أدت حملة الإعفاءات والاستبدال لأكثر من 10 موظفين كبار في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية، التي جرت خلال الأسابيع الماضية، إلى ردود فعل مختلفة من قبل القوى السياسية العراقية، لا سيما أنها جرت بصورة "مفاجئة"، بحسب مسؤولين سياسيين في بغداد، وقبل أقل من 3 أشهر على إجراء الانتخابات المحلية الخاصة بمجالس المحافظات، المقرر إجراؤها في 18 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
ويتحدث مراقبون عن أن التعديلات في مناصب مفوضية الانتخابات جاءت بإرادة من بعض زعماء الأحزاب الشيعية الكبيرة، بعد شعورهم بمخاوف إزاء تنامي نفوذ الفصائل المسلحة داخل المفوضية، ما يهدد حظوظها في الانتخابات المقبلة.
وجاء قرار الاستبدال بعد أشهر من استقالة رئيس المفوضية السابق جليل خلف، إبريل/ نيسان الماضي، في ظروف غامضة، ومن دون أسباب واضحة، ما يؤكد، وفقاً لمحللين، أن الوضع الداخلي لمفوضية الانتخابات يشهد خلافات عاصفة، لا سيما أن بنيتها الأساسية تتكون من مجموعة الأحزاب الحاكمة في البلاد، وفقاً لمبدأ "المحاصصة" المعمول به في العراق، منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، ولغاية الآن.
إجراء طبيعي داخل مفوضية الانتخابات في العراق
وطاولت التغييرات في المفوضية مسؤولين، بينهم مدراء في وحدة التدقيق والمالية والعمليات الانتخابية وشؤون المكاتب والمعلومات الإلكترونية.
وأكدت المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات جمانة غلاي هذه المعلومات في حديث مع "العربي الجديد"، وقالت إنه جرى "إعفاء بعض الموظفين واستبدالهم بآخرين في المفوضية"، معتبرة ذلك "إجراء طبيعياً ويحدث في جميع دوائر ومؤسسات الدولة العراقية".
وأضافت أن "الاعتراض السياسي من قبل بعض الأحزاب والكيانات هو أمر طبيعي أيضاً، لا سيما أن الفترة الحالية هي فترة استعداد للانتخابات، والأنظار موجهة إلى المفوضية".
جمانة غلاي: استبدال بعض الموظفين بآخرين، هو شأن داخلي للمفوضية
واعتبرت غلاي أن "استبدال بعض الموظفين بآخرين هو شأن داخلي للمفوضية وليس من حق أي جهة أن تتدخل في عمل المفوضية، وهذا الإجراء جزء من آلية عمل وخطة تنظيمية ولا تحتوي على أي خلل". وأوضحت أن "الموظفين الذين تم استبدالهم هم أقل من درجة مدير عام، وبعضهم مدراء شعب وأقسام، كما أن بعضهم نُقلوا إلى مواقع مهمة داخل المفوضية، وبالتالي فليس هناك استهداف لأحد".
نفوذ المالكي في مفوضية الانتخابات العراقية
لكن مصادر سياسية داخل تحالف "الإطار التنسيقي" أفادت "العربي الجديد" بأن "حملة استبدال موظفين مهمين في مفوضية الانتخابات جاءت بإرادة من قبل زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي يخشى من تصاعد نفوذ الأحزاب الشيعية الجديدة، وتحديداً تلك المنبثقة من الحشد الشعبي وتمتلك اقتصاديات كبيرة بفعل السلاح الذي تملكه". وأكدت أن "المالكي ما زال يملك نفوذاً واسعاً، بل إنه يسيطر على أقسام كاملة داخل مفوضية الانتخابات".
مصادر: الفصائل المسلحة المشاركة بالانتخابات المحلية تهدد الوجود السياسي للمالكي
وأضافت المصادر نفسها أن "أحزاباً جديدة دخلت بتحالفات شيعية بعيدة عن ائتلاف المالكي، تهدد الأخير بخسارة كبيرة في نتائج الانتخابات المحلية، خصوصاً أنها تملك مبالغ مالية كبيرة، واستطاعت خلال الفترة الأخيرة مزاحمة المالكي في مناطق نفوذه، وتحديداً في محافظة كربلاء".
وأشارت إلى أن "الفصائل المسلحة التي تدخل الانتخابات المحلية المقبلة تهدد الوجود السياسي للمالكي حالياً، وقد تشهد المرحلة المقبلة مشاكل سياسية ما بين الطرفين".
من جهته، اعترض زعيم مليشيا "كتائب الإمام علي" شبل الزيدي على تلك التغييرات، معتبراً أن ما يجري هو من ضمن "ضغط المحاصصة". وذكر الزيدي في بيان نشرته مواقع ومنصات تابعة لما يُعرف في العراق بـ"الإعلام الولائي" (إعلام الفصائل المرتبطة بإيران)، خلال الأيام الماضية، أنه "من المريب ما يحدث من تغيرات كبيرة وجوهرية بالمواقع داخل المفوضية العليا للانتخابات".
وأضاف أن "المفوضية وقعت تحت ضغط المحاصصة وأن هناك جهات تعمل على الهيمنة والاستحواذ".
وأشار الزيدي إلى أن "تلك الإجراءات سوف تُفقد المفوضية حيادها واستقلاليتها، وعلى القضاء ومجلس النواب التدخل لكشف من يقف وراء تلك التغيرات"، فيما وصف التغييرات الأخيرة بـ"المجزرة، وأنها تدمر الديمقراطية والثقة بالانتخابات".
صراع سياسي داخل "الإطار التنسيقي"
من جانبه، بيَّن عضو "ائتلاف الوطنية" محمد عمران، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الصراع السياسي داخل القوى المتنفذة في الإطار التنسيقي بدأ يظهر على المناصب المهمة داخل مفوضية الانتخابات، وهذا يهدد نزاهة المفوضية". وبحسب عمران، فإن "الخيار الذي اتخذناه (ائتلاف الوطنية) سابقاً بعدم المشاركة في الانتخابات كان صحيحاً، لأن الأحزاب السياسية تريد السيطرة على المفوضية، بالتالي فإن هذه السيطرة تعني بالضرورة التلاعب بنتائج الانتخابات".
محمد عمران: مفوضية الانتخابات هي جزء من النظام السياسي المشوّه
وأضاف عمران أن "مفوضية الانتخابات هي جزء من النظام السياسي المشوّه، وقد حاولت الجهود المدنية عبر الاحتجاجات والمراقبة الشعبية والمنظمات المحلية تصحيح وإصلاح مسار المفوضية، ومحاولة إنقاذها من السيطرة الحزبية على موظفيها".
ولفت إلى أن "جميع هذه الجهود فشلت، ما يعني أن المشاركة في الانتخابات في ظل هذا الصراع تمنح الشرعية للمفوضية والعملية السياسية الحاكمة حالياً".
بدوره، اعتبر المحلل السياسي غالب الدعمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إجراء تغييرات في مفوضية الانتخابات هو إجراء طبيعي في حال كانت الأجواء والعملية السياسية طبيعية، لكن في ظل الصراع السياسي والسباق الحزبي والأزمات بين قوى السلاح التي دخلت العملية السياسية، فإن أي حركة تقوم بها أي مؤسسة من مؤسسات الدولة تكون عرضة للشك".
وأشار إلى وجود "اعتراضات كثيرة على عمل مفوضية الانتخابات، لذلك فقد اختارت بعض القوى المدنية عدم المشاركة في الانتخابات".
وتُعد مفوضية الانتخابات العراقية هيئة مستقلة، وتُعرّف نفسها بكونها "محايدة"، فيما تخضع لرقابة مجلس النواب العراقي. لكن تركيبة المفوضية لا تخلو من المحاصصة الحزبية، عبر اختيار المسؤولين فيها وأعضاء مجلس المفوضين، وصولاً إلى الموظفين في مكاتب المفوضية في المحافظات العراقية.
وسبق أن خرجت للعلن خلافات سياسية، أبرزها ما يتعلق بمجلس المفوضين وتقسيم أعضائه على الأحزاب وفقاً لطريقة "المحاصصة" المعمول بها في البلاد.
ويتكوّن مجلس المفوضين من 9 أعضاء، بينهم رئيس المفوضية، وهم من القضاة، ونائب الرئيس ومقرر المجلس من أعضائه الآخرين، إلى جانب شخص يتم تعيينه من قبل مجلس المفوضين رئيساً للإدارة الانتخابية. وتكون ولاية أعضاء مجلس المفوضين 4 سنوات غير قابلة للتمديد، لكن سبق أن مُدد عمل المفوضية مرة واحدة.
ويتوقع مسؤولون عراقيون أن يُمدد عمل المفوضية خلال الأشهر الأولى من العام 2024، في سبيل تنظيم انتخابات برلمان إقليم كردستان، شمالي العراق.
ويتم اختيار مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات من قبل مجلس القضاء الأعلى في العراق من خلال قرعة تجرى بشكل علني، وهو إجراء جديد بدأ اتباعه في العراق عقب تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لتلبية مطالب المتظاهرين الذين أصروا على إنهاء المحاصصة الحزبية داخل مفوضية الانتخابات.