديالى وكركوك، نُفذت بأسلحة قديمة لكن بذخيرة جديدة". وأشارت إلى أن "صناعة عناصر التنظيم للعبوات الناسفة باستخدام مادة تي إن تي، يعني أن هناك خطوط إمداد جديدة توصّل إليها التنظيم الإرهابي".

وأوضحت المصادر أن "السلطات الأمنية باشرت بتحقيقات جديدة لمعرفة المتعاونين مع التنظيم، سواء على مستوى المحليين أو المورّدين، وكذلك خطوط عبور هذه المواد بين المدن العراقية".

وأكدت أنه "يُعتقد لغاية الآن أن التنظيم تمكّن خلال الأشهر الماضية من التغلغل في بعض المدن المحررة للحصول على بعض المواد الأولية، كذلك هناك احتمالات لوجود مناطق عبور بين العراق وسورية لعناصره لم تتوصل إليها القوات العراقية لغاية الآن".

في غضون ذلك، حضر السوداني، السبت الماضي، اجتماعاً للهيئة الوطنية للتنسيق الاستخباري. ووجّه بـ"إجراء تقييم شامل لأداء جميع القيادات العاملة في قطاع الاستخبارات، بما يساعد في اتخاذ التدابير اللازمة، لتجنب الخروقات الأمنية وتنفيذ عمليات استباقية نوعية"، وفقاً لبيان صدر عن مكتبه.


الخفاجي: عناصر "داعش" متواجدين في مخابئ معروفة بالنسبة للقوات الأمنية

بدوره، أكد المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية اللواء تحسين الخفاجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "عناصر التنظيم الإرهابي موجودون في مخابئ معروفة بالنسبة إلى القوات الأمنية، لكن بعض هذه المناطق وعرة ومن الصعب التوغل فيها عبر قوات المشاة أو تمشيطها بالعجلات العسكرية".

وأوضح أنه "لذلك يقوم الطيران الحربي بقصفها بشكلٍ مستمر، وهي تحت المراقبة". ولفت إلى أنه "على الرغم من تراجع قدرات التنظيم، لكنه يتحين الفرص في سبيل الإيقاع بعدد من الجنود العراقيين، لتحقيق انتصارات وهمية".

وأشار الخفاجي إلى أن "معظم المناطق الوعرة والمخابئ التي يستخدمها التنظيم تقع على الحدود مع إقليم كردستان، وتقع أخرى في ديالى، وهي تحت مرمى الطيران الحربي". وشدد على أنّ "من الصعب جداً خروج عناصر التنظيم من هذه المخابئ لأنهم يعرفون أن الخروج منها يعني الموت".

وأوضح الخفاجي أن "العدة التي يملكها عناصر داعش متراجعة، وفقاً للاعترافات التي تحصل عليها الأجهزة الأمنية من المعتقلين حديثاً، إضافة إلى المعلومات الخاصة بفرق الاستخبارات". ولفت أيضاً إلى أن "القوات الأمنية في تحديثٍ مستمر لمعلوماتها".

ورأى أن "العمليات الإرهابية الأخيرة التي حدثت في كركوك، تشير إلى أن التنظيم يسعى للخروج من المخابئ، من خلال إرباك الوضع الأمني ومحاولة توجيه الأنظار إليه بقلق من قبل العقل الأمني العراقي، فهو يسعى لخلق صورة ذهنية بأنه لا يزال قوياً وقادراً على المواجهة".

كذلك شدد الخفاجي على أن "القوى الأمنية تتعامل مع التنظيم بحسم، ونعتقد أن داعش يحصل على تمويل، لكن ليس بالطرق التي كان يتعامل بها عبر السيطرة على مصادر مهمة، بل من خلال تهديد الأهالي أو المزارعين والتجار".

طُرق "داعش" في الحصول على الإمدادات

من جهته، أقرّ مقرر لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، مهدي تقي، في حديث لـ"العربي الجديد"، بوجود ما وصفها "مناطق رخوة أمنياً في العراق، وتحديداً في كركوك وديالى وأطراف نينوى".

وأكد أن هذه المناطق "تحتاج إلى اهتمام أكبر بها من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة، ولا سيما بعد عودة داعش إلى استخدام أسلوب العبوات الناسفة التي تحتاج إلى مواد أولية من المفترض أنها غير متوافرة لدى عناصره، إضافة إلى خبراء بتصنيعها، والجهود والتوقيتات لزراعتها". وأوضح أن هذا "ينذر بوجود خطوط إمداد وتمويل للتنظيم في مخابئه".


تقي: القوات العراقية قد تكون تراخت في متابعتها لملف داعش

ولفت إلى أن "القوات العراقية قد تكون تراخت في متابعتها لملف داعش، بسبب الاهتمام بملفات معقدة مثل المخدرات". وأشار إلى أنّ "من المفترض أن يرجع التركيز على التنظيم، وقد نضع هذا الملف ضمن جلسات مجلس النواب قريباً".

وأكد تقي أن "هناك من يراهن على تراجع شراسة عناصر التنظيم وخوفهم، لكن هذا لا يبدو صحيحاً، لأن معظم من بقي من هؤلاء، فقدوا الأمل في العودة إلى الحياة الطبيعية".

وشدد على أن "هؤلاء يرون أنفسهم مشاريع موت، لذلك فقد تكون شراستهم زادت خلال الفترة الماضية". ورأى أن "حصول هذه العناصر على أي خطوط تمويل وإمدادات وتأمين حاجاتهم، يعني احتمال عودة مزيد من العمليات الإرهابية التي تستهدف المواطنين في المدن المحررة والقوات العراقية والحشد الشعبي".

من جهته، رأى الخبير الأمني والعميد المتقاعد في الجيش العراقي عماد علو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "عناصر داعش متوزعون ما بين الجبال، وحوض حمرين، وهي أكثر المناطق التي يعتبرها التنظيم آمنة بالنسبة إليه".

ولفت إلى أن التنظيم "يتحرك في المناطق القريبة للحصول على المعونات، سواء من خلال المتعاونين معه، وهم قلة، أو عبر التهديدات التي يحصلون من خلالها على الإمدادات أو المواد المتفجرة التي يحتاجون إليها". واعتبر علو أن "عودة التنظيم لاستخدام العبوات مؤشر خطير يستدعي البحث فيه".

وأشار إلى أن "أفضل الطرق لمواجهة تمويل داعش، تمكين الأهالي والمواطنين من الإبلاغ عن أي حراك مشبوه مرتبط بالتنظيم". وأكد "ضرورة تفعيل أكبر للطيران المسيّر في المواقع التي يوجد فيها التنظيم، وتحديداً في المناطق التي لا تستطيع قطعات الجيش استطلاعها، لكن الأهم فعلاً في هذه المرحلة، التشبيك مع أبناء المناطق والعشائر التي تشهد خروقات كهذه، ولا سيما في ديالى وكركوك".